كان الاثنان معا في تنظيم واحد خارج البلد، وكانا يناضلان من اجل اسقاط الحكومة الظالمة، احدهما كان منظرا والآخر مقاتلا فذا، وهو مسؤول للجناح العسكري للحزب، يجيد استخدام جميع الاسلحة ووضع الخطط الحربية، وعند الاطاحة بالحكومة دخل الاثنان الى البلاد، وجلسا للحديث عن آخر التطورات، فقال المنظر ان كتاب كليلة ودمنة كتاب رائع، وهو يعتبر مصحف الملوك، ويالها من عبرة كبيرة تلك التي تورد على السن الحيوانات، ياليتنا ننتفع منها في هذه الفترة التي سنحكم فيها البلاد، وان نضع نصب اعيننا ان الناس قد تعبت كثيرا وعلينا ان نعوضهم خيرا، ثم توجه المنظر للسياسي العسكري الناشط في الحزب، هل قرأت مثل هذه الكتب، مثلا كتاب الفيلسوف اليوناني ايسوب، هذا الذي يقولون انه عاش في بابل طويلا، فقال لا، لم اقرأه، لقد افنيت عمري في قراءة السياسة والخطط العسكرية، والآن لم يعد هناك متسع من الوقت للقراءة، حيث دفة البلاد مائلة والاصوات متشابكة، ونحن وضعنا اقدامنا في عملية لاتخلو من الخديعة، اعدت بليل ربما ويراد من خلالها افشال امكانية ان نحكم هذه البلاد.
ضحك المنظر وادار بوجهه نحو لوحة على الجدار، كانت تجسد مرأة عمياء على عكاز في بستان من الورد،هذه اللوحة رائعة، ماقيمة بستان الورد مع هذه المرأة العمياء، ليس بالضرورة ان يكون بستان الورد جميلا بعيون الجميع، هل تعتقد ان الكثير من المبصرين سيغادرون هذا البستان، تنحنح السياسي وقال: من لايريد النظر وربما يحاول ان يغمض عينيه فما شأننا به، نعم سيغادر الكثيرون، ولسنا سجانين حتى نجبر الآخرين على البقاء، هل قرأت قصة الطبيب والمرأة، قلت لك انني متفرغ للسياسة ووضع الخطط والآن انا ادير دولة، ها… ها .. نعم لقد نسيت، هل تسمح ان اقصها عليك، فقد كان الخلفاء والسلاطين والرؤساء ينادمون الكثير من الشعراء والحكماء علهم يحظون بكلمة مفيدة لسياسة حكمهم وادارة دولهم، نعم هذا صحيح، العقلاء مطلوبون في كل زمان ومكان، اذن اسمح لي ان اقرأ عليك هذه القصة، واطلب منك الا تكون مثل الطبيب في القصة، وهذه الحكاية على لسان الفيلسوف ايسوب: يحكى ان عجوزا فقدت بصرها، فاستدعت طبيبا يعالج عينيها، واتفقت معه امام شهود ان تعطيه مبلغا من المال، اذ هو شفاها من العمى، اما اذا بقيت عمياء فلن تعطيه شيئا، اخذ الطبيب يتردد على بيتها، ويضع من مراهمه في عينيها، ولكنه كان في كل مرة يسرق شيئا من متاعها، حتى نهب كل ماملكت.
من بعد هذا طالبها بالاجر الذي اتفقا عليه، لان العجوز قد شفيت تماما، فنظرت فلم تجد في البيت شيئا من متاعها، فرفضت ان تدفع له شيئا، وتمسك الطبيب بدعواه، وخاصمها عند القاضي، فلما مثلت العجوز امام القاضي، قالت: ان هذا الرجل ينطق بالحق فيما يقول، فقد وعدته حقا ان اعطيه مبلغا من المال، ان ارتد لي بصري، اما اذا بقيت عمياء فلا اعطيه شيئا، وهو يزعم الآن اني شفيت، وانا اؤكد اني لا ازال عمياء، لاني قبل ان افقد بصري، كنت ارى في منزلي اثاثا ومتاعا نفيسا، ولكني وان كان هو يحلف اني شفيت من مرضي، لا استطيع ان ارى من كل ذلك شيئا عندي، ضحك الرئيس وهز كتفيه، فايقن الحكيم ان كلامه لم يعد نافعا مثلما كان في السابق.