18 ديسمبر، 2024 5:20 م

الحكيم.. أُمة في رَجُل

الحكيم.. أُمة في رَجُل

كيف يتصور المرء، أن يكون شخصٌ ما بمثابة أُمة كاملة، بكل ما فيها؟
لو تصفحنا التأريخ سنجد عناوين في هذا الصدد، أن رَجُلا كان يعادل كذا ألف رجل، ويذكر لنا ارباب التوثيق قصصا كثيرة؛ من أن عنترة كان يتميز بالقوة الجسدية، وحاتم الطائي بالكرم وكرمه كان مضرب المثل في زمانه، وحين التكلم عن الشجاعة يتبادر إلى الاذهان علي إبن إبي طالب “عليه وآله أفضل الصلوات” الذي كان يلقب من قِبل اعداءه “بالقطم” اي برز اليكم من يقطف ارواحكم، وينقل الرواة أن أبنه العباس حين رام جلُب الماء لخيام أخيه الحسين، كان يحرس النهر قوة تعدادها بالآلاف، وحين سمعوا بقدوم العباس هربوا من شدة الخوف، فكيف لرجل ان يرعب قوة كبيرة؟ ألا يدل ذلك انه يحمل عزيمة وشجاعة وأستبسال أمة كاملة، لهذا قيل أنه يعد بأنه يمثل أمة كاملة.
كثيرةً هي عمليات التصفية التي، تمارسها التنظيمات الإرهابية وأرباب الجريمة المنظمة و الأنظمة الدكتاتورية، تجاه كل من يخالف توجهاتها ويتصدى لها.. ويعد نظام البعث الصدامي من أشدها فتكاً وقسوةً، فمارس القمع و الظُلم و القهر تجاه ابناءه في الحقبة الماضية، منذ أواسط القرن العشرين الى مطلع قرن الحادي والعشرين، مجزرة تلو الأخرى ترتكب بحق الشعب المظلوم، و في طليعة من استهدفتهم ماكنة القمع؛ الحوزة العلمية والحركات الإسلامية، وحتى غير الإسلامية لم تنجو من الملاحقة.
سيرة النُبلاء والعُظماء ومن سار بركبهم، نالوا مرتبة رفيعة لحملهم أهآت شعوبهم بتصديهم للأنظمة الدكتاتورية، لعلمهم المسبق ان ثمن التصدي دمائهم وسبي عوائلهم، كما فُعل ذلك بعائلة الحُسين سبط النبي (عليه وأله أفضل الصلوات ).
المجاهد محمدباقر الحكيم ومنذ نعومة أظفاره، كان رافضاً لمظاهر التيارات المنحرفة الإجتماعية منها والسياسية، فكان صوتاً يصدح بالحق مطالباً بحقوق المستضعفين، التي صُدرت من قِبل ازلام النظام، أستخدم الكلمة من على المنابر في مقارعة النظام، ما جعله رقماً صعباً لنظام البعث، اعتقل مرات عديدة واودع في السجن لنشاطه الديني والسياسي المعارض لتوجهات البعث، في فترة تواجده في العراق، وتعرض لعمليات الاغتيال المتكررة التي كانت تستهدفه في داخل العراق وخارجه..
حمله لتطلعات شعبه المظلوم والمطالبة بحقوقه المشروعة، دفع النظام لتضيق الخناق عليه، مما دعاه الى الخروج وتحمل الغربة ليكمل ما بدأ به، مستخدماً الكلمة والسلاح كأدوات للكفاح معاً في أسقاط النظام.. فلعبت الكلمة دورها في المحافل الدولية لبيان طغيان واجرام النظام بحق العراقيين، مما أدى إلى عزلة تامة سيما بعد غزوه لدولة الكويت، وأخذ السلاح دوره في ضرب مضاجع النظام في عقر داره، ليسلب منه طعم الامان الذي كان يحرم منه الأسرة العراقية.
رفع الشهيد الحكيم شعار جده الإمام الحُسين “هيهات منا الذلة”، فما كان من جلاوزة البعث إلا شن حملات الاعتقالات والاعدامات لاسرته الكريمة، وما ان رفض الحكيم مطلب البعث بالتوقف عن مناهضة صدام، ما انجلت غِبرة سيارات الامن، إلا وخلفت ورائها ما يزيد عن 60 شهيد من اسرة آل الحكيم..
رغم تلك الدماء الغالية الطاهرة عليه وعلى كل غيور، لكنها لم تضعف من عزيمته و اصراره على اكمال مسيرته و الوصول الى الهدف، المتمثل باسقاط حكم البعث الصدامي.. عمل ما بوسعه في فضح النظام، رغم ما يتمتع البعث من ماكنة إعلامية ومادية، ووقوف دول المنطقة والإقليمية والعالم باسره في حرب الثمانينيات إلى جانب صدام، تمكن الشهيد الحكيم رغم ادواته البسيطة ان يعري النظام.
شهيد المحراب لم يكن يمثل ذاته الشخصية والأُسرية في حراكه، أنما كان يمثل مشروع وطن بكامله، لما له من حضور سياسي وأجتماعي وديني، العالم الذي لن ينقطع في ممارسة دوره العقائدي في تأليف الكُتب وألقاء المحاضرات، واجتماعياً متفقداً الاسر العراقية المهجرة محاولا تقديم الدعم لها قدر الممكن لتخفيف بعدهم عن وطنهم، وسياسياً كان سيد المعارضة وفارسها، مما دفع صدام لأن يطلب من الحكيم وقف نشاطه للنظام..
هذا دل على انه القوة الكبرى التي يخشى النظام مواجهتها، لما يتمتع به من ثقل على صعد عدة فقد كان يحمل مشروع دولة، يجمع فيها اطياف الشعب العراقي على جميع توجهاتهم السياسية والدينية، لهذا تم أستهدافه..
كان يمثل ضمانة عراقية وإسلامية كبرى، كما عبر عن ذلك امين عام المقاومة اللبنانية، لذا كان يمثل العائق بوجه مخططات القوى المعادية للعراق الجديد ما بعد سقوط نظام صدام، وكذلك يعد العقبة في وجة قوات الاحتلال وحلفائهم، فوجدوا ان مخططاتهم لن تكون في مأمن ما لم تتم تصفية السيد محمد باقر الحكيم من الساحة العراقية جسدياً، و هذا ما حصل بالفعل، لهذا تم تغييبه عن الساحة العراقية بالأغتيال، وأغتياله كان بمثابة أغتيال وطن بكامله.