انها حلقة مغلقة صارمة وساحرة, وتكتسب ديناميكية ذاتية كلما تقترب الحاجة الى شحنات المخدر, وتتقلص المسافة والزمن لتناول جرعة جديدة ليكون المدمن فى وضع “صحى”, على الاقل ان تقوم اعضاء الجسم بواجباتها الاعتيادية والدورة الدموية تعمل لوقت محدود, … الى الجرعة الضرورية القادمه والتى ستكون “على الحساب” او كما هو معروف فى اوساط المال والبنوك بـ” القروض المالية”, كما ان قوة الجرعة فى نمو مستمر.
قبل ان يصبح الشخص مدمنا,كان له القدرة على شراء المخدرات نقدا, وتستمر هذه الحالة لفترة من الزمن ترتبط بقدرة المدمن على العمل وتوفير المال اللازم للدفع نقدا, الا ان الامورتسير خلافا لتصورات وتوقعات الضعفاء والمدمنين والمستهلكين. مع الوقت يزداد الطلب على شحنات المخدر وحتى تتنوع انواعة, وبنفس القدر تتضائل قدرة على العمل والانتاج. ان تجار المخدرات ينتظرون هذه الوضعية ويقوم بتقديم المخدرات على الحساب , كقروض. ان القوى الجسمية والعقلية للمدمن تضعف بشكل مستمر ويفقد القدرة فى السيطرة على استهلاك المخدرات, ويكون عرض تاجر المخدرات الذى يجهيز على الحساب, بـ “الدين” والمدمن يعتبر المديونية انقاذا لحالته, انهاحالة مؤقتة مغرية وساحرة, دون التفكير بالنتائج اللاحقة المرتتبة عليها, متصورا نه مازال مسيطرا على الاوضاع الشخصية والمحيطة به, حتى انه لا يعترف بانه مدمن ولا يستطيع الاستمرار على الحياة دون المخدرات ولا يمكن ان يستمر على الحياة دون تناولها, دون ان يطلب قرضا جديدا. ان تجار المخدرات يغريهه بالقروض ويربطه معه بشكل محكم لا يستطيع الانفكاك منه, وفى الوقت المناسب يضرب تاجر المخدرات ضربته القاضية ويستولى على كل ما يملكه عميلة المدمن على المخدرات., ويصبح هيكلا مريضا لاحول له ولاقوى.
ان الحكومه العراقية قد اصبحت مثل المدمن على المخدرات. ان الحكومه قد طلبت قروضا من المؤسسات المالية العالمية بشكل مستمر, حتى انها فى سنين الوفرة المالية واسعار البترول الرائعة وكانت الميزانية تقدر بـ 130 مليار دولار, اخذت الحكومة قرضا حجمه 250 مليون دولار, فى الحقيقة لا توجد ضرورة له, ولكن مدراء البنك الذى قدم القرض يصفه بانه لـ “تمشية اوضاع النخبة الحاكمة “, انه بشكل او بأخر “بخشيش” او بالاحرى على جهود مخالفة للقانون ومضرة للبلد. ان الاستعداد لطلب القروض المالية قد اخذت مع الوقت وتطور الاحداث وشهوة النخبة الى المال والثروة فى تصاعد مستمر, واذا كانت القروض لتمويل مشاريع ستراتيجية ضخمة, 2مصافى للنفط فى محافظتين كانت كلفتها حوالى 7,5مليار دولار, الا ان هذه المصافى لم تنفذ لحد الان, ولكن الاموال التى رصدت لها وجدت طريقها الى مختلف البنوك العالمية وكذلك الى ايران. كان اعادة
تسليح الجيش فرصة رائعة للنخبة لعقد صفقات تعود لها بالمليارات, ويمكن التأكيد بان اكثرية صفقات تسليح الجيش كانت بضاعة مستهلكة فاسدة “خردة”لا تصلح للاستخدام. مع تصاعد الارهاب وفساد الحكام ازداد الطلب على مختلف انواع السلاح.
لقد انتهت سنين اسعار النفط العالية واخذ سعر البرميل يتناقص الى ان وصل تحت 40 دولار, وكانت مفاجئة غير سارة لنخبة الصفقات, الا ان اوضاع البلد اخذت فى تردى مستمر, ارهاب فى نطاق يتوسع , تمرد ومعارضة فى المنطقة الغربية, تظاهرات السكان فى ساحة التحرير ومدن اخرى تطالب بالاصلاح ومحاربة الفساد وايجاد فرص عمل للخريجيين والشباب, وليس اخيرا يرافق ذلك بنفس الوقت تصاعد الفساد المالى وسرقات المال العام واستشراء الفساد الادارى وعدم قدرة النخبة او رغبتها فى التصدى لهذه الظواهر, وليس اخيرااحتلال داعش لثلث مساحة العراق بعملية لا يمكن تصديقها, لقد دخلوا مدينة الموصل وكانهم فى زيارة عادية للتسلية ولم تطلق عليهم رصاصة واحدة!!. ماذا تعمل النخبة الفاسدة التى لا تجيد ادارة الامور الدولة سوى اللجؤ نحو الهجوم على رواتب الموظفين والمتقاعدين ومن ثم التوجه نحوالقروض من المؤسسات المالية العالمية السىء الصيت والعمل. ان هذه القروض تمثل جرعات المخدر لتمشية الاوضاع المتدهورة, انها ليست حلولا ولكنها تعطى الشعور للنخبة بانها قد وجدت حلا للازمة المحيطة بها. ان نخبة 2003 تعلل القروض الكبيرة والكثيرة بامكانيات العراق الهائلة فى ثرواته الطبيعية. ان القروض كثيرة وضخمة جدا, ونذكر فقط بالبعض منها على سبيل المثال 500 مليون دولار من بنك التنمية الاسلامية فى السعودية, 2 مليار دولار, فى عام 1915 قرضا من البنك الدولى وصندوق النقد الدولى , وبنفس الوقت 500 مليون دولار من المانيا…الخ, عدا ذلك ما يسمى باستحقاقات الشركات العالمية العاملة وفق تراخيص النفط, ومع توسع الارهاب الداعشى واحتلاله لاراضى عراقية واسعة, اخذت الحاجة تتنامى لاخذ جرعات مهدئة مطمئنة جديدة, وتتباحث الحكومة لقرض جديد, لجرعات مخدرة جديدة من البنك الدولى, وتقدمها للشعب كانتصار دبلوماسى والمكانة المرموقة للنخبة العراقية. ان النخبة لا تفكر بايجاد مصادر جديدة للاقتصاد الوطنى , خاصة بعد ان افلست ولا تتوفر الامكانيات المالية لاعادة الحياة فى القطاع الصناعى والزراعى والخدمى, او فرض ضرائب عالية على البضائع الكمالية وكذلك على السكائر والكحوليات, ان كل ما تستطيع عمله التسلط على رواتب المتقاعدين والموظفين, اما التفكير باعادة النظر برواتب وامتيازات ومخصصات الرئاسات الثلاثة التى تستنزف حوالى 22% من الميزانية, فهذا خط احمر لايمكن التقرب منه.
ان حرب تحرير الموصل, ككل الحروب بالغة التكاليف, خاصة فى بلد فقد كل مقومات العمل والانتاج, بلد يستورد حتى الرصاصة البسيطة, ما بالك فى القنابل والصواريخ, عدا التكنولوجيا الحديثة البالغة التكاليف اخذت تلعب دورا كبيرا فى مساراتها. ان كل يوم تقوم به القوات المسلحة لتحرير الموصل يكلف الملايين, ولا حيلة للنخبة الفاسدة الا على الاستمرار فى اللجؤ الى المخدرات, بمختلف انواعها, سواء ان كانت بصورة تسهيل
استيراد المنتجات الاردنية الى العراق او منح جمهورية مصر العربية مليون برميل من النفط شهريا, وتعرض الحكومة حاليا سندات مالية بقيمة مليار دولار بضمانات امريكية,وليس اخيرا الارتماء فى احضان الحبيبة ايران, الذين رجال الدين فيها قد استوعبوا مفاهيم البزنس وحيثياته, السلاح الايرانى والكهرباء والبنزين واشياء اخرى لها اسعارها, اذا لم تدفع على اسلوب الاجل فان حدودنا المشتركة قابلة للتفاوض. كل هذة الاعمال التى قامت بها النخبة الحاكمةهى اشكال مختلفة من جرعات المخدرات التى تحمل عواقب وخيمة على العراق وشعبة.
ان علماء الاقتصاد بشكل عام يؤكدون على خطر القروض اى كان مصدرها وبشكل خاص البنك الدولى وصندوق النقد الدولى التى تسعى فى نهاية الامرالى تحطيم الدول المستقبلة للقروض, وتحيطها باطار خانق لا تستطيع الانفلات منه. من الضرورى الاشارة الى ان الشركات الامريكية العاملة فى حقل النفط بالعراق محمية بقرار الرئيس بوش الابن ررقم 13303 فى 22 .5 الذى يضمن المواطن الامريكى وشركات النفط الحصانة عن اى قرار تتخذة الحكومه العراقية. تقدير قروض العراق التى اخذت منذ 2003 حوالى 40 مليار دولار, هذا المكشوف والمعلن, ولكن غير المعلن وكذلك شروط القروض غير المعلنة لها ابعاد اخرى. اننا لا نتجنى حينما نطرح وجهة النظر بان مستقبل العراق وشعبة , مع هذه النخبة المدمنه على مخدرات القروض, سيكون مظلما وليس اى امل يلوح فى الافق نحو حياة افضل.
جون بيركنز ,مؤلف كتاب اعترافات احد الاقتصاديين الناجحيين, John Perkins, Bekenntnisse eines Hit Man, لماذ وكيف يقود رؤساء الدول بلدانهم نحوالدمار المالى والافلاس؟ ان الجواب بسيط جدا ويتمثل بالرشوة والفساد الاخلاقى, انهم الحكام والشرائح التى تحملهم يقودون الى افلاس الدولة وتضخيم ثروتهم الكبيرة جدا.
ان المثير فى هذا الموضوع, ان الازمات بكل انواعها واشكال حدوثها منذ 2003 فى تصاعد مستمر, ومع هذه الازمات يتبلور ضعف الحكومة وعدم قدرتها على الايفاء بواجباتها تجاة “الدولة والشعب”, يتصاعد فساد النخبة بمختلف مستوياتها ويستشرى الفساد الادارى وسرقة المال العام وتتطور له ديناميكية مستقلة تتصف هذه الحالة بفوضى عارمة فى الجهاز الحكومى, يرافقه تطور جماعات الجريمة المنظمة التى تسطور وتغتال وتخطف السكان وتفرض الاتاوات, ولا يوجد ادنى شك ان تشترك معها وبعلمها اجنحة من النخبة الحاكمة , هؤلاء جميعا اصيبوا بالادمان على المخدرات باشكالها غير الكيمياوية.