23 ديسمبر، 2024 9:40 ص

الحكومة تعتذر عن صرف الرواتب لما تبقى من السنة الحالية

الحكومة تعتذر عن صرف الرواتب لما تبقى من السنة الحالية

هذه الكلمات , يتوقع البعض أن يسمعها من الجهات المعنية في الحكومة الحالية في بيان رسمي أو ضمن خطاب متلفز بأي يوم من الأيام القادمة , والسبب إن الجميع يعلمون بان الدولة تمر بأزمة مالية حقيقية وشديدة , لدرجة إن صندوق النقد الدولي قد حذر العراق من الوقوع بأزمة مالية حادة خلال الشهرين القادمين , وهذا ما يخيف الموظفين وبالذات الذين يعتمدون على الرواتب فقط في تمويل حياتهم وحياة عوائلهم , فاغلب الموظفين في الدرجات الدنيا الذين يتقاضون رواتبهم بدون امتيازات , يعتقدون بأنهم ربما سيموتون من الجوع عند انقطاع رواتبهم لأنه ليس لديهم مدخرات , وبعضهم يشعر في قرارة نفسه أن عملهم هامشي ويمكن الاستغناء عنهم , فهناك الكثير من الوظائف تشكل عبئا على الدولة لأنها غير منتجة وغير قادرة على إنتاج المدخولات , كما إن الغالبية تعلم بوجود امتيازات تمنح لشرائح عديدة ولكن لم يتم تناولها وانتقادها لأنها من منجزات المرحلة الحالية والحديث عنها ممنوع .

مرة قال رئيس اللجنة المالية احمد ألجلبي , إن العراق يحتاج إلى بيع 2,9 مليون برميل نفط يوميا لكي تستطيع الحكومة من تغطية رواتب الموظفين والمحسوبين على الدولة , وفي واقع الحال فان معدل تصدير النفط لم يصل إلى هذا الحد قط خلال الأشهر الماضية لان معدل التصدير اليومي قد بلغ 2,8 مليون برميل يوميا وبمتوسط سعري قدره 46,7 دولار وليس كما قدرته الموازنة والبالغ 56 دولار للبرميل , وان خلاصة ما تقدم يبرهن بشكل لا لبس فيه بان الحكومة لم تستطيع تغطية نفقات الموظفين للأشهر ( كانون الثاني , شباط , آذار , نيسان ) من العام الحالي , وإذا كانت لم تفعل ذلك فمن حق المواطن إن يسأل من أين إذن تتم تغطية مصاريف الوزارات ونفقات المعركة ضد داعش واستيراد الأسلحة والاعتدة ودفع النفقات الاستثمارية لأنها موجودة رغم إنها قليلة , ومن أين يتم دفع نفقات ايفادات المسؤولين التي ازدادت ولم تنقص خلال العام الحالي رغم تطبيق شعار التقشف على المساكين والبسطاء ؟ .

ولكي تفهم المشكلة المالية في العراق بشكلها الصادق , فان موازنة 2015 قد تم تشريعها بعجز مالي مقداره ( 25) تريليون دينار عراقي , وقد حسبت الإيرادات النفطية على أساس تصدير 3,3 مليون برميل يوميا وبمتوسط سعري مقداره 56 دولار , إلا إن نتائج تصدير النفط للأربعة أشهر الأولى من العام الحالي تشير إلى تصدير 336 مليون برميل بدلا من 396 مليون برميل وان الإيرادات النفطية الفعلية المتحققة ( من الجنوب والشمال ) قد بلغت 15,928 مليار دولار , في حين إن الإيرادات المخططة بموجب قانون الموازنة 22,176 مليار دولار أي بنقص مقداره 6,248 مليار دولار , وتشكل نسبة التنفيذ 72% ونسبة النقص في الإيرادات النفطية 28% , وهذه الأرقام تشكل مصدر قلق فعلي لأننا لم نستطيع بلوغ الرقم المخطط للإيرادات النفطية , ويعني ذلك زيادة نسبة ومقدار العجز في الموازنة , علما بان الإيرادات النفطية إنها تسجل لصالح الخزينة إلا إن نسبة منها تدفع لشركات التراخيص كنفقات .

وبموجب ما تم عرضه , فان الحكومة عليها تدبير العجز المخطط في الموازنة والعجز الذي أوجده نقص الإيرادات المخططة بسبب عدم تصدير كامل الكميات المخططة من النفط , فضلا عن تدبير الاحتياجات المستجدة في الإنفاق المتأتي من متطلبات المعارك سيما بعد الخسائر التي مني بها البلد بسبب الانسحاب المفاجئ من الرمادي وما يترتب على ذلك من وجوب تعويض الأسلحة المتروكة ورعاية النازحين الذين وصل عددهم اليوم لأكثر من 3 ملايين , في ظل ظروف فصل الصيف الذي يحتاج إلى العديد من المتطلبات , وان اغلب الإجراءات التي يمكن ولوجها من قبل الحكومة قد لا تلاقي القبول والإجماع , فالحكومة الحالية هي حكومة شراكة وترضية وليست حكومة تكنوقراط أو من ذوي الاختصاص على الأقل , دون التغاضي عن مسألة مهمة وهي استشراء الفساد الإداري والمالي باعتراف أعلى السلطات في الدولة , ناهيك عن الخلافات السياسية التي تؤثر على سرعة وجودة اتخاذ القرار .

لقد صمدت الحكومة خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة المالية الحالية , ورغم إنها اتخذت إجراءات تقشفية ولكنها لم تكن على درجة شديدة من الضغط على المواطنين , ولكن الأشهر القادمة ستكون الأشد وقد يلمس نتائجها الكثيرون بسبب نقص الإيرادات , لذلك فان حكومة الدكتور حيدر ألعبادي تتبع مجموعة من القرارات التي ربما تخفف الأزمة ولا تعالجها قط فهي في حقيقتها توجهات ( ترقيعية )من باب الاضطرار , ومنها الاستعانة باحتياطيات البنوك المحلية لتوفير السيولة النقدية لعدم حدوث أزمات نقدية, وقد عزز البنك المركزي هذا التوجه من خلال إقراض البنوك الأهلية والحكومية قرابة ال10 مليار دولار من احتياطياته , ونجحت الحكومة في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بمبلغ 800 مليون دولار وهناك اتصالات للحصول على قرض بمبلغ 3 مليارات دولار وبفائدة1% وبفترة سداد ل3 سنوات يعقبه قرض آخر بنفس المبلغ والشروط , كما قامت الجهات المالية بعرض سندات الخزينة بمبلغ 12 مليار دولار يتم بيعها للجهات الخارجية لغرض عدم التوسع في الدين الداخلي .

وعلى مستوى الإجراءات المحلية فقد تم الإيعاز لتفعيل العمل بالتعرفة الكمركية ولكنها تلاقي بعض التعارض من قبل مجالس المحافظات , كما شكل رئيس مجلس الوزراء خلية أزمة مالية , وقد عقدت اجتماعا لها وكرس لإيجاد السبل الكفيلة للوصول إلى الرقم المخطط من الصادرات النفطية وبشكل يقلل من حجم المشكلة ولا يضاعفها , وهناك اتصالات تجري لعقد اتفاق مع بعض الدول لشراء الأسلحة بالآجل والشراء النقدي لنفط العراق , والإجراء الأخير لم يسبق للعراق دخوله ولا ينصح المعنيين بإتباعه والابتعاد عنه لأنه يعني من ضمن ما يعنيه تعريض السيادة الوطنية للخطر والتأثير غير المعروف على مستقبل الأجيال , لان المخزون النفطي ليس من حصتنا وإنما من حصة الأجيال , ويمكن القول إن الإجراءات المتخذة بخصوص إدارة الأزمة المالية لا تعني إن العراق مفلسا بل إن اقتصاده لم يدار بالشكل الصحيح وان هناك حاجة فعلية للإصلاح الاقتصادي , ونرجوا أن تخضع جميع إجراءات مواجهة الأزمة إلى التصحيح والشفافية ومصارحة الجمهور ومشاركة الخبرات الوطنية الحقيقية من التكنوقراط , بحيث لا نضطر يوما للقول نأسف لعدم قدرتنا على دفع الرواتب , فالدولة هي مجموعة من المؤسسات وليست دكانا من الممكن أن يتعرض للإفلاس .