لا نضيف شيئا إذا قلنا إن من الواجبات الأساسية للحكومة هو تطبيق القوانين لان ذلك ما ينص عليه حكم المنطق ولا يحتاج لإثبات ، فحسب الدستور النافذ حاليا في البلاد فان مصادر التشريع ثلاث وهي من خلال المشاريع التي تقدم من مجلس الوزراء او رئاسة الجمهورية او مجلس النواب ، وحسب قرار سابق للمحكمة الاتحادية فان أي مشروع للقانون لا يمكن تمريره إلا من خلال مجلس الوزراء أذا تترتب عليه التزامات و اعباءا مالية ، ولان اغلب القوانين فيها جلبة مالية فقد انفرد مجلس الوزراء ليكون المصدر الأكبر لاقتراح مشاريع القوانين ، وكما هو معروف للجميع فان قانون الموازنة الاتحادية يتم إعداده كل عام من قبل وزارتي المالية والتخطيط ويتم عرض مسودته على مجلس الوزراء ، وبعد تعديل وإضافة وحذف بضوء المناقشات يتم إقرار مشروع قانون الموازنة وإحالته إلى رئاسة مجلس النواب ضمن المدة المحددة لذلك ( والتي لم تلتزم بها الحكومة في اغلب السنوات ) ، ورغم إن مشروع قانون الموازنة يخضع إلى القراءة الأولى والثانية والمصادقة في مجلس النواب وقد يخضع إلى بعض التغييرات ، إلا انه يبقى محافظا على جوهره وان حصلت تغييرات معينة على مشروعه لا ترضي الحكومة فان من حقها الطعن بتلك التعديلات ، ويكون الطعن لدى المحكمة الاتحادية وها حصل لمرتين على الأقل في زمن حكومة الدكتور حيدر العبادي .
إن القصد من تلك المقدمة هو التوضيح بأن قانون الموازنة الاتحادية هو من القوانين التي تعني الحكومة لأن الموازنة أداتها في تنفيذ البرنامج الحكومي وتحقيق الأهداف التي التزمت بها عند التكليف ، كما إنها الأكثر دراية بما يتضمنه قانون الموازنة من غموض ووضوح فتعليمات تنفيذ الموازنة تصدرها السلطة التنفيذية فوزارة المالية تتولى التعليمات الخاصة بالتخصيصات التشغيلية كما إن تعليمات الموازنة الاستثمارية تتولاها وزارة التخطيط ، والوزارتين تمتلكان الأدوات في التوجيه والرقابة بما يمنع تجاوز حدود الصرف والصلاحيات وغيرها من التفاصيل ، ومن أبجديات قانون الموازنة هو مدة السريان فالموازنات الحكومية الاتحادية العراقية يبدأ سريانها من 1 / 1 من كل عام وينتهي في 31 / 12 من العام نفسه ، وفي حالة تأخر إصدار الموازنة فيتم الصرف بنسبة 1 /12 من المصروفات الفعلية التشغيلية للعام السابق شهريا ، ومثلما إن الحكومة لا تقبل أن تحصل تجاوزات من وحدات الصرف او الإنفاق فان من واجباتها إن تمنع نفسها من التجاوز على حدودها المرسومة في القوانين والدستور ، وبخصوص إيرادات الموازنة فان جبايتها تستمر بقوانينها الخاصة حتى وان لم تصدر الموازنة لان الموازنة تنشا التزامات تتعلق بالنفقات والإيرادات التي تختص بسنة مالية واحدة فحسب ، ولكن الحكومة وقعت بخطأ جسيم منذ بداية عام 2020 حيث استمرت بفرض الضرائب على كارتات الموبايل والانترنيت وبطاقات السفر الواردة في المادة ( 18 أولا / أ ) لأنها واردة بقانون الموازنة الاتحادية لعام 2019 ولم يتضمنها قانون خاص لكي يضمن لها الاستمرار ، والسند القانوني للمخالفة هو ما ورد في نص المادة 28 / أولاً من الدستور التي تضمنت ( لا تفرض الضرائب والرسوم ولا تعدل ولا تجبى إلا بقانون ( ، وهي مخالفة من الواجب عدم السكوت عليها من قبل مجلس النواب باعتباره السلطة الرقابية على الأداء الحكومي لان فرض الضرائب بدون سند قانوني يضر بعموم المواطنين ويتطلب المساءلة والاستجواب .
وقد أكدت اللجنة القانونية النيابية إن جباية ضريبة الكارتات والانترنيت والسفر تعد غير قانونية منذ انتهاء عام 2019 ولغاية الآن ، وقال عضو اللجنة احمد حمه في تصريح لـوكالة (المعلومة) إن الحكومة فرضت ضرائب على كارتات شحن الهاتف وكذلك الانترنيت وبطاقات السفر ضمن قانون موازنة 2019 في 2020 رغم إن الموازنة انتهت بتاريخ 31/12 من العام الماضي ولا يمكن للحكومة جباية أية أموال إضافية خارج السياق القانوني ، وأوضح ( حمه ) إن اللجنة خاطبت هيئة الإعلام والاتصال لاتخاذ ما يلزم وإنهاء تلك الأزمة وعدم فرض أية ضريبة دون قانون ، مشيرا إلى أن اللجنة ستدرس إلغاء تلك الضرائب في موازنة 2020 بشكل نهائي ، وهذا التصريح لا يكفي لأنه ليس فيه إلزام بإيقاف استقطاع هذه الضرائب لحين صدور قانون موازنة 2020 ( إن شاء الله ) فالمبالغ المستوفاة كضرائب من المواطنين سوف لا يكون بالإمكان إرجاعها لأنها لم تستوفى بوثائق مسندة بوصولات كغيرها من الضرائب التي تستوفى بوصولات القبض ( مثلا ) ، فهذه الضرائب تستوفى بشكل مباشر من المواطنين ومن قبل شركات الاتصالات بإضافة مبلغ يعادل 20% من قيمة شراء كارتات الموبايل وسواها من الخدمات ، فقد قامت الحكومة بتكليف تلك الشركات باستيفاء الضرائب رغم إنها شركات غير حكومية وغير شريكة مع الحكومة ولا يمكن التعويل عليها ألا بشروط وسياقات محكمة لأنها متعاقدة ، ولا يعرف الجمهور أسباب استسهال هذه الطريقة في استيفاء ضرائب حكومية تشكل مبالغ كبيرة تصل إلى مليارات الدولارات ويفترض ضبط إيراداتها لتحويلها إلى جهات الإنفاق المستهدفة التي فرضت من اجلها بالأساس ، والمطلوب إصدار أمرا حكوميا او قضائيا بإيقاف استيفاء هذه الضرائب ( حالا ) لمسوغات عديدة أبرزها :
1 . انتفاء الحاجة لفرضها نظرا لتحسن أسعار النفط وانتهاء المعارك الكبرى
2. مخالفتها للدستور والقانون بفرضها رغم انقضاء مدة سريانها ونفاذها
3. إنها لا تراعي مبدأ العدالة مما يناقض نص المادة 28 / ثانيا من الدستور
4. إن طريقة استيفائها تثير الشكوك والتحفظات لنسبة مهمة من السكان
5. إن فرضها يشكل تعسفا وتقييدا لبعض حقوق المواطنين في السفر والاتصال
6. عدم قيام الحكومة بتوضيح أسباب فرضها ومسوغات استمرارها منذ 2015
7. غياب موازنة 2020 وعدم وجود نص يمكن الاستناد عليه للفرض والسريان