قال الرئيس كلنتون” في بعض الاوقات يكون غض النظر امرا وليس خيارا”. ( نيويورك تايمز في 2 نيسان 1999).
يبدو إن المشرع القانوني العراقي قد دخل في لجة التعاريف المتبانية للإرهاب دون أن يحمل معه طوق المعرفة القانونية ليخرج منها سالما معافى! فإقتبس من هنا فقره ومن هناك أخرى دون أن يكون له شرف المساهمة الجدية في تعريف أو تحديد أطر الإرهاب. وهذا الأمر خارج موضوعنا الحالي. فالذي يهمنا هو موقف القانون العراقي من الإرهاب ومدى إنطباق المفهوم على ممارسات الحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية.
في قانون مكافحة الإرهاب رقم (13/2005) الذي اقرته الجمعية الوطنية (المادة 33/أ ـ ب). عُرف الإرهاب بأنه ” كل فعل إجرامي يقوم به فرد أو جماعة منظمة يستهدف فردا أو مجموعة أفراد أو جماعات أو مؤسسات رسمية أو غير رسمية، يوقع الاضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة، بغية الإخلال بالوضع الأمني أو الإستقرار والوحدة الوطنية، أو إدخال الرعب والخوف والفزع بين الناس، أو إثارة الفوضى تحقيقا لغايات إرهابية”.
وحدد القانون آنف الذكر أهم الأعمال التي تدخل ضمن إطار الإرهاب وهي: العنف والتهديد الذي يهدف الى القاء الرعب بين الناس أو تعريض حياتهم وحرياتهم وأمنهم للخطر وتعريض اموالهم وممتلكاتهم للتلف أيا كانت بواعثه. تخريب أو هدم او إتلاف أو إضرار عن عمد مباني أو أملاك عامة أو مصالح حكومية أو مؤسسات أو هيئات حكومية أو دوائر الدولة والقطاع الخاص أو المرافق العامة والاماكن العامة المعدة للاستخدام العام أو الاجتماعات العامة لارتياد الجمهور أو مال عام ومحاولة إحتلال أو الاستيلاء عليه أو تعريضه للخطر. تنظيم أو ترأس أو تولى قيادة عصابة مسلحة إرهابية تمارس وتخطط له وكذلك الاسهام والاشتراك في هذا العمل. إثارة الفتنة الطائفية او الحرب الأهلية أو الإقتتال الطائفي. وذلك بتسليح المواطنين او حملهم على تسليح بعضهم وبالتحريض او التمويل. خطف أو تقييد حريات الافراد أو إحتجاز بهدف الابتزاز المالي لأغراض ذات طابع سياسي او طائفي او قومي او ديني او عنصر نفعي، من شأنه تهديد الأمن والوحدة الوطنية والتشجيع على الإرهاب. وأخيرا إستخدام أجهزة متفجرة أو حارقة مصممه لإزهاق الارواح، وذات قدرة على ذلك او بثً الرعب بين الناس.
يلاحظ ان التعريف شمولي جدا ولم يفرق ما بين الجريمة الجنائية والجنحة والإرهاب، ولكن مع هذا لو طبقنا هذه المعايير على ممارسات الحكومات العراقية المتتالية منذ الغزو لحد الآن لوجدنا إنها تدين نفسها بنفسها بجريمة الإرهاب وفقا لما أقرته بخيط يدها من أعمال تدخل تحت مظلة الإرهاب. ويمكننا أن نسوق آلاف الأمثلة والمشاهدات على السلوك الإرهابي للحكومة ولكننا سنكتفي بالبعض تنشيطا للذاكرة العراقية والعربية. منها الحرب الطائفية التي أشعل فتيلها رئيس الوزراء السابق -الباكستاني الأصل إبراهيم الأشيقر- وباركتها مرجعية النجف. وكذلك تشكيل الميليشيات الإرهابية التي تثير الرعب في صفوف الشعب العراقي كجيش المهدي وعصائب أهل الحق وفيلق بدر وحزب الله وثأر الله وغيرها وإدماج عناصرها في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية ومنحهم رتب عسكرية خيالية رغم سجلاتهم الإجرامية وأمية بعضهم. وإنتهاءا بميليشيا الحشد الشعبي التي وضع لها غطاء قانوني يتعارض مع الدستور العراقي.
كذلك تشكيل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لقوات خارج نطاق الدستور تؤتمر بأمره ، كجهاز مكافحة الإرهاب وقيادة عمليات بغداد، معظم عناصرها من أعضائها من طيف مذهبي واحد وولائهم للمالكي فقط، مع أن منصبه الحالي تشريفي لا أكثر. وغالبا ما يتولون مهام خاصة بصبغة طائفية
بحتة. ومنها عمليات الإختطاف التي طالت منافسين سياسيين كرئيس اللجنة الأولمبية العراقية وحوالي خمسين من الكوادر الرياضية من قبل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية. وإختطاف عدد من موظفي دائرة البعثات والمئات غيرهم ممن لا يعرف شيئا عن مصيرهم لحد الآن. كذلك توزيع المالكي مسدسات كاتمة للصوت لعناصر من حزبه لتصفية المعارضين لسياسته الطائفية التي أزكمت الجميع، وأسلحة أخرى لرؤساء العشائر والمقربين والموالين له. ومنها حماية المالكي للمفسدين من الوزراء وكبار المسؤولين في حزبه ومعارضة إستجوابهم من قبل القضاء رغم إقرار قانون يسمح بإستجوابهم من قبل البرلمان المعوق. مما أدى إلى إرتفاع نسبة الفساد بثلاثة أضعاف عما كان عليه عام 2009.
كذلك إطلاق قوات المالكي النار على المتظاهرين في ساحة التحرير وسقوط عدد من الشهداء والجرحى في زمن الديمقراطية والحريات كما يزعمون، آخرها ما جرى في تظاهرة الصدريين ضد الافساد الحكومي حيث قتل خمسة أفراد وجرح ما يقارب ثلثمائة آخرون. ومنها إستيلاء زعماء الأحزاب السياسية ومنهم أياد علاوي وعبد العزيز الحكيم وإبراهيم الجعفري وحسين شبر وغيرهم على ممتلكات خاصة وعامة أو شرائها بأثمان هزيلة لاتتناسب مع عشر قيمتها الحقيقية كالأراضي التي إشتراها عبد العزيز الحكيم في النجف والكرادة في بغداد. وجامعة البكر التي آلت الى أملاك آل شبر. ومخالفة المالكي للدستور بإعفاء المزورين من جريمة التزوير وعدم مطالبته لهم بإرجاع الأموال التي تسلموها بلا وجه حق. كذلك مشاركة مسئولين كبار في الحكومة عبر مافيات منظمة بتجارة المخدرات مع إيران حيث ارتفعت نسبة المدمنين بشكل مرعب في جنوب العراق، وكربلاء والنجف بصورة خاصة، سيما بعد أن حظر البرلمان بيع الخمور. علاوة على مزاد بيع العملات الذي يقوم بواسطتها البنك المركزي بعملية غسيل الأموال.
ومنها جود عشرات الألوف من المعتقلين والمساجين بلا تهم أو مذكرات قانونية، بل بلا محاكمات رغم مضي عدة سنوات على سجنهم، وبعضهم من ضحايا المخبر السري أو بوشايات ذات نفس طائفي بحت. وفي الوقت الذي أنكر فيه المالكي وجود سجون سرية! فقد تم الكشف عن بعضها مؤخرا كسجن المطار وسجن المنطقة الخضراء. كما تعرض بعض السجناء من النساء والأطفال ورجال الدين إلى عمليات إغتصاب منظمة من قبل ضباط وحراس السجون وسبق أن نشرنا بعض منها ( راجع كتابنا الإغتصاب المقدس في دولة المجون). بالإضافة الى إستيراد الأجهزة الفاشلة التي عبثت بأمن المواطن وأدت الى خسائر هائلة في الأرواح، مثل أجهزة كشف المتفجرات من بريطانيا والتي تبين إنها ليست سوى ألعاب أطفال! مع إن بريطانيا ألقت القبض على مدير الشركة الموردة (جيم ماكورنيك) بتهمة الإحتيال والنصب وسجنته. لكن حكومة المالكي لم تجرِ أي تحقيق! بل أطمست الموضوع لأن المستورد من كوادر حزب الدعوة الذي نسق بدوره مع مدير مكتب المالكي. ومنها قيام القوات الحكومية بعمليات إبادة جماعية للمئات من المشاركين في المواكب الحسينية في منطقة الزركة في النجف، فيهم العديد من الشيوخ والنساء والأطفال بتهمة الإنتساب الى المرجع الصخري الحسني. إضافة إلى مجزرة (عرب الجبور) الي قام بها جيش فاطمة وهو الذراع العسكري لحزب الدعوة الإسلامية.
في الوقت الذي تفيض السجون بالأبرياء فإن المالكي أطلق سراح أبرز الإرهابيين من(عصائب أهل الحق) وعدد آخر من جيش المهدي بموجب صفقات سياسية، علاوة على ما يزيد عن ألف إرهابي من الدواعش من سجن أبو غريب الذي لا تستطيع فأرة الخروج من أسواره، وطمطم الموضوع لغرض ما. ومنها الإعتداءات الآثمة على المدنيين في معسكر أشرف وقتل وجرح المئات منهم بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني منتهكين في ذلك احكام إتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية اللاجئين.
ومنها صفقات إستيراد المواد الغذائية الفاسدة- لاسيما من إيران- كالحليب المجفف والمواد الغذائية المعلبة والشاي والطحين المخلوط بمواد سميًة والسكر وآخرها صفقة الزيوت الفاسدة في مستودعات البصرة، ناهيك عن الأدوية غير الصالحة للإستخدام. كلها هذه وغيرها تعد أفعال إرهابية وفقا لتعريف المشرع العراقي، لأنها تفتك بحياة الشعب العراقي. هناك المئات من الشواهد التي تثبت بأن الحكومة العراقية تمارس الإرهاب ضد شعبها وفقا للمعايير القانونية التي اقرتها في قانون مكافحة الإرهاب الذي أشرنا إليه.
من غرائب المشهد العراقي ان الحكومة العراقية وقوات التحالف يحاربان قوى الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة الإسلامية، ولكن في نفس الوقت تساند الحكومة العراقية حزب العمال التركي الذي يحتل خطا حدوديا بطول 100 كم طولا ما بين سنجار وجبل قنديل، وتدفع حكومة العبادي رواتبهم بإعتراف نواب عراقيين، ولم توقفها إلا بعد الإتفاق الأخير مع تركيا ـ أثر زيارة رئيس وزراء تركيا (بن علي يلدريم) للعراق في بداية شهر كانون الثاني 2017 ـ وقد وعد يلدرم بسحب قواته من العراق بعد تحرير الموصل، وفي الوقت الذي وعد حيدر العبادي بإنهاء وجود حزب العمال التركي في سنجار، طالب رفيقه في حزب الدعوة نوري المالكي بفتح مكاتب رسمية للحزب الإرهابي في العراق، مع ان هذا الحزب مصنف كنتظيم إرهابي عالميا!
السؤال المطروح: لماذا تصدع الحكومة العراقية روؤسنا دوما برفض التواجد التركي الرسمي في بعشيقة، وتسكت عن التواجد التركي الإرهابي في سنجار؟ مع ان القوتين تركية، والقوة التركية في بعشيقة رسمية تتواجد بإتفاق مع الحكومة العراقية بإعتراف القوى الكردية في اقليم كردستان، من المعروف أن القوة التركية تحارب الإرهاب، في حين أن حزب العمال يحتل أراضي شاسعة وقضاء كبير (سنجار) ولا أحد يتعرض له او يطالب بإنسحابه. الا يعني هذا ان الحكومة العراقية تحارب الإرهاب من جهة وتحتضنه من جهة أخرى؟ وأن مفهوم الإرهاب مرن تمطيه وتكيفه حسبما تريد وتشتهي؟ لذا نجزم بأن الحكومة تعوم على سطح الارهاب ولكنها لم تغطس للتعرف على عمقه ومدى خطورته.
ينفرد العراقيون عن غيرهم من بين خلق الله بأن خيمة الإرهاب التي قبعوا تحتها، نسيجها عراقي وحبالها صهيونية، وأوتادها امريكية، وخياطتها ايرانية. الغريب في موضوع الإرهاب في العراق إن كل جهة من تلك الجهات الإرهابية تختص بصيد نوع محدد من الفرائس. فالأحزاب الحاكمة تختص بتصفية المعارضين للعملية السياسية والطوائف الأخرى. والنظام الإيراني يختص بصيد كبار القادة العسكريين والطياريين والبعثيين. والكيان الصهيوني يختص بصيد العلماء وكبار الأكاديميين والأطباء والمهندسين ورجال التصنيع العسكري. أما قوات الغزو الأمريكي فهي أكثر عمومية من غيرها لأن فرائسها كانوا من رجال المقاومة العراقية الأبطال بالدرجة الأولى من ثم المدنيين بشكل عام. وفق قاعدة ” أطلق النار من ثم اطرح اسئلتك”. ( جيف سيمونز/ عراق المسقبل). كما نقلت صحيفة الواشنطن بوست عن مسؤول في البنتاغون قوله ” كل عراقي يعتبر مقاوما حتى يثبت العكس”. (المصدر السابق)
الغريب في الأمر إن هذا التخصص في العمليات الإرهابية ليس عفويا بل هناك تنسيق وتناغم مسبق بين جميع تلك القوى الإرهابية. فكل منهم يسكت عن جرائم الطرف الآخر ولا يثيرها أو يتطرق اليها البته. والأكثر غرابة إنه لم يحدث أي نوع من التعارض والإصطدام بين تلك القوى في حالة غريبة وفريدة في التأريخ، رغم تعارضهم كما يفترض! مما يؤكد وجود قواسم مشتركة بين جميع الأطراف.
وأخيرا وليس آخرا تبقى الحقيقة الوحيدة في العراق: أن الفساد الحكومي هو لقاح الارهاب.. وأن طلاق الفساد هو مهر الإصلاح.