23 ديسمبر، 2024 2:46 م

الحكومة العراقية فعلا ملائكية كما وصفها وزير الخارجية، لما الاعتراض؟

الحكومة العراقية فعلا ملائكية كما وصفها وزير الخارجية، لما الاعتراض؟

كل حكومة يختارها الشعب لها خطتها وبرنامجها التي اخذت على عاتقها تنفيذه وإذا ظهر تلكؤ او عجز او تقصير يتم محاسبة الحكومة من البرلمان، لهذا ترى الجميع يتنافسون من اجل تطبيق وتنفيذ برنامج الحكومة في وقت أسرع.
 ان المعروف ان الحكومة العراقية تمثل كل أطراف الشعب العراقي لكن كل طرف اجندته الخاصة به وقطعا تتعارض والاطراف الأخرى، وفي مقابلة صحفية في القاهرة للسيد الجعفري أبان انعقاد مؤتمر القمة صرح السيد الجعفري بطريقة ابتعدت عن الأطر والمعايير والسياقات الدبلوماسية، عندما وصف الحكومة العراقية بالملائكية؛ وان البرلمان العراقي يحوي أكثر من ثمانين سيدة وتفاخر بان هذا غير موجود حتى في برلمانات وحكومات أوربا، وما الإنجاز في تلك الاعداد اذا كانت النتائج اننا امام منظومة الفساد لم يسبقها مثيل في التاريخ، ان وزير الخارجية يمثل الدبلوماسية العراقية أي انه واجهة العراق أمام المجتمع الدولي عليه ان يعي مخرجات العمل الدبلوماسي لذلك يجب ان يستعمل مفردات وكلمات سلسة واضحة غير فلسفية لا يعلوها الطابع الشعري، بعيدا عن الافراط في الامور التي لا تخدم سياسة العراق الخارجية.
وزارة الخارجية العراقية من الموجبات، في ظل أوضاع العراق المضطربة؛ أن تكون لها صولات وجولات في كل بلدان العالم وتتطلب جهد جماعي موحد من أجل ارجاع هيبة الدولة العراقية، لكن المؤسف ان السيد الجعفري يؤكد ان داعش منا وان ننفتح عليهم وان نهري دجلة والفرات ينبعان من إيران، وأننا غادرنا المصالحة الوطنية وعلينا دعم المشاركة الوطنية.
والسؤال: هل إن الحكومة التي تجمع الخصوم هي حكومة ملائكية كما وصفها السيد الجعفري؟ واية ملائكة؟
 ان جمع الخصوم على طاولة او مائدة واحدة ليس غريب على كل حكومات العالم وليس بإنجاز وطني فالهند فيها اكثر من الف طائفة وقومية وديانة وجماعة، فمنهم من هو مسلم ومنهم من يعبد النار والاخر يعبد الجاموس ومنهم المسيحي والسيخ وغيره، رفعوا شعار وحدتنا في تنوعنا ومضوا بدولتهم وها هي الهند تعد دولة متقدمة، ويبدو ان وزير خارجيتنا لم يبحث جيدا في الانظمة السياسية لحكومات العالم كافة وتظاهرت له إن جميع بلدان العالم لم تشهد حكومة مشابهة لحكومة العراق؛ استطاعت جمع الخصوم على مائدة واحدة، واعتبر ذلك من إنجازات حكومته؛ لذا وصفها بالملائكية.
والملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار عندما يدخلون بيت مسلم والملائكة خلقهم الله من نور.
ومن الملائكة: جبريل )معلم لرسول الله محمد(ص) إنه أفضل الملائكة الكرام(، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت “عزرائيل” وملائكة البيت المعمور والملائكة الحفظة، والملائكة المبشرين، وملائكة الرحمة “الجنة”، وملائكة العذاب “النار”، وملائكة التعاقب، وملائكة الأرواح، وملائكة الأرزاق، والملائكة الزاجرات، وملائكة الجمعة، وملائكة العلم، والملائكة جنود الله، والملائكة المستغفرون وغيرهم.
فلا اعرف من أي صنف من الملائكة قصد السيد وزير الخارجية أعضاء حكومته هل ملائكة رحمة ام ملائكة موت وعذاب ام ماذا؟  بخاصة، ان السيد وزير الخارجية بدأ يعدد مناقب وخواص الحكومة التي ينتمي إليها والحكومات العراقية السابقة بعد 2003، ويقارنها مع حكومات العالم خصوصا أوربا وامريكا التي تفتقر لمميزات ومواصفات حكومته الملائكية، وان الدولة العراقية حققت المصالحة الوطنية، بل وغادرتها واتجهت الى المشاركة الوطنية كما قالها السيد الجعفري على قناة الحرة ولا اعرف الذين اجتمعوا في باريس وبيانهم الختامي؛ هل أشار الى وجود مصالحة حقيقية في العراق؟
ان السيد الوزير يتحدث بلغة غير مألوفة، وملائكة الرحمة لا يتواجد معها الشياطين، والملائكة عقلاء متعبدون، وفقهم الله تعالى للطاعة في جميع أحوالهم وأوقاتهم، وعصمهم من المعصية والفساد، واعتقد هناك من الوزراء والتنفيذيين وغيرهم من هم متهمين بالتزوير والسرقة للمال العام والخاص.
ان هذا الوصف اجبر الشعب العراقي للقول: (إذا كانت هذه حكومة ملائكية، فما هو شكل حكومة الشياطين يا ترى؟)، ولو راجعنا تقارير لمنظمات دولية عديدة وما تصدره مؤسسات رصينة مختصة بالجانب المعيشي ومستوى الفساد وحقوق الانسان والبنية التحتية والإنسانية وغيرها ستجد العراق متصدر لهذه التقارير وبمؤشرها السلبي دائما، ولوصلنا الى نتيجة، مفادها، اننا امام منظومة فساد لم يسبقها مثيل في التاريخ، فالسرقات في حكومة الملائكة كما يتصورها السيد الجعفري علمت الشياطين أصول وفنون السرقة من المال العام.
 ان السيد وزير الخارجية قد يقصد بانها حكومة ملائكة الموت والعذاب، واني اطلب من السيد الجعفري ان يعطيني وزير واحد خلال عشر سنوات مضت ينطبق عليه وصف الملاك، وهذا مستحيل حتى في ارقى الحكومات خدمة لشعبها لا تجد هذا الوصف؛ واني أرى وأتمنى ان أكون مخطئا بان قسم من أعضاء حكومتنا واخرين من السياسيين والبرلمانيين؛ من المستحسن ان يعملوا في دولة شيطانية ذات حكومة ابليسية، وهناك فرق بين الشيطان والابليس، وقد راينا الذكر الحكيم يطلق كلمة الشيطان على الشيطان الإنسي، والشيطان الجني، وعلى الوسوسة والخواطر السوداء، أما إبليس فهو كائن حسي يدرك ويعقل، و يفعل ويترك بإرادته واختياره، وإبليس ليس من الملائكة، لأن إبليس خلق من نار والملائكة خلقت من نور، ولأن طبيعة إبليس غير طبيعة الملائكة، فالملائكة وصفهم الله تعالى بأنهم: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}.
 ان غالبية الأحزاب الحاكمة ترفع شعارات دينية وفي الانتخابات الأخيرة لفت انتباهي لافتة سوداء تتكرر في اكثر الانتخابات، مكتوب عليها باللون الأصفر تم رفعها من اكثر من كتلة سياسية محسوبة على التيار الإسلامي مكتوب عليها ((الحسين منهجنا لبناء المواطن والوطن)) احسست بسعادة وانا أرى هذا الشعار، وتعلو جباهنا البهجة، ان تم تطبيقه لكن الواقع العملي يكذب ذلك، اكثر من عشر سنوات يقولون ويشيرون الى منهج حسيني والنتيجة هو حكومة انفقت اكثر من ترليون دولار(حسب تصريح بهاء الاعرجي) أي حاصل ميزانية العراق خلال ثمانين سنة، والبلد في اوطأ المقاييس الدولية ومافيا الفساد لا مثيل لها في العالم،  وكل ما تملكه الأحزاب الحاكمة في الدولة العراقية المتهمة بالفساد وانتهاك حقوق الانسان هو شعار(الحسين منهجنا لبناء المواطن والوطن) والامام الحسين عليه السلام بريء من هؤلاء هذا الامام الذي سطر أروع الأمثلة في الايثار والتضحية نتخذه شعار للسرقة والفساد والتزوير، وكل شيء مخالف للشرع والقانون، امسى العراق الان بدون مواطنة ومواطن وبالتالي ليس هناك وطن، ان منهج الامام الحسين (عليه السلام) ليس اقوال وتصريحات نارية وخطب ذات نبرات عالية وبيانات مفبركة كاذبة مزيفة تتحدث عن الصدق والشجاعة وهيهات منا الذلة، ان الامام الحسين بنى مواطن له منهج شبيه بمنهجه، أعاد تأهيل الغيرة الوطنية لدى المسلم، علمه كيف يتصرف في حياته اليومية في معاملاته مع الناس، علمه كيف يثور على الفساد، لا ان يقوده أناس يلفهم الباطل، زجوا به مثلا، للهجوم على  شركة ماليزية في الناصرية، علقت بالونات في عاشوراء وخربوها ودمروها، ولم تحركهم مليارات الدولارات يسرقها السياسيين وبعض التنفيذيين والبرلمانيين باسم الدين والطائفة والقومية، فاسدون يفرطون بكل شيء، وقد ضيعوا ثلث العراق وأنفقوا مئات المليارات في عقود وهمية فاسدة، ولم تحركهم هذه الافواج من الحمايات في مناصب بروتوكولية ارضائية وهمية لا لشيء سوى إستنزاف أموال الدولة، لم تحركهم أموال العراق التي تهرّب عن طريق بنوك أهليه مرتبطة بأعضاء الحكومة الملائكية أو مقربين منهم، ليس بالشعارات وحدها تبنى الأوطان.
ان هذه الحكومة الملائكية (ملائكة الموت والعذاب وليس الرحمة) جعلت المواطن العراقي يفتقر لإرادته الوطنية رغم تقديمه لآلاف الضحايا من ابناء العراق، فالساسة الجدد أفرطوا عن عمد بطمس السمات المميزة لعراقية المواطن، فالشعب الذي يهان داخل وطنه ولا يسمح له بدخول عاصمته الا بكفيل لا يحترم خارجه.
والمؤسف المبكي ولتبرير هذه التصريحات وفي لقاء للسيد وزير الخارجية مع قناة البغدادية؛ والذي كان فيه متوترا وساخن الخاطر، أكد ما نصه ((أنا قلتُ: نحن لسنا حكومة ملائكة، ولا تـُوجَد ملائكة نزلت على الأرض، وشكَّلت الحكومة، وحتى لو كانت حكومة فيها صفة ملائكيّة أردتُ أن أمدح بأنَّ هذا الركب ملائكيّ هذه صفة حلوة ولطيفة، ولكن لسنا ملائكة؛ نحن أناس نخطئ، ونشتبه، ولا أحد يدَّعي العصمة لنفسه.))
ومثلما صرح سابقاً، عن عدم وجود ولا رجل إيراني أو تدخل إيراني، دحض هذا التصريح السيد رئيس الوزراء من واشنطن ونشرته – فرانس برس رويترز وبعكس ما قاله السيد الجعفري، يوجه انتقاده لتواجد قاسم سليماني سابقاً في العراق ويطالب بعدم التدخل في شؤون العراق فأشار “يجب أن يمر كل شيء من خلال الحكومة العراقية” وقال وهو مستاء “أنا مستاء جدا من الذي يحدث. وأنا أتحدث مع الإيرانيين عن ذلك”
وكذلك وفي تصريح اخر للسيد وزير الخارجية، رد على د.حيدر العبادي الذي صرح من اربيل أن” هنالك عصابات مندسة تقوم بعمليات السرقة والنهب في المدينة من اجل الإساءة للانتصارات التي حققتها القوات المسلحة ومتطوعي الحشد الشعبي” فرد السيد الجعفري بالنفي ” أن تكون عناصر محسوبة على الحد الشعبي قد نفذت بعد، الأول من نيسان الجاري، عمليات حرق ونهب لممتلكات المواطنين في المدينة “
أن كلام وزارة الخارجية في أي بلد يؤخذ على انه الكلام الأول في السياسة الخارجية وان مفردات خطابه لها وزن وثقل وطعم ورائحة، والدول تهتم وتراعي كثيرا في اختيار وزراء خارجيتها ممن لهم حنكة وفهم للعبة جيداً ولا يضع الكلمة إلا في مكانها حتى ابتسامته مقروءة لدى وسائل الإعلام، ان هذا التناقض بين وزير الخارجية الذي يمثل وجه البلاد في المحافل الخارجية وبين رئيس الوزراء الذي يمثل البلاد داخلياً وخارجياً ينتج عنه حرجاً دبلوماسياً وشعبياً للحكومة، بخاصة ان رئيس الوزراء د.حيدر العبادي صرح ما نصه: (هناك معتدين وسيتم عقابهم، وتم حرق 64 منزلا و85 محلا في تكريت، لكننا نعتبر حرق منزل واحد أمراً كثيراً، وقد اعتقل سبعة أشخاص وهم بانتظار العدالة ) وبعدها صرح وزير الدفاع خالد متعب العبيدي من الاردن أن ( ألفي عنصر ميليشياوي دخلوا إلى تكريت ونفذوا عمليات سلب وحرق للممتلكات من اجل إثارة فتنة طائفية بين أبناء الشعب العراقي)، أليس هو وزير عراقي في الحكومة العراقية؟
ان وزير الخارجية عليه ان يكون فطن ويقرأ المشهد بعمومه، ولا تغلب على خطاباته صفة المداهنة والتدليس على المواقف الوطنية أمام التحديات الخارجية التي تواجه الوطن، ويتجنب التصريحات التي تجانب الحقيقة؛
وان يبتعد عن لغة القطع والنفي، لا ان يصر السيد الجعفري الذي شارك في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث عشر لـ “منع الجريمة وتحقيق العدالة الجنائية” الذي افتُتح في الدوحة على تصريحاته وبطريقة لا تنسجم وعمل وزارة الخارجية بان عرض على مراسل (العربي الجديد)، ليرى، كما قال، (زيف الادعاءات بحرق الحشد الشعبي منازل ومتاجر عديدين من أهالي مدينة تكريت، بعد دخول المليشيا مع الجيش العراقي المدينة، الأسبوع الماضي).  مضيفاً (عليّ الزاد والراحلة، وسأريك بأم عينيك من الخطوط الأمامية، لتكتب من وحي ما تراه، وليس من وحي ما تسمع).
ان السيد وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، رجل وطني قطعا(واحببته اكثر عندما التقيت ابنه الدكتور احمد في مانشستر لوقاره)، لكن هذه السياسة أفرطت كثيراً في اضعاف الشخصية العراقية في الخارج فأصبح وزير الخارجية فكأنه ((وزير خارجية ضد وزير خارجية بلده)).
وما حدث من تجاوزات في تكريت أو غيرها من قبل مندسين وقحين بلا أخلاق ولا دين على الحشد الشعبي والأخير بريء منهم عبارة عن وضع استثنائي يمر به العراق للهجمة الإرهابية الكبرى؛ فعلى الجميع أن يدركوا انه لا يمكن أن نؤسس دولة المؤسسات والمواطنة بالخطأ والإنكار والتمويه بل بالصحيح والإصلاح وإعادة الثقة بالمواطنة.
ان نقد الممارسات السلبية التي تضر مصالح الدولة العراقية ظاهرة صحية ونحتاج دعمها لا التنكيل بها لأجل النقد وبعثرة الكلام يمينا ويسارا، نحتاج إلى الحكمة في القول والتصريح وبخاصة من قبل المسؤولين الحكوميين والبرلمانيين، بدلا من الدفاع بشكل أعمى وغريب عن السلبيات المرئية بالعين والملموسة باليد، مما يجعل المواطن في تناقض ما بين ما يراه على الواقع وما بين ما يرده سماعيا، ويكون التأثير اكثر سلبية خارجيا.
وأخيرا نقول: لقد كانت تشكيلة الحكومة العراقية طابعها المحاصصة واللصق والترقيع وبائسة ومحاولة إرضاء الجميع بالمناصب الجزافية، والسيد العبادي كان مجبر لقبولها، والسياسة الخارجية ليست منبراً لألقاء الوعظ والاشعار، وقيادة دبلوماسية الانفتاح العراقية تتطلب مرونة ومهارة ومقبولية وحيادية وانفتاح، ونريد من السيد الجعفري الذي لا تنقصه الغيرة الوطنية أن يختار الحسية العليا في الساحة الدولية؛ لأن للعراق رقماً صعباً يحسده عليه الآخرين، وانت الشخص المخول بتجسيد الوطن بكل طوائفه، فما يقال في داخل البلد قد لا يستلطفه من هو خارج البلد.