23 ديسمبر، 2024 5:56 ص

الحكومة الصدرية… تراجع ومغازلة

الحكومة الصدرية… تراجع ومغازلة

في الكثير من المعارك والنزاعات الداخلية او حتى الخارجية نجد المنتصر بشرف والذي يمتلك ادوات النجاح التي تضمن الاحتفاظ بصدارته لا يهتم كثيرا لعامل الوقت، ولا حتى الهجمات المنفردة، وهو عكس مايفعله المتقدم على خصومة بطرق ملتوية، فتراه يستعجل في حسم المعركة ويحاول التودد للطرف الاخر والتنازل عن بعض شروطه قبل الكشف عن اساليبه، حتى لو تطلب الامر تغيير خطابه من التهديد إلى المغازلة مقابل الاحتفاظ ببعض ماحصل عليه وليس الاغلبية كما كان يدعي.
المتابع لحملة التيار الصدري الانتخابية منذ بدايتها حتى خطوة المفوضية باعلان النتائج الاولية، يدرك جيدا بانها انطلقت من شعار الدعوة “لحكومة صدرية” والتمسك بمنصب رئيس الوزراء باعتباره الحق الشرعي والدستوري لكونه يمثل الكتلة النيابية الاكبر مستندا بذلك على ثلاثة وسبعين مقعدا افرزتها النتائج غير النهائية “المشكوك فيها”، وحتى في “خطاب الانتصار” الذي خرج علينا من خلاله زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر ابلغنا بان “الاصلاح اعزه الله بالكتلة الاكبر لا شرقية ولا غربية”، مؤكدا أن “جميع السفارات مرحب بها على ان لا تتدخل بتشكيل الحكومة والشأن العراقي”، وكأن الامر قد حسم نهائيا للتيار الصدري واصبحت قيادته تحدد توجهات الحكومة ومؤسساتها وخاصة حينما شدد على اهمية حصر السلاح بيد الدولة، متجاهلا بان سرايا السلام احدى الجهات التي لا تمتلك الدولة قوة السيطرة عليها، تلك الاشارات اظهرت بان السيد الصدر كان متمسكا في حينها برئاسة الوزراء، لكن مع اتضاح الارباك بعمل المفوضية العليا، من خلال تخبطها بتحديد نسبة المشاركة في الانتخابات ولجوئها لتأجيل النتائج، وما رافقتها من ارتفاع في نسبة الشكوك والاتهامات بوجود عمليات تزوير ودخول اطراف خاسرة على خط التهديدات باستخدام السلاح، تغيرت نبرة خطاب السيد الصدر، ليرى بتغريدة على تويتر بأن “الفوز في الانتخابات ليس مهما بل المهم كل المهم الشعب العراقي من الناحية الامنية والخدمية، ليخبرنا ان الخلافات السياسية على صناديق الاقتراع وتأخير اعلان النتائج والضغط على المفوضية سيكون اول نتائجها السلبية هو تضرر الشعب من ناحية الخدمات واستفحال الارهاب، وليس الكتل السياسية، واختتم تغريدته بالدعوة “لضبط النفس وعدم الذهاب الى ما لايحمد عقباه”، وهذه كانت بداية التراجع عن المطالبة برئاسة الحكومة والتي اكدت بان “خطاب الانتصار” كان مجرد ابتزاز للقوى السياسية للموافقة على شروطه المستقبلية.
لكن.. القضية لم تستمر ساعات عدة حتى ظهر السيد الصدر بموقف اخر حينما اجتمعت اطراف الاطار التنسيقي للقوى الشيعية التي تمثل (ائتلاف دولة القانون والفتح والحكمة والنصر وفصائل مسلحة) على رفض النتائج واجراءات المفوضية ولوحت باستخدام جميع الطرق لتصحيح ما حصل، لتعلن بعدها كتائب حزب الله استعدادها للمواجهة بالاستعانة بفصائل الحشد للمواجهة في المرحلة المقبلة، في تصعيد قد تكون نتائجه خسائر كبيرة على المستوى السياسي وتحقيق المناصب، ليتدارك السيد الصدر تلك التطورات بموقف عنوانه المعلن “لن يتزعزع السلم الاهلي في وطني، وما يهم سلامة الشعب وسلامة العراق”، ليجدد توصيته مرة اخرى بضبط النفس، وتقديم المصلحة العامة على الخاصة، ليكون بذلك اعلان رسمي للتراجع عن المطالبة برئاسة الوزراء والعودة إلى الحكومة التوافقية التي تتشكل بموافقة جميع الاطراف ومشاركتهم وليس من يحصل على اعلى الاصوات، وهو تنازل اجبر عليه السيد الصدر، لانه ادرك بشكل جيد بان المواجهة المسلحة ان حصلت “لا سامح الله” مع الفصائل والقوة الشيعية ستكون نتيجتها خسارته “سياسيا وعسكريا” لذلك اختار التخلي عن “حكومة الاغلبية الصدرية” مقابل التفاوض على مناصب مهمة تضمن بقائه طرفا في صناعة القرار، لانه ببساطة الاحتفاظ بالجزء افضل من خسارة الكل.
بالمقابل كان الطرف الاخر الذي يمثل واجهته زعيم دولة القانون نوري المالكي يعمل على التحشيد لتشكيل الكتلة الاكبر من خلال التحركات والاجتماعات المتكررة وهي في اغلبها حرب نفسية موجهة للتيار الصدري بدعم من الدستور، فنسمع مرة عن جمعه ثمانين فائزا في الانتخابات واخرى عن تجاوز الكتلة الاكبر ب(ثلاثة وتسعين ) مقعدا وهناك استعدادات لاعلانها في اول جلسة برلمانية، وهو ما دفع التيار الصدري للاستمرار بمواقفه “المتناقضة”، ولعل واحدة منها حديث نائب رئيس اللجنة التفاوضية للتيار نصار الربيعي الذي ابلغنا ان “الحكومة المقبلة لا تخضع للتوافقات السياسية، وستعلن الكتلة الصدرية صراحة بأن مرشحها لرئاسة الوزراء المقبل سيكون من التيار حصرا لتكون الحكومة مسؤولة مباشرة أمام التيار الصدرى وتتحمل كافة الإخفاقات”، لتتدخل الهيئة السياسية للتيار التي يترأسها نصار الربيعي ذاته، بتصريح ينفي ما اعلنه رئيسها عن طبيعة الحكومة، واتهمت وسيلة الاعلام التي نقلت التصريح بفبركته، وهددت بمقاضاتها لان رئيسها لم يلتقي اية وسيلة اعلامية، على الرغم من أن الموقف نقلته وكالة الانباء العراقية “الرسمية”، وبتصريح خاص من السيد الربيعي، فماذا حصل؟، ولماذا تراجع؟، الاجابة وصلتنا بعدها بسويعات حينما كتب وزير القائد على جداريته على موقع الفيسبوك مجموعة نصائح للسيد المالكي منقولة من زعيم التيار الصدري، يدعوه لتصحيح بعض الاخطاء في سياسة حزب الدعوة، باعتباره الوريث الشرعي لمؤسس الحزب السيد محمد باقر الصدر ويمتلك الحق بتلك النصائح، التي تضمنت ضرورة اعتراف المالكي باخطاء سياسته وكشف المنتمين لحزب الدعوة المتورطين بالدماء والفساد في مدينة الموصل ومحافظات اخرى، في تذكير لاسباب سقوطها بيد تنظيم داعش، ليكمل بالقول، إن “الإعتراف هو محو للذنوب وإرجاع للصورة القديمة التي كنّا نحملها سابقاً، فكونوا شجعاناً في ذلك كما كنتم شجعاناً في محاربة الهدّام والعفالقة لتشرق علينا وعليكم شمس الحرية والطاعة ورضا الله ورسوله وأهل بيته، عسى أنْ تعود وشائج المودة بينكم وبين آل الصدر أولاً ومع شعبكم وجيرانكم والعالم بأسره”، لتكون خاتمة النصيحة بعبارات اقل ماتوصف بانها مغازلة للمالكي.. بقوله.. إنْ “كان يجد نفسه بريئاً مما نسب إليه، فظهور برائته علناً أمراً مطلوباً ويعيد له ولحزبه رونقه الجميل ويُقرّبه الى الله وشعبه”، فهل هناك عرض للتراجع عن رفضه السابق للمصالحة مع الخصوم اكثر من هذا.
الخلاصة… السيد الصدر ادرك بأن شعارات تشكيل حكومة “الصدري قح” بادواته التي يمتلكها وطريقة حصوله على اعلى الاصوات في الانتخابات امر مستحيل، وقد تكون نتيجته المواجهة التي ستفقده الكثير من الامتيازات فاختار طريقته المعروفة بالتراجع عن المواقف، ليضمن البقاء كشريك قوي، حتى لو تطلب الامر الدخول في تحالف مع اعداء الامس، لتشكيل الكتلة الاكبر قبل خسارة جميع اوراقه،… اخيرا… السؤال الذي لابد منه… هل سنرى صلحا قريبا بين المالكي وزعيم التيار الصدري برعاية الكتلة الاكبر ومغانم السلطة؟..