لقد جاء تكليف السيد محمد توفيق علاوي لتشكيل الحكومة العراقية في زمن المؤامرات السياسية، والأرقام المتحركة وغير الصحيحة في المعادلة السياسية العراقية، وإنجراف البعض بوعي أو بدون وعي وراء الخطاب الذي يتاجر به المتربصين بمستقبل العراقيين لتبرير فشلهم وما يقومون به فساد، وفشل البعض الآخر في أداء دور المعارض الوطني النزيه، وشعور البعض بالخواء وضياع البوصلة وانسداد الأفق، وإتسام حال المشهد السياسي العراقي بالخطورة والتوتر، وإحتمال الانزلاق نحو المزيد من الفوضى وتصاعد الخلافات ومرحلة تصفية الحسابات وتجاوز كل الخطوط الحمراء. وخلال صراع سياسي يتكأ على مفردات وأجندات مختلفة بين قوى وأحزاب سياسية توظّف الولاءات الخارجية والإنتمائات المذهبية والطائفية في صراعها مع بعضها البعض، وتسعى إلى فرض رؤيتها وإرادتها السياسية وتستغل المسلحين المدعومين من قبلها في مساومات سياسية في سبيل الوصول الى أهداف معينة تتمثل بالإستحواذ على السلطة وعلى أكبر قدر ممكن من الإمتيازات.
وهذا يعني، إن السيد علاوي الذي تم إختياره نتيجة لصفقة معروفة، سواجه الكثير من الاستحقاقات السياسية والدستورية، وسترافق تلك الاستحقاقات مشكلات و اختلافات شكلية و جوهرية، وسيجد نفسه في مأزق وفي مهمة صعبة ومجبرا على الالتزام بمصالح الذين رشحوه لتولي المنصب، ولاخيار أمامه سوى الخضوع لإملاءات الآخرين، ومحاصر يفقد هامش المناورة ولا يمكنه أن يبالغ في تقييم مكانته ووضعه الذي لا يسمح له بفرض رؤيته على الآخرين، وربما سيفشل في تشكيل الحكومة ضمن المهلة الدستورية المقررة، خاصة وإن شخصيته خلافية وجدلية وتتحمل تفسيرات قد تبعده عن فرصة الجلوس على كرسي رئاسة الحكومة.
لقد أعلن السيد علاوي، إنه مستعد لكل السيناريوهات القادمة، وأن لديه مبادرات استراتيجية جادة للغاية، وإنه لن ينتظر طويلا، وسيسارع لرؤية كل المواضيع المثارة من مصدرها الأول. وسينطلق في رحلة المباحثات مع الأحزاب السياسية، من أجل ضمان حزام سياسي واسع للحكومته تحت قبة البرلمان. وطبعاً، ستكون للاحزاب التي لديها إمكانيات مادية وجماهير، ووسائل إعلام يمكنها شن حملات ونشر تقارير تعد خصيصًا لإنجاحه أو إفشاله، شروطاً تعاقدية لشكل وعمل الحكومة، وقد تكون مزعجة وقاسية ومليئة بالمناورات.
ولإنهاء المسار المتعثر، سيتجه السيد علاوي نحو ساحات التظاهر لتهدئة التوتر والتحدث مع المتظاهرين الذين لايملون من مواصلة الحضور في تلك الساحات، ويؤرقون الكثير من الساسة ويقضون مضاجع المستحوذين على المناصب والمهيمنين على المواقع الحساسة في العراق، هؤلاء أيضاً لو قبلوا بالجلوس والتفاوض مع السيد علاوي، ستكون لهم شروطاً أقسى بكثير من شروط الأحزاب السياسية، حيث يطالبون بتحقيق الاستقرار والأمان واقامة نظام العدالة الاجتماعية الذي يضمن المساواة بين المواطنين وينقذ الشرائح المهمشة والساكنة في العشوائيات والتي تعيش الفاقة والعوز والبطالة، وتنظيم انتخابات مبكرة حرة ونزيهة، وترتيب العلاقة مع طهران وواشنطن، ومحاسبة قتلة المتظاهرين وتحريك ملفات حيتان الفساد وتطبيق القرارات التي تخفف من معاناة المواطنين وتحقيق القرار الوطني المستقل، وسحب السلاح من الجماعات المسلحة.
وهذا يعني، أن الرئيس المكلف برسم خارطة المرحلة القادمة، لو حالفه الحظ وإستطاع تشكيل الحكومة، ستلازمه الأزمات التي لازمت غيره، وأن الجهات التي أوصلته الى سدة الحكم قد تسقطه في أول إمتحان، وستفشل حكومته في الرهان.