18 ديسمبر، 2024 6:48 م

الحكومة الاتحادية والرؤية الشاملة للأمن الوطني

الحكومة الاتحادية والرؤية الشاملة للأمن الوطني

نطاق الدور الأمني لمجالس المحافظات … هل يمكن تجزئة الأمن أو “خصخصته” مناطقياً وفئوياً؟!
سؤال: ما السبيل لبناء سياسة أمنية اتحادية، وطنية وشاملة، وفعّالة وناجحة، تضمن للحكومة المركزية دورها السيادي وولايتها العامة، وتلتزم بحدود الاختصاصات القانونية لمجالس المحافظات في المجال الأمني؟! .. مقترحات عملية
تدخّل مجالس المحافظات في القرار الأمني .. حق قانوني مشروع أم “هَوَس” سياسي غير عقلاني؟!
الأزمة في العراق دائماً أزمة مضاعفة، ففي كل أزمة لدينا أزمتان: الأزمة الحقيقية والأزمة المفتعلة. فحين تكون لدينا أزمة سياسية أو أمنية أو اقتصادية نضيف إليها أزمة جديدة هي أزمة التنازع على طريقة إدارة الأزمة الأولى! ولا تعود المشكلة في الأزمة الأصلية ذاتها بل في طريقة تعريفنا وتوصيفنا لها وأسلوب تعاملنا معها. والذي يحصل عادة أننا نستثمر الأزمة الحقيقية لصالح الأزمة المفتعلة فتغذي إحداهما الأخرى، فتتراكم الأزمات والمشاكل مثل كرة الثلج، مع العلم أن الأزمتين منبعهما واحد هو انعدام الثقة بين العراقيين والوصفة المكوناتية فاقدة الرشد والعقلانية التي تحكم العملية السياسية/النظام السياسي في العراق.
 
إدارة محلية قاصرة ومحافظات في عين العاصفة:
 
هنالك أزمة مستدامة يعاني منها النظام الاتحادي العراقي هي الفشل في تنظيم العلاقة بين المركز والمحافظات في المجال الأمني. لا تكمن المشكلة في الدستور أو القانون لكنها في قصور “المقاربة السياسية” المعتمدة في تطبيقهما. والمشكلة في جذرها “نفسية – ثقافية” وتعود لعقدة “الأطراف” المُهمّشة المُستبعدة تجاه “المركز” المستبد المستأثِر بالسلطة والثروة. كما ترجع للاعتقاد بأن مفهوم السلطة والصلاحيات يُختزَل في “عصا الأمن” و”الحديد والنار” فإذا كنت بلا صلاحيات أمنية واسعة فأنت بلا سلطة، وهو ما يتسبب في أزمة الثقة بين القوى السياسية المكوناتية أيضاً. دون أن ننسى أن جذر الأزمة السياسية العراقية ككل هو الوصفة المكوناتية للعملية السياسية والتي تلقي بظلالها وانعكاساتها السلبية على الدستور والقوانين والسياسات والممارسات والعلاقات كافة.
 
رئيس الوزراء الدكتور العبادي مُطالَب بمقاربة سياسية تحفظ مركزية القرار الأمني السيادي دون أن تجور على الاختصاص الأمني لمجالس المحافظات المنصوص عليه قانوناً.
 
العلاقة الأمنية بين المركز والمحافظات مُلتَبِسَة ومضطربة وخاضعة للارتجال وردود الأفعال. وهي تتراوح بين حالة القهر المركزي إلى درجة القمع الشمولي الاستبدادي من جهة، ومن جهة ثانية، حالة السيولة والانفلات التي تجعل المحافظة تتصرف أو تطمح أن تتصرف كدولة داخل الدولة.
ويزيد العلاقة اضطراباً والتباساً الأزمة الأمنية المزمنة التي يشهدها العراق وتداعيات الخطر الإرهابي اليومي على حياة المواطنين وما يشكله من ضغوط على الإدارات المحلية والحكومة الاتحادية أمام الجمهور لاسيّما وأن كلا الطرفين منتخب ويسعى لتحقيق إنجاز يُسجّل له في هذا الملف.
فكما هو معلوم، واحد من أسباب سقوط محافظة نينوى بيد الإرهاب هو التنازع على القرار الأمني بين الإدارة المحلية ممثلة بالمحافظ وحزبه من جانب والحكومة الاتحادية ممثلة بقادة القوات الأمنية المتواجدة في المحافظة من جانب ثانٍ. وكان لدينا أزمة مماثلة تقريباً في كركوك بين الإدارة المحلية وقيادة عمليات دجلة. ومن الأمثلة على هذه الأزمة ذات الطابع السياسي/القانوني قرار محافظة بابل بتقييد دخول مواطنين عراقيين من نازحي الأنبار إلى أراضي بابل (وهو شكل من أشكال التوظيف السياسي المكوناتي لأزمة النازحين والحاصل من طرفي الصراع الشيعة والسُنة). وفي السياق ذاته، سياق أزمة العلاقة بين المركز والمحافظات وارتجال الإدارات المحلية للقرارات الأمنية، يأتي لجوء بعض المحافظات إلى اعتماد فكرة “حفر خندق” حول المحافظة لحمايتها من تسلل الإرهاب كما هو الحال مع محافظة كربلاء.
في الوقت نفسه، قد تتمظهر الأزمة محل البحث في صورة أخرى، قد تبدو توافقية، لكنها في الواقع انعكاس لأزمة سياسية/مكوناتية، فعدم قدرة الحكومة الاتحادية على ممارسة دورها في تحرير الأنبار بالقوات المسلحة أو تسليح العشائر فيها وعدم قناعة المحافظة بدور مقترح للحشد الشعبي في تحريرها اضطر الحكومة لتخويل محافظها بجمع التبرعات لشراء سلاح للمقاتلين المتطوعين للقتال ضد داعش في المحافظة.
والسؤال هنا: ما حدود وضوابط الدور الأمني لمجالس المحافظات؟! وما التداعيات السياسية للقرارات الأمنية التي تتخذها الإدارات المحلية على سيادة البلاد ووحدة قرارها وأراضيها؟! ما انعكاساتها على سلطان واختصاص الحكومة الاتحادية؟! وما آثارها على التعايش الوطني والتماسك الاجتماعي؟! وهل من حق المحافظة أن تتخذ قراراً يحمي مواطنيها وأرضها بمعزل عن المواطنين العراقيين الآخرين؟! وهل ذلك ممكن أصلاً؟! أي هل يمكن تحقيق أمن مجتزأ من بين الانهيار الوطني العام؟! هل يخضع الأمن للتجزئة؟! وهل يمكن “خصخصة” الأمن مناطقياً أو مكوناتياً؟!
الإدارات المحلية السُنية والشيعية تشترك في تطلعاتها الأمنية المناطقية والمُلتَبِسة والإشكالية والمُختلَف عليها والتي تؤشر الوقائع إضرارها بالأمن الوطني لأنها تتضمن، فيما تتضمن، تفكيك الاستراتيجية الأمنية الوطنية وتفتيتها؛ خاصة في سياق التوظيف السياسي والتأطير المكوناتي/التمييزي لهذه التوجهات والمضمون الطائفي/العنصري الذي يتم إفراغه فيها.
أعتقد أن دخول المحافظات في نزاع على القرار الأمني مع المركز يزجّ بالمحافظة في أتون الصراع السياسي كرأس حربة في التطاحن المكوناتي ويجعلها ورقة في اللعبة السياسية المحلية والإقليمية ويجعلها في مرمى نار الإرهاب بدل حمايتها منه كما حصل مع محافظة نينوى.  
لدى مجالس المحافظات “هَوَس” بممارسة دور أمني غير عقلاني. إنهم يتصورون أنهم بقراراتهم الأمنية التي تفتقر للوعي والحكمة والرشد والمسؤولية الأخلاقية والسياسية يمكن أن يحموا محافظاتهم لكنهم في الحقيقة يُضعفون الحكومة الاتحادية ويكرّسون التفرقة بين العراقيين ويزرعون الكراهية والبغضاء. وهذا يرجع إلى تسامح الحكومة الاتحادية مع السيولة الأمنية الحاصلة في البلاد وعدم تحرّكها الجاد والحازم لضبط هذه المسألة. على إدارات المحافظات أن تتعظ مما حصل في نينوى والأنبار وعليهم أن يدركوا أن القرار الأمني ينبغي أن يُتخذ بوعي وطني كامل وأفق عراقي حتى لو كان يخصّ منطقة محددة من العراق، وأن يستند لرؤية استراتيجية شاملة لا عقلية مناطقية/فئوية. يجب أن يُصغوا للحكومة الاتحادية في الشأن الأمني لأنه اختصاص مركزي اتحادي. الشأن الأمني في العراق ليس شأناً جنائياً تقليدياً تتعامل معه الشرطة المحلية لنترك قراره بيد الإدارات المحلية. الشأن الأمني في العراق خطير وحسّاس لأنه يتعلق بقضايا مكافحة الإرهاب والتماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية وفيه أبعاد سياسية/سيادية محلية وإقليمية فحماية البلاد ومحافظاتها تقتضي الشمول والعمق في الرؤية الأمنية. البلاد في حالة حرب على الإرهاب ومركزية الأمن ضرورة لضمان هذا الشمول في المعالجة. لكن على الحكومة الاتحادية أيضاً أن تقدم نموذجاً وطنياً/مهنياً مقنعاً للسياسات والممارسات الأمنية لتعزيز ثقة المحافظات والمواطنين بها وبقدراتها.
 
الأمن الوطني مفهوم شامل وأول مبادئه هو الاندماج الوطني والوئام والتلاحم والتماسك ووحدة المصلحة. فكرة منازعة الجيش سلطاته كما كان يفعل السيد أثيل النجيفي وحزبه في محافظة نينوى، أو حفر الخنادق بين المحافظات كما تريد محافظة كربلاء، أو تقييد حركة السكان على أسس فئوية/مكوناتية/مناطقية/سياسية كما تريد محافظة بابل؛ كلها ممارسات تضرّ بالتماسك الوطني لأنها تكرِّس الفكرة التفكيكية التقسيمية المقيتة.
 
إنه لعب بالنار أن يُترجَم الصراع المكوناتي إلى سياسات أمنية. إننا في هذه الحالة نشطب على التعايش ونقوّض السلم الأهلي بصورة صريحة.
 
مسؤولية رئيس مجلس الوزراء:
 
على الحكومة الاتحادية أن تكون واضحة وجازمة، وحازمة وحاسمة وصريحة إزاء السلوكيات غير العقلانية للإدارات المحلية والتي توحي بضعف التماسك الوطني أو تخرج على رؤية الحكومة في ترشيد الإنفاق أو تخضع لانفعالات الشارع وإملاءات الإعلام أو تؤشر حالة من المساعي الأنانية المناطقية لتحقيق مصالح أمنية مُتوَهَمَة وإشكالية ومُلتَبِسة بمعزل عن السرب الوطني والمصلحة الوطنية الحقيقية.
 
إجراءات عملية أمام أنظار الحكومة الاتحادية:
 
1-          اجتماع أمني اتحادي دوري برئاسة رئيس مجلس الوزراء/القائد العام للقوات المسلحة، أو من ينوب عنه، يحضره أعضاء مجلس الأمن الوطني (الدفاع/الداخلية/العدل/المالية/الخارجية) ووزير الدولة لشؤون المحافظات، والمحافظون ورؤساء مجالس المحافظات، ورئيسا لجنتي (الأمن والدفاع) و(المحافظات والأقاليم) في مجلس النواب.
 
2-          يتم الاتفاق على مجموعة “قيم” أمنية وطنية مُلزِمة للحكومة الاتحادية والإدارات المحلية  تسمى “المبادئ الأساسية للأمن الوطني العراقي”، وتشمل: الالتزام بالدستور والقانون/ احترام تخصصات الحكومة الاتحادية والإدارات المحلية قانوناً/ الوحدة الوطنية/ المساواة بين العراقيين ونبذ التمييز/ حقوق الإنسان/ السيادة الوطنية/ الاستقلال الوطني/ وحدة التراب الوطني/ التماسك الاجتماعي والتضامن الوطني/ العدالة/ الكرامة/ الحرية/ التعاون/ شمولية مفهوم الأمن الوطني.
 
3-          إلزام مجالس المحافظات باحترام مفهوم الدولة الاتحادية وعدم التصرّف كدولة داخل الدولة على الصعيد الأمني أو أي صعيد آخر.
 
4-          تكليف لجنة تنسيقية وطنية دائمة من وزارات الدفاع والداخلية واللجان الأمنية في مجالس المحافظات مهمتها المحافظة على الالتزام بمبادئ الأمن الوطني أعلاه ومتابعة التنسيق المشترك في الأداء الأمني للسلطات الاتحادية والمحلية وتقويمه.
 
5-          التأكيد على مجالس المحافظات أن يلتزموا بمبدَئي “سيادة الدولة” و”ولاية الحكومة”، وكما يلي:
 
أ‌-               السيادة الوطنية للدولة:
السيادة الوطنية للدولة مفهوم شامل فهي ليست مقتصرة على العلاقات الدولية وأمن الدولة ضد التدخلات الخارجية بل تشمل كذلك سيادة الدولة على أراضيها وأمنها داخل حدودها وسلطتها على ترابها الوطني لاسيّما في الجانب الأمني. فالشأن الأمني في أبعاده السياسية المرتبطة بمكافحة الإرهاب وحماية النسيج الوطني لا يحتمل الاجتهادات المحلية بل هو شأن سيادي بطبيعته.
إنه قضية مركزية/ وطنية/ مُواطنية/ جَمعية/ كُلِّية/ اتحادية/ شاملة/ عامة لا تحتمل التخصيص المناطقي أو التجزئة المكوناتية أو التفكيك الفئوي.
 
ب‌-        الولاية الاتحادية للحكومة:
الحكومة الاتحادية/المركزية لها “ولاية أمنية” على كل المواطنين وكامل التراب الوطني واستراتيجياتها الأمنية والدفاعية تشمل العراق كله والمحافظات كافة. لاسيّما وأن النظام الديمقراطي يضمن تمثيلاً عادلاً نسبياً لكل العراقيين من كل الانتماءات الثقافية والجغرافية والسياسية في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما يفترض أن يضمن أن تكون السياسة الأمنية الاتحادية معبّرة إلى أقصى حدٍ ممكن عن تطلعات العراقيين جميعاً والمحافظات كافة.
 
الاختصاص الأمني لمجالس المحافظات في قانون 2008
 
ينص قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008 المعدّل على أن من اختصاصات مجلس المحافظة “المصادقة على الخطط الأمنية المحلية المقدمة من قبل المؤسسات الأمنية في المحافظة عن طريق المحافظ بالتنسيق مع الدوائر الأمنية الاتحادية مع مراعاة خططها الأمنية” (المكتبة القانونية العراقية للحكم المحلي). هذا النص القانوني يتحدث عن “الخطط الأمنية المحلية”، والأمن المحلي يفترض أنه يختص بالمساحة الجغرافية والشؤون الأمنية المحصورة داخل حدود المحافظة؛ أما الخطط الأمنية الوطنية وسياسات مكافحة الإرهاب فيفترض أن تشمل حماية حدود البلاد والتراب الوطني بكامل جغرافيته لا المحافظات بوصفها كيانات “مستقلة/معزولة”، وأيضاً حماية المواطنين العراقيين والمقيمين في كل مكان من أرض العراق بما هم مواطنون وبشر لا بوصفهم ينتمون لهذه المنطقة أو تلك الفئة أو ذلك المكوِّن. فالأمن بمعناه العام والشامل شأن وطني لا يمكن أن يخضع للتجزئة لأن تجزئة الأمن طعن في أصل فكرة الأمن الوطني، لاسيّما في أوقات الأزمات والحروب والكوارث كما هو الحال مع الأزمة الأمنية والسياسية والإنسانية التي يعيشها العراق اليوم. أي تصنيف أو تقسيم مناطقي أو فئوي للملف الأمني يمكن القبول به كإجراء تنظيمي تكتيكي من السلطة الاتحادية لا كقرار سياسي دائم أو اجتهاد متسرِّع من السلطات المحلية.
أما الخصوصية التي يتمتع بها إقليم كردستان فقد تبلورت تاريخياً وسياسياً في ظروف مختلفة عن ظروف الصراع السُني – الشيعي في الجزء العربي من العراق. وهي وصفة لا يمكن تعميمها على بقية أجزاء العراق لأن الجزء العربي من العراق لايتمتع حالياً بالتماسك القومي/الاجتماعي الذي تتمتع به كردستان. قوة العراق ككل في الاتحاد الفيدرالي بين الجزء العربي والجزء الكردي. وقوة الجزء العربي في “مركزية” بغداد بالنسبة له. و”المركزية” التي أعنيها هنا هي مركزية اتحادية/ديمقراطية وليست مركزية شمولية/استبدادية. لكنني أصرّ على تسميتها “مركزية” لأنها ضرورة لتماسك الجزء العربي من العراق ولبقاء العراق ككل. لكن إدارة كل من هذين النموذجين الضروريَّين: فيدرالية كردستان و”مركزية” بغداد، وتكاملهما الإيجابي البنّاء، يحتاج إلى مقاربة سياسية/ديمقراطية رشيدة قادرة على تحقيق الإدماج السياسي والإداري والتنموي بأمثل صورة وأفضل توظيف للنص الدستوري والقانوني وأكبر منفعة للأطراف كافة وقبلهم للكيان الوطني العراقي. مع ضمان “الولاية العامة” للحكومة الاتحادية على كل العراق في إطار الدستور العراقي. إن الرؤية الوطنية والولاية الاتحادية وحضور الحكومة العراقية كمظلة للجميع هو المنطق الكفيل بالمحافظة على وحدة العراق وفاعليته كدولة تحمي مواطنيها.
إن مفهوم الأمن في العراق هو ليس المفهوم الجنائي المحدود الذي يتعلق بالجرائم العادية ذات الطابع الاجتماعي المحض. لدينا اليوم في العراق عنف سياسي/نزاع مكوناتي منظم من عصابات متمرسة وميليشيات منفلتة وبالتالي فإن القرار المركزي الذي يأخذ بالاعتبار خصوصيات المحافظات ويُنسِّق معها هو وحده الكفيل بالتصدي الحازم لهذا النوع من التهديد الأمني.
 
سلبيات استئثار المحافظات بالقرار الأمني المناطقي:
 
إن الإجراءات الأمنية “البدائية”، برأيي، التي تتخذها الإدارات المحلية مثل (تقييد حركة المواطنين من وإلى المحافظات، حفر خنادق حول المحافظات) يمكن أن تتسبب في السلبيات التالية:
1-          تكريس فكرة عجز الحكومة الاتحادية عن توفير الأمن بالأساليب الأمنية والعسكرية والاستخبارية الحديثة المعتمدة في العالم والتي ينفق عليها العراق أموالاً طائلة.
2-          تعزيز فكرة “تجزئة الأمن”، وهي فكرة غير صحيحة لأن الأمن في البصرة هو الأمن في بغداد وهو الأمن في الموصل وهو الأمن في أربيل. والمواجهة مع داعش اليوم تثبت هذه الحقيقية. الأمن لا يتجزأ.
3-          تكريس حالة التفكك الوطني ودعم دعوات التشرذم والتفسخ والتقسيم لأن القرار الأمني المناطقي يعزز فكرة المصالح المتعددة للمحافظات والمكونات والشرائح والفئات بمعزل عن المصلحة الوطنية الشاملة الجامعة.
4-          القرارات الأمنية المحافظاتية تتسبب في خسائر اقتصادية إذ تخصص لها أموال من حصة المحافظة في الموازنة الاتحادية أو أموال تنمية الأقاليم بالإضافة إلى الأموال المخصصة للأمن على مستوى الوزارات الاتحادية (الدفاع والداخلية). فعلى سبيل المثال أعلنت ادارة محافظة كربلاء، كما نقلت (المدى برس)، “المباشرة بحفر خندق على حدودها الشمالية الغربية المتاخمة لمحافظة الانبار لمنع تسلل العناصر “الإرهابية”، وفيما بينت أن طول الخندق سيكون 40 كم وسيُنجز بمبلغ 16 مليار دينار، أكدت أنه سيمنع وصول النيران غير المباشرة إلى أقرب نقطة سكنية في كربلاء”. إن هذا المسعى هو هدر للمال العام لأن الجدوى الأمنية من هذا الخندق غير واضحة.
 فهل تمت استشارة الحكومة المركزية في الموضوع؟ وهل أفتى خبراء أمنيون وعسكريون واستراتيجيون يُعتد بهم بمثل هذا الخيار؟!
فإذا قال خبراء أمنيون أن الخندق يمكن أن يكون مفيداً في حفظ أمن محافظة كربلاء فيفترض أن يكون قرار حفره قراراً مركزياً من الحكومة الاتحادية في سياق استراتيجيتها لتطويق الإرهاب في الأنبار، وليس قراراً من محافظة كربلاء يهدر المال العام ويكرِّس حالة التفكك الجغرافي والوطني التي يراد للعراق أن يقع فريستها.