المجتمعات التي يَثرى فيها الجالسون على كراسي السلطة بدرجاتها ومسمياتها , ويمعنون بأخذ أموال الشعب , والإستحواذ على حقوقه , ومصادرة ثروات الوطن , وتأمينها في البنوك والدول الأجنبية , والشعب من حولها يتضوّر من القهر والحرمان , ولا يستطيع عمل شيئ سوى التشكي والتظلم واللطم , وإذا طالب بحقه نهرته عمامة يتبعها ولحية يتوسل إليها , هذا الشعب فاسد وممعن في الفساد , والحكومة التي يتهمها بالفساد نزيهة , ويؤكد على ذلك بسلوكه لأنه يعيد إنتخاب ذات المسميات والتوصيفات , ويتباهى بظلمها وما تسطو عليه من الأموال.
نعم الحكومة نزيهة والشعب فاسد!!
فكيف تفهم الشعوب المعاصرة ما تراه وتسمعه من أخبار , ومشاهد عن مظاهرات للمطالبة بحقوق إنسانية بسيطة , ويتساقط فيها بضعة مئات من الناس المساكين , ثم يتم إخمادها بخطبة أو بفتوى , وكأن الذين تساقطوا مجرد أرقام.
وكيف يمكن إستيعاب ما يُنشر على أن المسؤول الفلاني لديه كذا مليارات وعقارات وقصور فارهة وعمارات وقد تولى المسؤولية لبضعة أشهر أو سنوات , وفاز بغنائم بليونية , وعندما تسأل يُقال إنه رزق من الله , وإن الله يرزق مَن يشاء بغير حساب , وهذه الذريعة يتمنطق بها المعممون الذين في ثرائهم الفاحش ينعمون , ويضحكون على الناس بالدين وبخطبهم التضليلية المقاصد والتوجهات.
نعم الشعوب التي تتبع متاجر بدين , وتسيّرها الفتاوى كأنها الدمى , ويُستلب منها عقلها , وحقها في الحياة وهي خانعة قابعة تابعة , تردد لبيك يا فلان , وسمعا وطاعة يا علان , هذه شعوب فاسدة إلى نخاع العظم.
فالعصر الجماهيري الكوكبي ما عاد يتقبّل مثل هذه السلوكيات , التي تسرق من الإنسان قيمته وعقله وحقوقه بإسم المعتقد أو الدين وغير ذلك , إن العصر هو عصر العلم والعقل والسؤال , والحق وإحترام الإنسان , وعدم تحويل الناس إلى قطيع , فهذه جريمة بحق الإنسانية , وإستلاب لحق الإنسان في الحياة.
فالإنسان ولد حرا وعليه أن يعيش حرا ومسؤولا عن سلوكه , ولا يمكن لأحد مهما تصور أن يملي عليه خياراته ويستعبده بإسم الدين , ويمعن بتجهيله وتضليله والإستحواذ على مصيره , فهذه جرائم ضد الإنسانية , إذا قبل بها الإنسان فهم مجرم بحق نفسه , وعليه أن يرفضها ويثور عليها , ويقتحم الحياة بإرادة حرة وعزة وكرامة.
فالذي يرتهن بإرادة معممة هو من الفاسدين , وعليه أن يأنس بما هو فيه وعليه , والذي لا يستعمل عقله ويصدّق الأضاليل , وينقاد للدجالين هو من الفاسدين , والحكومة التي تتولى أمور بلاده نزيهة , لأنها تمثله وتعبر عما فيه من المطمورات السلوكية , فالحكومات مرآة المجتمعات , والحكّام هم مرايا الشعوب , إن صدّقنا أم لم نصدّق , فهم المولودون من أرحام الأمهات اللواتي هن من الشعب.
فلا تقل الحكومة فاسدة , وقل نحن الفاسدون , و”كيفما تكونوا يوّلى عليكم” , وذلك قانون سلوكي قويم!!
نعم إن الشعوب فاسدة ولهذا يدوم فيها الفساد , فهل من إحترام لقيمتك أيها الإنسان؟!!