بعد عملية “طوفان الأقصى” والاختراق الأمني الكبير الذي أحدثته المقاومة بإمكانيات متواضعة مقارنة بما تواجهه في الجانب الآخر وكيفية الرد على تلك العملية بتدمير هائل وممنهج لقطاع غزة بدت في الأفق علامة سؤال كبير حول مستقبل “السلام والتطبيع” مع إسرائيل بواقع يضيق حول عنق الضحايا الفلسطينيين, وفي ظل حملة تشويه محلية وإقليمية ودولية للفلسطينيين وضحاياهم، تشن إسرائيل عدوانها الواسع على غزة، وتحت هذا الجو القاتم تتشكل حكومة ما يسمى بـ “حكومة وحدة وطنية” لقيادة المعركة ضد الشعب الفلسطيني، وتسقط الخطوط الحمراء من السياسات العنصرية والطروحات الفاشية التي تحملها حكومة إسرائيلية متحدة على خوض حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني، ينظر إلى بن غفير وسموتريتش ونتنياهو اليوم في الغرب وأمريكا كعناوين للتسامح والقوة، وضرورة من ضرورات حماية وإسناد “الديمقراطية الإسرائيلية,, و ترتسم الصورة بشكل أوضح وأشمل لبعض الإجابات بسرعة الحشد الغربي والأمريكي لدعم إسرائيل، ومنحها الضوء الأخضر لارتكاب جرائم حرب وإبادة ضد غزة، وإرسال حاملة طائرات أمريكية للمنطقة وعتاد عسكري لإسرائيل، في رسالة واضحة عن الدعم والانحياز المطلق لإسرائيل و كل محاولات إخفاء الطابع الاستعماري والعنصري لها الذي أعيد تلميعه بقوة في الأيام الأخيرة, النفاق الغربي والدولي من قضية فلسطين قد وصل ذروته بهذه الحالة الهستيرية من الوقوف خلف إرهاب الدولة في إسرائيل، لكن افتضاح النفاق العربي الرسمي تجاوز مسألة الوقوف بجانب الحق الفلسطيني، في التكالب على المقاومة لأنها مرآة عجز وخزي لأنظمة متهالكة
مقابل ذلك لدينا أسوأ صورة للنظام الرسمي العربي منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، عجز مهين للنظام العربي نفسه وللشعب الفلسطيني وقضيته، بعد التمعن في الاجتماع الوزاري العربي الأخير في القاهرة يفشل النظام العربي في تقديم الدواء والماء والغذاء لغزة، ويكتفي بمراقبة تدميرها وقتل سكانها على الهواء مباشرةً ومساواة الضحايا بجلادهم. حتى الذي أصبح يقدم نفسه من النظام العربي “معتدلاً ” للإسرائيلي والأمريكي يفشل في إمساك العدالة الدولية وقوانينها الإنسانية للمحاججة بها، وأصبح الخطاب العربي أجوفَ بمزاعم صهيونية عن محاربة “الإرهاب” وحماية الإنسانية. الاكتفاء العربي بمراقبة العدوان على غزة، ومراقبة حالة صهيونية متحدة على نظرية وزير دفاع الاحتلال بوصف الشعب الفلسطيني “بالحيوانات البشرية” ويجب محوهم، ومراقبة الإسناد الغربي والأمريكي للصهيونية الحاكمة، ومن دون أن تكون هناك مواقف عربية تقول إن ذلك الوصف مقزز ومهين وعنصري يتماثل مع النازية، وإن المقاومة في فلسطين من غزة إلى الضفة هي مقاومة مشروعة يكفلها القانون الدولي لمحاربة الاحتلال.
يقول الزعيم الجزائري الراحل هواري بومدين مخاطبا الشعب عام 1983 ( اعلم ان رؤسكم صلبة لاتنحني أبدا ألا في المساجد لكني احذركم كما حذرتكم سابقا من ذيول العرب, الذين يدعون انهم أمراء وملوك الحقيقة انهم عملاء أب عن جد, ولا تنتظروا منهم خيرا أبدا, من باعك مرة قادر ان يبيعك عشرات المرات ) للآسف هذا واقعنا اليوم,
وتعاني الجامعة العربية حالة شلل عام في مؤسساتها، وفي ظل عدم وجود إرادة سياسية من الدول العربية لتطوير دورها وتنشيط مؤسساتها مقارنة مثلاً بالاتحاد الأفريقي ليس في الملف الفلسطيني، إنما في سائر القضايا العربية الأخرى. الجامعة العربية فشلت منذ معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في صياغة موقف عربي موحد في مواجهة إسرائيل ما عدا إعلان بيروت في عام 2002، كما فشلت الجامعة في الضغط على بريطانيا عام 1947 لمنع تقسيم فلسطين، ولعل حرب 1948 كانت الأولى والأخيرة التي خاضتها الجيوش العربية بقرار من مجلس الجامعة، ثم تحوّلت القضية بأكملها إلى الأمم المتحدة.كما فشلت الجامعة العربية رغم اتفاقياتها العربية في معاملة الفلسطينيين في الدول العربية كمواطنين عرب، وفشلت تباعاً في منع حصار الرئيس ياسر عرفات، ثم فشلت في منع التطبيع مع إسرائيل، بل وتم اختراق المقاطعة التي لم يعد لها وجود في الوقت الراهن , ظلت الجامعة العربية تتبنى خطاباً إعلامياً وسياسياً ومكرراً تجاه التعامل مع تفاصيل الملف الفلسطيني منذ سنوات طويلة، ما جعل اللقاءات الدورية سواء على مستوى المندوبين أو الرؤساء متوقعاً، وكأنّه إثبات لوجود الجامعة رغم أن إسرائيل باتت تتبنى خطاباً يدعو إلى إنشاء جامعة شرق أوسط مقابل الجامعة العربية وسوق شرق أوسطية جديدة مقابل السوق العربية المشتركة وفي إطار إقليمي أوسع, تبنّت الجامعة العربية تجاه القضية الفلسطينية موقفاً يدعو إلى حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ووفقاً للقرارات والمواقف الدولية خصوصاً قراري 242 – 338 ومبادلة الأرض مقابل السلام، وهو الأمر الذي لم يعد له وجود على أرض الواقع فعلياً، وفي ظل تنفيذ كامل لمخططات التهويد وإتمام خطة تهويد القدس 2020، ورفض حق العودة، وباتت الجامعة في موقفها نظراً إلى غياب الرؤية، وافتقاد التنسيق بين الدول العربية، ويكفي الإشارة إلى أن أصغر دولة قادرة على جعل الإجماع ممتنعاً,, ستظل الجامعة العربية مقارنة بالأمم المتحدة، ورغم التسليم بأنها هي الأخرى ظلت رهينة القوى الكبرى ونظام مجلس الأمن الذي عرقل كثيراً من تمرير بعض القرارات الدولية، تعاني حالة من الفشل المزمن نتيجة تباين إرادات الدول ونظام التصويت والاتجاه إلى تبني علاقات جديدة في نطاقها الإقليمي ليس فقط تجاه إسرائيل، إنما أيضا تجاه إيران وتركيا، وهو ما أثر في موقف الدول العربية ودعمها الحقيقي للقضية الفلسطينية التي باتت تحتل واقعياً، رغم كل ما يتردد، مرتبة تالية بدليل عدم تفعيل شبكة الأمان المالية العربية والالتزام بدعم موازنة دولة فلسطين بمبلغ 100 مليون دولار وفقاً لمقررات قمة تونس وغيرها من القرارات التي ظلت حبراً على ورق، ما سيعطي الفرصة للجانب الإسرائيلي للدعوة لجامعة شرق أوسط جديدة في إطار إقامة علاقات تعاون إقليمي بين العرب وإسرائيل.