أستهلال :
أكد محمد بن عبدالله – رسول الأسلام ، بقرآنه على مبدأ الشورى ، وفق نص محدد وجلي ، لا يقبل الجدل أو الشك وهو : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ / 38 سورة الشورى ) ، ولكن هل أتبع هذا المبدأ الصحابة والتابعين / ومن جاء من بعدهم ، بعد وفاة الرسول ! ، هذا ما سوف أبحثه في هذا المقال .
الموضوع : أرى بداية أن نفسر آية الشورى / أعلاه ، فوفق تفسير أبن كثير ، يقول (( وقوله : ” والذين استجابوا لربهم ” أي : اتبعوا رسله وأطاعوا أمره ، واجتنبوا زجره ، ” وأمرهم شورى بينهم ” أي : لا يبرمون أمرا حتى يتشاوروا فيه ، ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها ، كما قال تعالى ( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله / آل عمران 159 ) ، ولهذا كان عليه الصلاة ، يشاورهم في الحروب ونحوها ، ليطيب بذلك قلوبهم . وهكذا لما حضرت عمر الوفاة حين طعن ، جعل الأمر بعده شورى في ستة نفر .. / نقل بأختصار من موقع http://quran.ksu.edu.sa )) . وفي موقع أخر http://www.quran7m.com ، جاء التالي (( أى : شأنهم أنهم إذا حدث بينهم أمر هام يحتاج إلى المراجعة والمناقشة ، تجمعوا وتشاوروا فيما هو أنفع وأصلح . .قال القرطبى ما ملخصه : قوله تعالى ” وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ ” أى : يتشاورون فى الأمور . والشورى مصدر شاورته – والتشاور : استخراج الرأى من الغير . قال الحسن : ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمورهم . وقال ابن العربى : الشورى : ألفة للجماعة ومسبار للعقول ، وسبب إلى الصواب )) . * مما سبق يتأكد ، أن مبدأ الشورى نص قرآني – للذين أستجابوا لربهم وأتبعوا رسله ، وقد عمل به الرسول وأتبعه في بعض من حكمه وقرارات حروبه – لتطمأن وتستريح القلوب ، وأتبعه الصحابة كعمر ، وأكد عليه الحسن وكبار الفقهاء والمفسرين والمحدثين ، أمثال : أبن العربي والقرطبي وغيرهم ، فهل أستمر العمل بهذا المبدأ / الشورى ، مستقبلا ! .
القراءة : أولا – بعد وفاة الرسول ، حدث تصارع على السلطة ! ، والرسول مسجى في بيت عائشة / لم يدفن بعد ، فأجتماع سقيفة بني ساعدة / 11 هج ، لم تكن تطبيقا لمبدأ الشورى ، ولم تكن واجبة وقرآن رسولهم يقول ” أمرهم شورى بينهم ” ، حيث أراد الأنصار الأنقضاض على الحكم والسلطة ( قال ابن إسحاق : ولما قبض رسول الله انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، واعتزل علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة وانحاز بقية المهاجرين إلى أبي بكر وانحاز معهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل فأتى آت إلى أبي بكر وعمر فقال إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة .. / نقل من موقع المعرفة ) ، وفض الأجتماع بمبايعة أبو بكر جبرا وعنوة بقوة عمر . أي في أول تطبيق لعملية أنتقال للسلطة ، والرسول له ساعات متوفى ، لم يتفق آل بيته وأصحابه وتابعيه على الخلافة وكانوا متصارعين ، ولأجله أجتمع الأنصار وحدهم سرا في السقيفة دون أبلاغ المهاجرين .
ثانيا – وفي تولية عمر الخلافة ، لم يكن الأمر شورى ، ففي موقع / الدرر السنية ( إن طريقة تولية الفاروق الخلافة بعد الصديق الأعظم كانت باستخلاف أبي بكر إياه ، وذلك أن أبا بكر مرض قبل وفاته خمسة عشر يوماً ولما أحس بدنو أجله عهد في أثناء هذا المرض بالأمر من بعده إلى عمر بن الخطاب وكان الذي كتب العهد عثمان بن عفان .. ) . أي كان الأمر بطريقة التعيين ، ولم يكن هناك شورى . أما في خلافة عثمان ، فالامر كان مختلفا ! ( فلما قتل عمر بن الخطاب ، لم يعهد بالخلافة إلى شخص بعينه ، ولكنه جعلها شورى بين ستة من أصحاب رسول الله : عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف . وقال : يحضركم عبد الله يعني ابنه ، وليس له من الأمر شيء ، بل يحضر ليشير بالنصح .. وفض الأمر في تولي عثمان بن عفان / نقل من موقع أسلام ويب ) . ويحسب الأمر لعمر لأنه طبق الشورى ، ومن المؤكد أن عمر يعتبر حالة فريدة أسلاميا ، لتطبيقه النص القرآني . وبعد مقتل عثمان ، أختلفت الأراء فيمن يتولى الخلافة من بعده ، وذلك لأن الجو كان مشحونا سياسيا وقبليا ، ومن موقع /
قصة الأسلام ، أنقل التالي ( رشَّح المصريون عليًّا فاختبأ منهم ، وطلب الكوفيون الزبير بن العوام فلم يجدوه ، وطلب البصريُّون طلحة بن عبيد الله فباعدهم .. على الرغم من أنَّ كلًّا منهما كان طامعًا بالسلطة محبًّا لها ، ولكن الجوَّ السياسي العامِّ كان لا يسمح بتولِّي منصب الخلافة من دون الاتهام بممالأة الثائرين .. توجَّه بعض الصحابة من المهاجرين والأنصار نحو عليٍّ وخاطبوه قائلين : ” إنَّ هذا الرجل قد قُتل ، ولا بُدَّ للناس من إمام ، ولا نجد اليوم أحدًا أحقَّ بهذا الأمر منك .. ) وتم أختيار عليا للخلافة ، ولكن أيضا ، بألية تختلف عن الشورى ، لأن الوضع كان كقاعدة العرض والقبول ، حيث عرضت الخلافة على أكثر من صحابي ، والكل رفضوا العرض / بما فيهم علي ، ولكن علي بن أبي طالب وافق في نهاية الأمر .
ثالثا – بمقتل علي ، لم يكن هناك شورى في مبايعة من يخلفه ، ولكن الأمر ذهب للحسن / وكأن الخلافة وراثة ، فمن موقع فيصل نور ، أنقل التالي ( يقول ابن كثير : إن علياً لما ضربه ابن ملجم قالوا له : استخلف يا أمير المؤمنين فقال : لا لكن أدعكم كما ترككم رسول الله ، يعني بغير استخلاف .. فلما فرغ الناس من دفن علي ، كان أول من تقدم إلى الحسن بن علي ، قيس بن سعد بن عبادة فقال له : ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه فسكت الحسن فبايعه ثم بايعه الناس بعده ) . * وأني أرى لو كان هناك صلاحا في خلافة الحسن ، لأوصى له أبيه . والخلافة شأن جلل وكبير والحسن كان ملتهيا بأمور متاع الدنيا من زواج وطلاق ، فقد جاء في موقع / الأسلام سؤال وجواب ـ التالي (( ذكر غير واحد من أهل العلم أن الحسن بن علي كان كثير التزوج ، كثير التطليق ، قال ابن كثير : ” قالوا : وكان كثير التزوج ، وكان لا يفارقه أربع حرائر ، وكان مطلاقا ، مصداقا ، يقال إنه أحصن سبعين امرأة ” انتهى من ” البداية والنهاية” (8/42) . . وذكرا نحوا من هذا الذهبي رحمه الله في “سير أعلام النبلاء” (3 /253) ، وينظر أيضا : “تاريخ دمشق” لابن عساكر (13 /251) .. )) . * وبعد تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان سنة 41 للهجرة ، أصبح معرضا لأقوال السوء من أصحابه ، فقد جاء في موقع / كتب ، التالي ( وكان نزول الحسن عن الخلافة في سنة 41 للهجرة ، وأصحابه يقولون له يا عار المؤمنين فيقول العار خير من النار ، وقال له رجل السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال : لست بمذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك ) . ومات الحسن بن علي مسموما (( دعا (معاوية) (مروان بن الحكم) إلى إقناع (جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي) ـ وكانت من زوجات الإمام الحسن ـ بأن تسقي الحسن السمّ وكان شربة من العسل بماء رومة ، فإن هو قضى نحبه زوّجها بيزيد ، وأعطاها مئة ألف درهم ، وتوفى أثر ذلك سنة 50 للهجرة ، ولم يتزوجها يزيد ! )) .
رابعا – لم يكن هناك أي أمرا من أمور الشورى في المعارك التي خاضها المسلمون : كمعركة الجمل 36 للهجرة / بين جيش علي والجيش الذي يقوده طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام بالإضافة إلى عائشة ، ومعركة وصفين 37 للهجرة / بين جيشي علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ، وواقعة الطف 61 للهجرة / التي قتل بها الحسين نحرا – والتي كانت بين الحسين وجيش يزيد بن أبي سفيان . علما ان المفسرين ك ” أبن كثير ” : كان يشير للتشاور بشأن الحروب ، حيث يقول ( لا يبرمون أمرا حتى يتشاوروا فيه ، ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها .. ) .
خامسا – ولكن سابقة التوريث بمفهومها السلطوي وأنعكاساتها على الحكم لم تظهر بشكلها العلني ، ألا في زمن معاوية بن أبي سفيان ، وذلك عندما تسلم الحكم من الحسن بن علي سنة 41 للهجرة ، وأورث لأبنه يزيد الخلافة ، فقد جاء في كتاب ” استحداث الخليفة معاوية بن أبي سفيان لنظام والية العهد وردود األفعال التي واجهته )41-60 هـ /661 -680م( – بدر بن هالل العلوي وخلود بنت سالم باحشوان ” ، أنقل منه التالي ، ( كان أول ظهور لنظام ولاية العهد سنة 56 هـ/ 676م : تعد ولاية العهد ” نظام التوريث ” الذي استحدثه الخليفة معاوية بن أبي سفيان من أكثر الأمور إثارة للجدل في الدولة الأسلامية ؛ وذلك لأن مسألة وراثة الحكم لم تكن معروفة في الدولة الأسلامية قبل هذه الخطوة التي اتخذها الخليفة معاوية ، عندما عهد بالخلافة من بعده لأبنه يزيد ، وبذلك يعد معاوية أول خليفة بايع ولده في الأسلام ، ويأخذ عليه البعض ، بل ينعته ٍ بأنه ” حول الأمامة إلى مُلكٍ كسرويٍّ والخلافة إلى منصب قيصريٍّ ” .. ) .
خاتمة :
الحكام والطامحين للسلطة وحتى مراكز القوى في بواكير العهود الأسلامية ، لا يأخذون بنظر الأعتبار ، لا لنص قرآني ولا لحديث ولا لسنة ، الأهم لديهم هوس السلطة والحكم والتفرد . ورجوعا الى نص ” أمرهم شورى بينهم ” ، هذا النص لايعمل مع أناس ، معظمهم أعتنقوا الأسلام من أجل السلطة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، أكبر مثال على ذلك ! – وهو من المؤلفة قلوبهم هو وأبيه أبوسفيان بن صخر ، وللحق يقال أن معاوية هو رجل دولة وحكم / مؤسس الدولة الأموية ، فهكذا رجل لا يتعامل مع موروث ، قد قضى من جاء به ! / محمد بن عبدالله ، معاوية وغيره من الصحابة ، حين توفى الرسول ، أصبح الحكم هو الهدف ، وهذا لا يمنع من وجود غطاء ديني ، لكي تستتر به أفعالهم ، وعندما تشتدد الأمور ، وتتعقد يلجأ الحكام الى الفقهاء والمحدثين والمفسرين للترقيع والتأويل !! .