بعد أن هدأت الزوبعة وأدلى كل بدوله، عن أسباب الانفصال والاختلاف في وجهات النظر، التي أدت الى ترك السيد عمار الحكيم المجلس الأعلى، أعرق الأحزاب الإسلامية وصاحب التاريخ الجهادي الناصع، والمؤثر في الساحة العراقية التي لا تقاس بتمثيله الحكومي، وذهابه الى تأسيس تيار الحكمة الوطني، وفق رؤية جديدة ترتكز على الشباب العراقي الذي التف حوله، ونظرة عصرية للوضع السياسي الذي يعيشه العراق .
ورغم إن تأثيرات هذا الانفصال ما زالت حاضرة في الساحة العراقية، وحفزت الجانبين على التحرك على القواعد الجماهيرية وإعادة أوضاعها التنظيمية، خاصة وان موضوع الانفصال جاء في وقت حرج، والكيانات السياسية وصلت الى مراحل متقدمة في الإعداد للانتخابات المقبلة، فصار كلا الكيانين يشهدان حركة دؤوبة من اجل لملمة أوراقهما واثبات وجودهما، جعلت الشيخ الذي تجاوز عمره السبعين عاما يسابق الشاب ابن العشرين سنة، وممن اثر على نفسه الجلوس خلف المكاتب يعمل عمل من لفحت وجهه حرارة شمس الصيف العراقي، ولكن في النهاية سيكون هذان الكيانان حاضرين في الساحة السياسية العراقية .
إن تيار الحكمة الوطني وضع العصرنة والتطور والانفتاح على الجميع منهاجا لعمله في المرحلة القادمة، ولكنه بالتأكيد يستند على عمق تاريخ كبير، يستمده من زعامته المتمثلة بالسيد عمار الحكيم، ابن العائلة المعروفة بتاريخها الجهادي وصاحبة التأثير السياسي في الساحة العراقية، طوال المائة عام الماضية، إضافة الى جيل من السياسيين المخضرمين الذين تولوا المفاصل القيادية فيه، تعينهم ثلة من الشباب الذين نهلوا من تجارب الماضي المضيئة، على أمل الاستفادة منها في المراحل المقبلة، مستعينين بتاريخ ناصع من العمل السياسي هو تاريخ المجلس الأعلى الإسلامي نفسه، فهم خرجوا من الرحم نفسه، ولن يزول هذا التاريخ المشترك بسهولة، بل ربما يكون دافعا للوحدة بين هذين الكيانين في المستقبل .
فمهما اختلف هذان الكيانان الآن في المنهج والعمل، فإن ما يجمعهم أكثر بكثير مما يفرقهم، فتاريخهم مشترك وعلاقاتهم مترابطة تمتد لأكثر من 45 عاما، بل ربما بعضهم عائلة واحدة ولكنهم اختلفوا في وجهات النظر، التي أثرت على كيان سياسي كبير بحجم المجلس الأعلى الإسلامي، ولكن في النهاية ليس من مصلحتهم إضعاف احدهما الآخر فهم شركاء في المشروع الوطني العراقي، ومثلما اختلفوا بشرف قادرين على أن يتفقوا بشرف، منطلقين من جذورهم الإسلامية الأصيلة القادرة على استيعاب الآخرين .
فمن يملك تاريخا مشتركا بحجم تيار الحكمة الوطني والمجلس الأعلى الإسلامي، لا يستطيع احدهما الهروب منه أو رميه خلف ظهره، وهما يملكان من الشخوص القادرة على الحوار والتواصل فيما بينها، وخلق رؤية سياسية موحدة تجاه المرحلة القادمة، خاصة وان العراق يعيش إرهاصات ما بعد داعش التي تستلزم توحيد الجهود، لخلق بيئة سياسية تختلف عن السنين الماضية.