أخْتَلِفُ مع كثيرين بشأن تيار الحكمة الوطني، ووصف له بإنشقاق عن أصل وتاريخ وتضحيات، وإزاحة للحرس القديم بشباب وتسمية جديدة، وتعظيم ما حدث بأنه صراع على قيادة مع قرب الإنتخابات، ولكني لا أنفي أنه بداية لإزاحة كبيرة للحرس القديم في كل الأحزاب؛ تماشياً مع المزاج الشعبي ومتطلبات المرحلة، وأختلف أيضاً مع هجمات التنكيل والتضليل والسخرية، بعيداً عن الحيادية والتحليل.
عراق 2017 ليس 2003م، والمواطن الذي كان يتمنى الجلوس في خيمة بلا ماء ولا كهرباء بمجرد التخلص من الدكتاتورية؛ أخذ يناقش سياسات العالم ويقارن ديموقراطيات الشعوب.
يعترف الجميع بوجود مشكلات سياسية، ذات إنعكاسات سلبية على المجتمع، وهوّة بين الطبقة السياسية وجماهيرها، وفقدان ملامسة الحقائق والهموم، وكل العاملين في السلطات والأحزاب يعترفون بفشلهم نوعاً ما في إدارة الدولة، ولابد البحث عن حلول ناجعة، وسبل للخروج من أزمات خانقة، ولا أعني المتصدين بجملتهم فاشلين أو متآمرين، ولكن الإشكالات جعلت منهم سبب مباشر أو غيره، بعَمَد أو دون قصد، والنتيجة كل يتحمل على مسؤوليته، ويتطلب شعور قادة الصف الأول بالمسؤولية حسب رمزياتهم لإستثمارها لعمل جماعي.
تجرنا القناعة على أن الرمزية، جاءت من جهاد ونضال سنوات، قُدمت بها مختلف التضحيات، وهذا لا يعني كل من جاهد قادر على إدارة الدولة، كما لا يعني أن التضحيات لمكاسب محدودة، بل أنها رؤية لفترة زمنية يُعاد النظر بها مع طبيعة المتغيرات، إذْ لم يك في حسبان أحد ظهور الفساد والارهاب، وتعطيل المشاريع والخلافات السياسية، خرجت من دائرة المصلحة الوطنية الى الشخصية والحزبية.
إن تيار الحكمة إنطلق لتدشين عهد جديد، ولا يعني قطع سر الماضي بعدم وجود تسمية اسلامية من رجل ينتمي لمرجعية دينية، ويتكأ على ماضٍ نضالي، مع قناعة أن 13 عام تكفي للتجربة، والمستقبل يرتكز على حاضر ومراجعة سنوات بعد 2003م، وعماد التيار شباب غير منخرطين بصراعات المعارضة أو ثارات الماضي، وإختيار الحكيم زعيماً مسألة طبيعية لتاريخه العائلي وتأثيره السياسي الداخلي والخارجي، ولا يُستعبد إتخاذ بقية القوى نفس الخطوات للمحافظة على حظوظها، ومنطقي قيام تحالفات سياسية شبابية من كل المكونات برؤية جديدة، وفي نفس الوقت لا أستبعد حملات التشويه والتشكيك.
يُحسب للسيد عمار الحكيم خطوته الجريئة قبيل الإنتخابات، وهذا ما يحفز غيره لخطوات مماثلة، وستكون الفرص أكثرللأكثر تجديداً.
لا أستبعد قيام تحالف ثلاثي أركانه؛ العبادي والحكيم والصدر، وقوامه الشباب، وبديل عن إتحاد القوى، تلك القوى التي ساهمت بطرد الإرهاب، ومن الكورد ستبرز قوى تختلف عن نوعاً ما عن منطلقات الخلاف مع المركز، ويمكن لهذه القوى تكريس المحلية السياسية والأغلبية الوطنية، ونجاحها مرهونة بمراقبة فعل الشباب على الأرض، وليذهب الكبار الى إدارة العمل السياسي في مكاتب الأحزاب، بعيداً عن التنافس في السلطة التشريعية والتنفيذية، ولا أعني في طلبي تنحي الجيل الأول ذماً لهم، وإنما حفاظاً على تاريخهم، وإثبات أن الديموقراطية كانت بمخاض عسير وهي تبادل سلمي، ولا نضطر لإتهام المتشبثين بأنهم أصيبوا بعدوى الدكتاتورية، وتيار الحكمة وما يليه ولادة طبيعية لحاجة مستقبلية.