23 ديسمبر، 2024 7:41 ص

الحقيقة وليس البراءة في قضية طارق رمضان

الحقيقة وليس البراءة في قضية طارق رمضان

حكمت المحكمة الجزائية السويسرية قبل أيام في قضية الأستاذ طارق رمضان أستاذ الفقه الإسلامي في جامعة اوكسفورد بالبراءة في التهمة الموجهة له من امرأة سميت “بريجيت” في الاعلام الفرنسي والسويسري وتحميل المشتكية اتعاب المحاماة التي بلغت 151,000 يورو. وقد امتلأت قاعة المحكمة وخارجها بالقنوات التلفزيونية والصحفيين وبالأخص الفرنسيين الذين حضروا الجلسة ليعود بعضهم الى جمهورهم ويدسوا كالعادة السم بالعسل بطريقة تظهر المواقف المسبقة وانعدام المهنية والشفافية وعدم احترام للقانون ولقرار المحكمة السويسرية وكأن هذه المحكمة هي محكمة دولة غير ديمقراطية او محكمة دولة سائبة تتحكم فيها قوى تسيطر على القانون وتتلاعب به كما يحلو لأصحابها!
وبينما نقلت القنوات السويسرية خبر تبرئة المحكمة بشكل مهني وقامت بدعوة الأستاذ طارق رمضان للحديث عن هذا الحدث الذي يشغل منذ بضعة سنوات ليس فقط فرنسا وسويسرا بل تجاوزه الى دول كثيرة مثل بريطانيا التي يدرس رمضان في جامعاتها وإيطاليا ودولا اسيوية وافريقية ، خرجت بعض وسائل الاعلام الفرنسية لتشوه قرار المحكمة وتقلل من أهميته وتستمر بألقاء التهم الكاذبة نفسها للمشتكيات وكأنهم لم يحضروا الجلسة ولم يقرأوا او سمعوا بقرار المحكمة السويسرية وبالأخص في قناة “بي اف ام ” المعروفة بمواقف كادرها التحريري المنحاز والمعادي، رغم انهم دعوا الأستاذ رمضان للقناة لكي يتكلم عن هذا الحدث؟ بينما تحدث رمضان عن حكم المحكمة المهني الذي أستند على الاحداث الحقيقية وتمكن بالتحقيقات الواسعة والدقيقة من الوصول الى صورة متكاملة لشبكة المشتكية وعلاقاتها بباقي رفيقاتها في فرنسا وغيرها الذي يعود الى قبل عام 2010 وهو الامر الذي انكرته في بداية الامر، فأن الصحفي يتجاهل الحدث الأهم الذي ينتظره الناس وهو أظهار الحقيقة في هذه القضية ليقول بأن المحكمة قد حكمت لك بالبراءة لعدم وجود ادلة وان هذا قرار المحكمة السويسرية لكن التهم في فرنسا ما تزال مستمرة ولم يبت فيها القانون الفرنسي. في هذه المقابلة التلفزيونية ، كان الأستاذ رمضان بمواجهة ثلاثة صحفيين بدا انهم قد تهيأوا وبتكنيك يعمل به في بعض أجهزة الاعلام مثل مقاطعة المتحدث في كل جملة توضيحية وعدم فسح المجال لإكمال اجوبته لمنع تمرير الحقائق وإعادة ترديد الأكاذيب والتهم الملفقة والهاء المتحدث بالإجابة والدفاع عن نفسه بدل الكلام عن الحدث الأساسي بهدف ترسيخ الرواية الكاذبة لدى المشاهدين كحقيقة رغم ان هذه قد اظهرها القضاء السويسري للتو بالأدلة والاستجواب وقام بالحكم فيها قضاة ليس لديهم مشكلة مع اسم طارق رمضان كما هو الحال في فرنسا، حتى اضطر ان يسألهم عدة مرات وبقوة هل أنتم صم؟ هل تسمعون ما أقوله لكم؟ ومن ثم وجه لهم الكلام بقوله أنتم تعرفون لكنكم تقفون بجانب الطرف الاخر!
ان قرار العدالة السويسرية ليس قرار تبرئة للسيد رمضان ، لان التهم لم تثبت عليه أصلا ليكون متهما والقاعدة القانونية الأولى التي لم يحترمها القانون الفرنسي لهذا اليوم ولم يعمل بها منذ البداية هو ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته وهو ما التزمت به المحكمة السويسرية التي أظهرت حقيقة المشتكية وتحققت من كذب ادعاءاتها وتناقضات كلامها واحدة بعد الأخرى بل توصلت الى كل ارتباطاتها مع باقي المشتكيات من اشكال مختلفة “ممن التقطن” من قبل حلقة سماها الأستاذ رمضان نفسه وهي حلقة تضم ممثلة المثلية ومجموعة صحفيين ومصور مؤيد لسياسة دويلة الاحتلال من المعاديين للإسلام ولخطاب الاعتدال والعيش المشترك الذي يطرحه منذ سنوات لحل بعض مشاكل المسلمين الفرنسيين واندماجهم في المجتمع الفرنسي. في حين يمتنع القضاء الفرنسي عن القيام بإجراءات مشابهة لما قام به القضاء السويسري كما يمتنع عن تلبية حق رمضان برؤية طبيب نفسي للتأكد من سلامته العقلية لدحض ادعاءات المشتكيات من انه شخص مجنون ورفض المحكمة الفرنسية أيضا لحق رمضان التحدث الى القاضي المختص بشكل مباشر لكن وكما قال في قناة “بي اف ام ” ان سبب رفض كل ذلك هو ان القضاء الفرنسي لا يريد سماع الحقيقة. بل انه نقل الملف الى المحاكم السويسرية بشكل ناقص وغير كامل؟
لقد انتهت قضية المواطن طارق رمضان في سويسرا لكن قضية أستاذ الفقه الإسلامي والمثقف الذي طبع المشهد الثقافي الفرنسي بقوة منذ أكثر من ربع قرن لم تنته بعد. لقد قضى رمضان تسعة أشهر في السجن المنفرد وهو مريض ومن بين ما تم توثيقه من كلام المشتكيات انهن ومن ورائهن قد اقسمن ان يقبع في الزنزانة لتتحول حياته بعد هذه القضية الى جحيم استمر خمس سنوات. ورغم ان الشرطة الفرنسية قد توصلت بعد التحقيقات وبالوثائق وفحص المكالمات التي أجرتها النسوة فيما بينهن الى ان الاتهامات هذه هي اتهامات كاذبة وملفقة ومختلقة لكن القضاء وبعض القضاة القريبين من السياسة ما زال مصرا على اتهاماته لذلك دعى رمضان هذا القضاء للاقتداء بنظيره السويسري واحترام المعاهدات الدولية التي تنص على إمكانية تحويل ملفات المواطنين الاوربيين الى بلدانهم وهو ما ترفضه المحكمة الفرنسية اليوم كما دعى وزير العدل الفرنسي للاستجابة لطلب العدالة السويسرية هذا مؤكدا انه ما يزال مصرا على أظهار الحقيقية في فرنسا وانه مستمر في ذلك بثقة وبقدرة. وخاطب المحكمة عبر احدى القنوات السويسرية بالقول احكموا على شخصي لكن انسوا ان اسمي طارق رمضان، لو لم يكن اسمي طارق رمضان لكانت هذه الدعوة قد أغلقت حالا سواء في سويسرا ام في فرنسا.
من تابع هذه القضية عن قرب في الاعلام الفرنسي وعلى الساحة الفرنسية يقدر أكثر من أي شخص اخر مدى الأذى والتشويه والتظليل الذي استهدف صورة طارق رمضان المثقف المسلم في الرأي العام الفرنسي وبالأخص لدى المسلمين لإسقاطه وابعاده عن الساحة الفرنسية. ورغم كل ما حصل لم يرفع رمضان دعوى او قضية ضد المجموعة التي انكشف أمرها في كل هذه التهم الكاذبة والملفقة، واكتفى بالقول انه يتهم الأشخاص الذين يقفون وراء هؤلاء النسوة لأنهم وبحجة كره شخص او فكرة او مثقف ينتهون بدعم مشتكية بشكل اعمى دون حذر ودون معرفة الحقيقة، يدعموها لمجرد انها امرأة او لان ذلك يتوافق مع التزامهم الايدلوجي، انهم عمي بسبب أفكارهم، يتهمون شخصا بريئا ليذهب الى السجن بتهم كاذبة، اتهمهم لأنهم خطر على الديمقراطية وعلى المجتمع الديمقراطي ودولة القانون وحقوق الانسان.
وسواء احبت بعض أجهزة الاعلام الفرنسي المحتدة بطريقة عدائية او كرهت فأن الجمهور الفرنسي بكل اطيافه المتابع للسيد رمضان أنصت لحديثه وأخذ جانبه لأنه صادق وعلق كثير من المشاهدين عن احترامهم له وفهمهم للمناورات التي ارادت الإطاحة به وتشويه صورته اذ وصلت مشاهدات اثنتين من مقابلاته الأخيرة أكثر من نصف مليون مشاهدة على اليوتيوب خلال يومين نشرت فيها تعليقات مختلفة جاء بعضها من اشخاص يقولون انهم مسيحيون لكنهم يؤيدون خطاب رمضان ويدعمونه ويعرفون ان ما جرى له كان كيدا متعمدا وهو دليل على شعبية خطاب التعايش والاندماج الإنساني الذي يطرحه وذلك على عكس ما يدعيه جزء معادي من المشهد الثقافي والإعلامي الفرنسي