22 ديسمبر، 2024 12:05 م

الحقيقة لا تؤلم العقلاء بل الحمقى والجهلاء

الحقيقة لا تؤلم العقلاء بل الحمقى والجهلاء

قال الله تبارك وتعالى في سورة العنكبوت/41 (( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)).
مازالت أصداء مبحثنا السابق حول القول المنسوب لغاندي بأنه تعلم من الحسين بن علي كيف يكون مظلوما وينتصر تعلو يوم بعد آخر، وأرسلت على بريدي الخاص العشرات من التعليقات، وقرأت على المواقع عشرات أخرى، جميعها انطوت الى ناحيتين اولهما: الإساءة والشتم من قبل المعلقين على الكاتب لأنه قال الحقيقة المرة، وثانيهما: التركيز على المقارنة التي اجريتها بين شخصيتي غاندي والحسين من الناحيتين الفكرية والعملية، وهذه المقارنة إستلزمتها صيغة الحديث وليس من عندياتنا. الغريب في الأمر لم يعترف أي من المعلقين ان هذا الحديث مكذوب على غاندي،فقد بلعوا لبٌ الموضوع، وركزوا على أمور هامشية.
قال الرّاضي بنُ المُعَتمدِ:
مَن يُوقدِ النَّارَ لَا ينكر حَرَارتَهَا … قَد تُحرقُ النَّارُ يومًا مُوقدَ النَّارِ
(الحلة السيراء). (الدر الفريد).
من البديهي عندما يتأثر شخص ما بثائر او كاتب او شخصية معينة كأن يكون أبيه او صديق له، ويتعلم منه فلابد ان تكون هناك قواسم مشتركة بين المؤثر والمتأثر، سيما عندما يتعلق الأمر بثورة قلبت الموازين في الهند وحررتها من الإستعمار البريطاني، وإلا كيف نحكم على الأمر عندما تنتفي القواسم المشتركة، ولتقريب وجهات النظر، تأثر معظم الصحابة بشخصية النبي (صلى الله عليه وسلم)، وتركت شخصية الرسول إنطباعات دينية واخلاقية واجتماعية عند الصحابة، وكانوا يسألونه في الكثير من المسائل العامة والخاصة لغرض الإقتداء به.
البعض أطلق علينا صفة الطائفية، وهذا سلاح الجهلة والضعفاء، لأنهم يصنعون لأنفسهم رموزا مقدسة لا معنى ولا قيمة لها، الرموز الدينية محترمة ولكن ليست مقدسة، القداسة لله تعالى وكتبه فقط، وعندما نقول محترمة فهذا لا يعني انها خالية من المثالب والأخطاء، وهذا ما نص عليه القرآن الكريم، ليثبت ان العصمة لله وحده، ولا عصمة للأنبياء والرسل إلا في التبليغ، أي بنقل كلام الله تعالى الى العباد، مما يتطلب العصمة في نقل الكلام. أما العصمة التي إدعاها مراجع الشيعة لأئمتهم فلا يوجد نص عليها، لا في القرآن الكريم ولا في الأحاديث النبوية الصحيحة، انها بدعة خرقاء مضرة ولا منفعة منها البتة، لأنه لو تتبعت سيرة أئمة الشيعة، ستجد ان العصمة لم تنفعهم، ولو كانوا معصومين، فهذا يعني انه لا فخر لهم في أعمل او قول تحدثوا به، وانما الفخر لمن عصمهم، وهم بعصمتهم سيخرجوا من نطاق البشر الطبيعيين الى الخارقين.
ولأن القرآن الكريم خالِ من اية إشارة الى علي بن أبي طالب وذريته، جرٌ هذا الأمر مراجع الشيعة للقول بتحريف القرآن الكريم، وألف احد ابرز مراجعهم النوري الطبرسي كتابا بعنوان (فصل الخطاب في تحريف كلام ربٌ الأرباب) وطُبع طبعة حجرية في ايران ، وكان هذا الكتاب لا يسمح بتداوله الا بين كبار المراجع، وفي قوائم الكتب المطبوعة في ايران كانوا يكتبوا العنوان (فصل الخطاب) فقط دون إكماله (في تحريف كلام ربٌ الأرباب) لغرض لا يخفى عن لبيب. ومن لا يقل بالتحريف أما انه يتبع عقيدة التقية وهي تسعة أعشار الدين الشيعي حسب قول جعفر الصادق، او انه يؤمن فعلا بعدم التحريف، وهذا يجره الى إلزمات من الصعب التبرؤ منها مثل نفي علم الغيب والعصمة والإمامة عن أئمتهم العدم وجود سور قرآنيه محكمة عليها، فهم غالبا ما يتبعوا المتشابه منها، ويأولوه حسب رأيهم.
الحقيقة اننا نرفض الأحاديث التي تنسب الى غير أصحابها بحكم الأمانة العلمية، وفي الجزء الثالث من كتابنا القادم (إغتيال العقل الشيعي، الطبعة الجديدة) تناولنا مئات الأحاديث والأشعار التي نُسبت لأئمة الشيعة وهم براء منها، معظمها يعود لأنبياء وفلاسفة وشعراء وأدباء، ولا نفهم ما الغرض من هذا التدليس فلا الأئمة يحتاجون لهذا الرياء، ولا الشيعة في حاجة لها، فالأئمة لهم مكانتهم الطيبة عند اتباعهم والمسلمين عامة ولكن دون المغالاة في أمرهم.
ونقدنا هذا لا يتعلق بأئمة الشيعة فحسب وانما يشمل جميع ما نطلع عليه من أحاديث منسوبة لغير اصحابها او الحكم بضعفها، او نُقلت بصيغ أخرى. على سبيل المثال. قرأت في عدة مواقع حديثا منسوبا لعمر بن الخطاب” لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة لظننت أن الله تعالى سائلي عنها يوم القيامة”. وهذا الحديث ضعيف، وجاء بعدة طرق، وبعدة الفاظ منها” لو مات جمل في عملي ضياعا ، خشيت أن يسألني الله عنه”. ولفظ آخر” وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ، لَوْ أَنَّ جَمَلا هَلَكَ ضَيَاعًا بِشَطِّ الْفُرَاتِ، خَشِيتُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهُ عَنْهُ آلَ الْخَطَّابِ”، وغيرها من الصيغ.
لقد ضعف علماء أهل السنة الحديث، ففي رواية ابن نعيم (حلية الأولياء1/53) فيه من الضعفاء يحي بن عبد الله البابلتي، وداود بن علي بن عبد الله بن عباس، وانقطاع بين هذا الأخير وعمر الفاروق. وفي رواية ابن شيبة، يوجد من الضعفاء أسامة بن زيد الليثي وحميد عبد الرحمن لوجود انقطاع بينه وبين عمر الفاروق، (المصنف/34486). وفي طبقات ابن سعد، يوجد من الضعفاء الواقدي وهو من الضعفاء المتروكين (الطبقات3/350). وفي رواية ابن عساكر، يوجد انقطاع بين الحسن البصري الذي ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب. (تأريخ دمشق44/355). واخيرا في رواية الطبري فيه من الضعفاء عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، قيل فيه ضعيف سيء الحفظ”. (تأريخ الطبري4/202). لذا فالحديث بالمجمل ضعيف.
ومن الأحاديث المكذوبة التي رواها الطبراني” إن عمر لحسنة من حسنات أبي بكر” (المعجم الوسط2/158)، حيث ورد بهذه الصيغة” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمار ! أتاني جبريل آنفاً فقلت : يا جبريل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب في السماء فقال : يا محمد ! لو حدثتك بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ما نفدت فضائل عمر، وإن عمر لحسنة من حسنات أبي بكر”. (مسند ابو يعلي(3/179). وكان في سند الحديث الوليد بن الفضل العنزي وهو من المجروحين، قال ابن حبان عنه” شيخ يروي عن عبد الله بن إدريس وأهل العراق المناكير التي لا يشك من تبحر في هذه الصناعة أنها موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به بحال إذا انفرد”. (كتاب المجروحين3/83). ومن رواة السند: إسماعيل بن عبيد العجلي البصري، قال عنه الإمام الذهبي” متروك وضعيف”. (ميزان الإعتدال1/238).
لذا فالحديث باطل ومنسوب الى عمر بن الخطاب كذبا.
اقول مقدما وعن قناعة تامة، سوف لا يعترض أي من أهل السنة على هذا الموضوع، لأنهم لا يغالوا في الصحابة، بل ويرفعوا عنهم عقيدة العصمة، بإعتبارهم بشر، والخطأ سجية البشر جميعا، والإعتراض دائما يكون من الشيعة العوام والجهلة الذين يسبغون صفات الله تعالى على أئمتهم، والمشكلة انه لا يوجد مرجع واحد قام بغربلة الأحاديث الصادرة عن الأئمة، وغالبا ما تجد حديثا يتعارض مع حديث آخر، وان ذكرت هذا التناقض! قالوا بالتقية وهي المخرج الوحيد لتبرير تناقضات أئمتهم. بل لا يوجد مرجع واحد قام بتكفير من يقول بتحريف القرآن الكريم.
هذا هو الفرق بين أهل السنة والشيعة إستخدام العقل والتعقل في الحكم على الأمور، سيما العقائدية منها، لاحظ ان هذه الأحاديث المنسوبة لعمر الخطاب وابي بكر كذبا، لا تقلل من أهميتهم، ولا تحط من مكانتهم، بل على العكس، فهم أنفسهم يعترفوا بأنهم خطائون، على العكس من مراجع وعوام الشيعة.
لذا لا يجد علماء السنة حرجا في تصويب الأحاديث، حتى صحاح أهل السنة قام الشيخ الألباني بتصحيح البعض منها، لسبب بسيط وهو ان الشيخين البخاري ومسلم من البشر، وهما غير معصومين. فأهل السنة يفتخروا بتصويب أحاديث رموزهم ولا يجدوا فيها حرجا، ويتقبلونها برحابة صدر، على العكس من بعض مراجع الشيعة، فقد وضعوا اللجام على رؤسهم الخاوية.
والله من وراء القصد.