الحقيقة تبزغ من جديد بعد رحيل المفكرة نوال السعداوي
إن الراحلة نوال السعداوي هي طبيبة عالمة مفكرة متحررة العقل ومتحررة الضمير قد أودع الخالق لديها عقلاَ فلم تتركة رهينة بيد الجهل والتخريف بل جعلته إسوة بغيرها من العلماء في مكانه الصحيح في الإبداع والتفكير السليم.
لقد درست الطب وعملت في التشريح وانكبّت على القراءة والمتابعة في ميادين العلم وإتسمت جميع أفكارها وكتاباتها بالعقلانية لانها كانت تستند في فلسفتها على الأرقام والعلم والتجربة ولم تخالف المنطق.
كما أنه لم تقتصر كتاباتها ونداءاتها على المطالبة بحقوق المرأة بل إتسع صوتها ليشمل الظلم الذي يتعرض له الرجل أيضاً بسبب العادات الجاهلة وكانت تفتح قلبها وعقلها وتقرّ بالحقيقة التي ترتكز على الدليل والإقناع وليس على الموروث الواهم.
وللأسف فان الإساءات والمضايقات والظلم الذي تعرضت له السعداوي قد إستمر بعد رحيلها كما كان ملازماً لها في حياتها.
لقد زاد أدعياء الدين والمشايخ الظلاميون من الهجمة الوحشية ضدها بعد رحيلها وقد إستمعتُ لما جاء في بعض المقاطع الفيديوية التي تنال منها وللشتمائم المتكررة وروح الاستخفاف المُستهجن والمرفوض بحق إمرأة هي الآن في أمانة الخالق ووديعة لديه ولم تتمكن من الإعتراض ضد ماجاؤوا به بعد أن غادرتنا الى العالم الآخر وهذا هو منتهى الوقاحة والخسة ونحن نرى كيف يُصادرون حقها في الرد على تخريفاتهم وأكاذيبهم بعد أن تيقنوا أنها لاتستطيع الرد على هذيانهم وأكاذيبهم وأقاويلهم الفارغة.
لقد إستمعتُ الى المقاطع الفيديوية واستغربتُ من مستوى الضحالة في الأخلاق والهبوط الذي وصل اليه رجال الدين والسائرون في ركابهم وماتضمنته من التضليل والهراء وروح الانتقام وهم يلجؤون الى وصف نوال السعداوي بشتى النعوت الخبيثة وبأوصاف لاتليق بها حتى جاء في أحدها وهو يوصفها بالعجوز وأخرى يقول عنها الهالكة وكأن الجنس البشري لم يصل في نهاية عمره الى هذه الحالة وكأنه في نهاية مطاف عمره لن يصل الى أرذل العمر ونسى أن الموت حق وأن العقلاء لم يتجرؤوا أن يقولوا عن الانسان عند مماته بالهالك والتي تحمل روح التشفي والحقد والتي لانجدها إلاّ عند أصحاب النفوس المريضة.
لقد كانت نوال تخوض في مجالات فكرية وتطرح أفكارها معززة بالبراهين وتترك المجال للتباحث معها والاعتراض عليها شريطة ان تكون الحجة بالحجة والدليل بالدليل وكنا نراها كيف تدحض الحجج الضعيفة.
فهي ومن خلال متابعاتنا لها كانت تعطي البرهان القاطع على جميع أفكارها بينما لم نجد من الطرف الآخر غير الصوت المرتفع الذي يشير ويدلل على ضعف حجتهم وخواء عقولهم وفراغ أفكارهم.
لقد درست نوال العلم وامتهنت الطب ومارست التشريح ووجدت فيه ماوجده غيرها لكنها إختلفت عنهم وتميّزت في جرأتها على التصريح بالحقيقة.
ففي الوقت الذي لجأ غيرها الى السكوت وعدم التصريح بالحقائق لسبب يعرفه الجميع لإن المجاهرة بالحقيقة تكون كلفته عالية وما ينتظرهم من الغدر والقتل والتشويه والسجن والملاحقات القانونية الجائرة التي جاءت تحت وطأة سياط المتنفذين في الدين والمتاجرين به.
أعطني دليلا واحداً يطمئن اليه القلب على صدق الديانات وصدق الأنبياء وصدق ماجاؤوا به
هل تعرف أن قريشاً وهي القبيلة المتحررة ذات المجتمع الواعي كانت قد كشفت زيف ماجاء به محمد وطردته واستهزأت بأفكاره
ولم يبقى أمام محمد غير تشويه سمعتهم حتى وصفهم بالجاهلية
بينما الحقيقة هي على النقيض تماماً
وكان شأنه شأن الأحزاب المتمردة والمسلحة فعندما إجتمع معه نفر من الناس وبعد أن كثر أعوانه الذين أغواهم محمد بقطع الطرق وماكانوا يقومون به من أعمال التسليب والذي يتنافى مع أبسط الأخلاق وبعد الحصول على المغانم والمكاسب المادية بعد التعرض وسرقة القوافل التجارية زادت من قوته واشتد نفوذه فرضخ لهم مجتمع قريش صاغرين تحت سطوة السلاح
وهذه هي الحقيقة التي لاينكرها غير المعاند
إن ماجاء في كلام مشايخ الدين ضد السيدة المحترمة التي رحلت عن عالمنا هو دليل آخر على إنحدار أخلاقهم ودليل آخر على اللغة الوحيدة التي يجيدونها وهي السباب والشتيمة ودليل أخر على عدم إمتلاكهم قدراَ من الوعي والمروءة والانصاف ودليل آخر على التحريض بالاساءة والتنكيل بالذين يختلفون معهم في وجهات النظر ولم يسلم من أذاهم أحداً على الاطلاق حتى بعد موته وقد جاء في المأثور (الناس أعداء ماجهلوا) فقد شنّ المارقون والمتاجرون بالأديان حرباً ضروساً شعواء وهجمة مسعورة نكراء ضدها بعد مماتها كما كانوا قد تآمروا عليها في حياتها.
كما ثبت وبما لايقبل الشك أن الشعب المصري هو من فئتين
فئة تؤمن بالحوار الهاديء والهادف وهم الطبقة الواعية المتحضرة وفئة أخرى وللأسف لاتعرف غير لغة الشتيمة وأسلوب البلطجة وهم المتشددون المتطرفون وفي طليعتهم الإخوان المسلمون.
ومع كل ذلك ستستمر الحقيقة في إشراقاتها بعد رحيل المفكرة نوال السعداوي مهما كانت الحملة العدائية الظالمة ضدها.