بعد شهور من الضغط المتواصل من المرجعية الشاهدة المتمثلة بالمرجع اليعقوبي (دام ظله) وثلة من المؤمنين العاملين على من كان يقف وراء تعطيل إقرار مجلس الوزراء لقانون الأحوال الشخصية والمحكمة الجعفريان، ولد هذا الضغط تمرير القانون وصوت عليه مجلس الوزراء، ويعلم الجميع كيف كانت المواجهة وكم استهلكت من الوقت والجهد حتى جاءت بنتائجها الطيبة، ولا تقتصر النتائج على تمرير القانون وحسب، بل انه اظهر قوة ومنعة القيادة الدينية الرشيدة وان الله ينصر من ينصره، وقد كشف النقاب عن كثير من الحقائق التي لم يكن يعلمها المجتمع، وما كانت لتكشف لو لم تتخذ القيادات الدينية الرافضة لهذا القانون موقفها السلبي تجاهه.
بعد تصويت مجلس الوزراء لهذا القانون تحركت فئة أخرى من المجتمع وان كانت لا تمثل شريحة معتد بها إلا أن هناك من نصب لهم مكبرات الصوت ليعلو صوتهم وهناك من يهول في حجم الرفض ، فشاهدنا مجموعة من النساء وهن لا يمثلن التوجه النسوي في المجتمع العراقي، يتظاهرن ضد إقرار القانون الجعفري، ويستخدمن المغالطات والتضليل، يحاولن بذلك التشويش على أفكار النسوة الأخريات وتضليل الرأي العام، بدواعي أن من الظلم تزويج المرأة بعمر 9 أعوام، أو جواز زواج الرجل بأكثر من زوجة، وغيرها.
في حين أن هناك فرقا بين بلوغ المرأة وتزويجها، فليس كل من بلغت يعني وجب تزويجها، ونحن كشيعة امامية نعتقد ـــ سواء بوجود القانون أو على وفق القانون الحالي ــ أن البلوغ بسن التاسعة أو الثالثة عشر، ولا يعني أننا قمنا بتزويج بناتنا بهذا السن، فكم كبير من المجتمع المؤمن لا يزوج ابنته إلا بعد التخرج، وهم يعلمون علم اليقين بهذا التشريع (أنها تبلغ بهذا السن). فلا يعني وجود هذه الفقرة في القانون يعني أنها تفرض على الناس أن تزوج بهذا السن. أما قضية زواج الرجل بزوجة ثانية ، فهو حل لمشاكل كثيرة في بلد خيم عليه الإرهاب والقتل والحروب، وهذا لا يعني بضرورة إن الجميع عليهم أن يعددوا بالزوجات، فهناك الكثير ممن لهم القدرة المالية إلا أنهم لا يرغبون بالزواج الثاني، فلا يجبرهم القانون على الزواج الثاني.
وأنا لم استغرب من تعالي هذه الأصوات، فهي تبحث عن شيء لتعلن مخالفتها للآخرين، أو محاولة النيل من الدين أو التشريعات السماوية، لتكسب بعض المريدين. لكن استغرابي منشأه سكوت القيادات الدينية والمرجعيات الدينية، فهم يسمعون بآذانهم ويرون بأعينهم الاعتداء على الشريعة السمحاء وعلى الإسلام نهارا جهارا وهم ساكتون لا يحركون ساكن، وكأنهم يتمنون ازدياد هذه الصيحات ليصل الحال إلى إيجاد المسوغ للآخرين لرفضه أو تشويه صورة من تبنى هذا القانون، لكن الواقع هذه الصيحات هي اعتداء على الإسلام وعلى كل مقدسات المسلمين، خصوصا أن هذا الأمر يحصل في العراق ، عراق الأنبياء والأئمة (ص) وإضعاف الإسلام في هذا البلد يعني إضعاف للإسلام وللتشيع خصوصا، فهو قاعدة الإمام المهدي (ع) وإذا أراد الأعداء أن يوجهوا ضربة للتشيع فإنهم سيوجهونها للعراق لا غير.
فهل يصح أن ترى المرجعيات والقيادات الدينية هذا الاعتداء على الشريعة ويسكتون؟ فهل أن فقرات القانون المعترض عليها جاءت من خارج الفقه الامامي؟ ألا نجدها في رسائلهم العملية؟ هل يصح الاعتراض على الفقه المتعلق بالمرأة وتغييره كالإرث والزواج وغيرها، ويسكت المرجع خوفا على مشاعر بعض النسوة اللاتي لا يرتبطن معنا بدين أو شريعة؟ هل ان هذا القانون هو من صناعة الشيخ اليعقوبي ولا يمت لفقه أهل البيت (ع) بصلة حتى يمكنهم السكوت عن الاعتداءات ؟؟؟
وعلى القيادات الدينية أن تراجع سيرة أهل البيت (ع) ويرون هل أن سكوتهم منسجم مع سيرتهم أم لا؟
واختم بهاتين الروايتين:
جاء بعض أحبار اليهود إلى أبي بكر فقال: أنت خليفة نبي هذه الأمة؟ فقال له نعم فقال: إنا نجد في التوراة إن خلفاء الأنبياء اعلم أممهم فأخبرني عن الله تعالى أين هو أفي السماء أم في الأرض؟ فقال أبو بكر: هو في السماء على العرش فقال اليهودي فأرى الأرض خالية منه واراه على هذا القول في مكان دون مكان، فقال له أبو بكر: هذا كلام الزنادقة أعزب عني وإلا قتلتك فولى الحبر متعجبا يستهزئ بالإسلام فاستقبله أمير المؤمنين (ع) وطلب منه إعادة السؤال ثم أجابه فأذعن الحبر وشهد بصحة الجواب. (كشف اليقين العلامة الحلي ص 70).
المعضلة التي مر بها عبد الملك بن مروان عندما أراد الروم سك نقود يطبع عليها سب لرسول الله (ص).
فلما قرأ عبد الملك الكتاب صعب عليه وعظم عليه وضاقت به الأرض وقال : احسبني أشأم مولود ولد في الإسلام، لأني جنيت على رسول الله (ص) من شتم هذا الكافر ما يبقى إلى ابد الدهور، ولا يمكن محوه من جميع مملكة العرب إذا كانت المعاملات تدور بين الناس بدنانير الروم ودراهمهم ، فجمع أهل الإسلام واستشارهم ، فلم يجد عندهم رأيا يعمل به. فقال له روح بن زنباع: انك لتعلم المخرج من هذا الأمر ولكنك تتعمد تركه، فقال: ويحك بم؟ قال عليك بالباقر من آل بيت النبي (ص) قال : صدقت. فكتب إلى عامله بالمدينة: أن أرسل محمد بن علي بن الحسين مكرما … إلى أن تقول الرواية: فقال له محمد (ع) : لا يعظم هذا عليك، فانه ليس بشيء من جهتين: إحداهما أن الله عز وجل لم يكن ليطلق ما تهدد به صاحب الروم في رسول الله (ص) ، والثانية، تدعو في هذا الوقت بصناع يضربون سككا للدراهم والدنانير وتجعل النقش عليها سورة التوحيد وذكر رسول الله (ص) ، إحداهما في وجه الدرهم والدينار والأخرى في الوجه الثاني. وتجعل في مدار الدرهم أو الدينار ذكر البلد الذي يضرب فيه والسنة التي تضرب فيها تلك الدراهم والدنانير…). شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي، ج28 ص 284.
وهناك العشرات من المواقف التي جسدها الأئمة (ع) لإنقاذ الإسلام من كل من يحاول الانتقاص منه أو القضاء عليه، ولم يقفوا مكتوفي الأيدي ، لأنهم ينظرون إلى المصلحة العليا للإسلام، فهلا نظروا قيادة اليوم لمصلحة الإسلام ويقفوا ليدافعوا عن الشريعة الخاتمة..
وعلى الأمة الالتفات إلى هذه المسألة المهمة ولا يسمحوا لمن يحاول أن يغير الحقائق ويزيفها تبعا للمصالح الشخصية والعداء للآخرين. فالهجمة اليوم ليس على القانون الجعفري وحسب بل هي على الإسلام ..