لقد كرم الله تعالى الإنسان فخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وجعله خليفة في الأرض، وسخر له ما في السموات والأرض ، وزوده بالقوى والمواهب ليسود الأرض ويعمرها، ومن مظاهر التكريم أيضا هو اهتمام الخالق بالنفس البشرية وعمله على صيانتها، بل جعل حماية النفس والحفاظ عليها على رأس مقاصد الشريعة الإسلامية فالنفس الإنسانية في الإسلام لها حرمة عظيمة يجب أن تصان من الاعتداء أو الإيذاء،
والإسلام جعل الاعتداء على نفس واحدة كالاعتداء على الناس جميعا يقول تعالى ” مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا “.. المائدة آية 32. وفي المقابل من يحسن لنفس واحدة فكأنه يحسن للبشرية كلها يقول الله تعالى “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”، بل إن الروايات والنصوص الشرعية تفيد بأن حرمة النفس البشرية أعظم من حرمة الكعبة وأن المحافظة عليها أولى من الحفاظ على بيوت الله، وهذا ما أكد عليه مجدد الأستاذ الصرخي في تعليق له على ما يذكره ابن الأثير في تاريخه بقوله: قال ابن الأثير: ((وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَذْكُرُونَ مِنَ الْحَوَادِثِ مَا فَعَلَهُ بُخْتُ نَصَّرَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْقَتْلِ، وَتَخْرِيبِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، وَمَا الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا خَرَّبَ هَؤُلَاءِ الْمَلَاعِنُ مِنَ الْبِلَادِ، الَّتِي كُلُّ مَدِينَةٍ مِنْهَا أَضْعَافُ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، وهنا يعلق المحقق الصرخي: ( هنا ابن الأثير ينظر إلى قدسية الإنسان المؤمن المسلم، فهو أشرف وأفضل عند الله من البيت الحرام فكيف بالبيت المقدس. إذن حافظوا على أرواح الناس والمسلمين قبل الحفاظ على المساجد وبيو ت العبادة)، وَمَا بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ قُتِلُوا، فَإِنَّ أَهْلَ مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّنْ قُتِلُوا أَكْثَرُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَعَلَّ الْخَلْقَ لَا يَرَوْنَ مِثْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ إِلَى أَنْ يَنْقَرِضَ الْعَالَمُ، وَتَفْنَى الدُّنْيَا، إِلَّا يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَأَمَّا الدَّجَّالُ فَإِنَّهُ يُبْقِي عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُ، وَيُهْلِكُ مَنْ خَالَفَهُ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يُبْقُوا عَلَى أَحَدٍ، بَلْ قَتَلُوا النِّسَاءَ وَالرِّجَالَ وَالْأَطْفَالَ، وَشَقُّوا بُطُونَ الْحَوَامِلِ، وَقَتَلُوا الْأَجِنَّةَ))،
لكن المتلبسين بالدين في كل عصر ومصر تجاهلوا حرمة النفس البشرية في العقيدة الإسلامية بل جعلوها كبش فداء وقرابين لتحقيق مصالحهم الشخصية وعلى رأسها الحفاظ على الملك والحكم والمنصب والمال، والواقع المعاش خير شاهد ودليل.