قد يكون موضوع الحصانة النيابية ليس بجديد ولا غريب فقد تطرق له الكثير من اهل القانون والسياسية وعلى مستوى كل الدول.
الحصانة سلاح ذو حدين، سبب تشريعه حماية للنائب وفسح المجال له في ممارسة دوره الرقابي من دون تضييق أو تهديد بحجة الملاحقة القانونية.
ولكن في الوقت نفسه، قد يستعمل النائب الحد الثاني للسلاح ويستلغه لتحقيق غايات شخصية.
بيد أننا عندما تذكر عبارة الحصانة النيابية فسيخطر في بالنا الحد الثاني فقط، ترى ما السبب؟
فلنحسن النية ونذهب نحو معنى الحصانة.
فهي يراد به التحرز والمناعة لغة، أما اصطلاحاً فهو امتياز منحه المشرع لبعض الاشخاص بحكم وظائفهم لاعفائهم من مسؤوليات قانونية قد تتربت عليهم كما تترتب على بقية افراد الشعب.
ومن يغوص في بحر هذا الموضوع سيكتشف مدى التشابه في الموضوع في التجارب النيابية للعالم دون عناء.
بداية الشرارة للحصانة النيابية كانت حيث انكلتزا وتوهجت شيئاً فشيئاً حتى صدرت وثيقة الحقوق وكان موضوع هذه الوثيقة عدم المسؤولية البرلمانية وحماية لاعضاء البرلمان من تدخل سلطة الملك نهاية القرن السادس عشر، إذ اصبحنا أمام معادلة وهي (لا مسؤولية+ لا استجواب+ لا عقوبة).
ونذهب غير بعيدين إذ فرنسا حيث كانت الثورة هناك لها دورها في التمسك بموضوع الحصانة حيث وجدت المعادلة الاتية (ذات مصونة+ لا اجراءات+ لا قبض+ لا حبس…).
أما الولايات المتحدة الاميركية فقد عرفت الحصانية البرلمانية إلى ان وصلت في عام 1972 فقصرت التمتع بمبدأ عدم المسؤولية في اعضاء الكونغرس وحدهم.
ولو تقربنا إلى الدول العربية نبدأ بالمادة 113 من الدستور المصري فأنها نصت على عدم جواز في غير حالة التلبس بالجريمة اتخاذ اي اجراء جنائي ضد عضو مجلس النواب، لكن وفقاً للمادة ذاتها فتعين البت في طلب اتخاذ الاجراء الجنائي ضد عضو مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً على الاكثر.
اما الامارات، ففي المادة 81 من الدستور الاتحادي للدولة فأنها تؤكد الا مسؤولية لاعضاء مجلس النواب داخل المجلس او خارجه ولهم مطلق الحرية وتمامها ولكن وفق حدود الدستور والقانون.
ووفق المادة (40) من الدستور اللبناني فأنه لا يجوز اثناء دورة الانعقاد اتخاذ اجراءات جزائية نحو اي نائب أو القاء القبض عليه اذا اقترف جرماً جزائياً الا بأذن مجلس النواب ما خلا حالة التلبس بالجرم المشهود.
اما في العراق وتطبيقاً للمادة (63/ ثالثاً) من الدستور وحكم المحكمة الاتحادية العليا رقم (134/ اتحادية/ 2017) فأن للنائب حصانة، ولا يمكن محاسبته الا في الحالات التالية.
1- حالة إذا كان النائب متهم بجريمة تعد من الجنايات وهي وفقا لقانون العقوبات التي تكون عقوبتها من السجن خمس سنوات إلى الاعدام، فأنه لا يجوز القبض عليه خلال الفصل التشريعي الا بموافقة الاغلبية المطلقة وهي اغلبية عدد اعضاء الحاضرين وفقاً للمادة (63/ب) من الدستور وحكمي المحكمة الاتحادية العليا رقم (37/ اتحادية/ 2009) و (23/ اتحادية/ 2007)، اما اذا كان الامر خارج الفصل التشريعي فأنه يتطلب مواقفه رئيس مجلس النواب.
2- حالة التلبس في الجرم المشهود بجناية، وهذا لا يتطلب موافقة رئيس أو اعضاء مجلس النواب.
هذا يعني أن المشرع الدستوري العراقي اعطى الحصانة للنائب عما يدليه باراء خلال الدورة الانتخابية ومنع اتخاذ الاجراءات القانونية بحقه عما يدليه من اراء، كما أنه حظر القاء القبض عليه باستثناء الحالات المشار اليها انفاً، ولكن الحصانة لم تمنع اتخاذ الاجراءات القانونية بحق النائب اذا اتهم بارتكابه جريمة سواء كانت مخالفة أو جنحة أو جناية ومن الممكن أن تمضي تلك الاجراءات بعد انتهاء الدورة الانتخابية.
ويقول الفقهاء أن هناك حصانتين للنائب وهما:-
1- الحصانة الموضوعية التي تعني عدم مسؤولية النائب عن اقواله وافعاله اثناء انعقاد جلسات مجلس النواب فله مطلق الامان والضمان الا اللهم ما عدت مخلة بالنظام العام أو خرجت منه عبارات مخلة بالدستور والاداب، وتظل معه حتى بعد انتهاء دوره كنائب.
2- الحصانة الاجرائية وتعني حماية النائب من اجراءات القانون الجنائي وملاحقته اثناء مدة الدورة الانتخابية الا ما اقره الدستور وحدده.
وتنتهي هذه الحصانة بانتهاء عمر الدورة الانتخابية والتي هي بحسب المادة (56) من الدستور العراقي اربع سنوات تقويمية تبدأ من تاريخ انعقاد أول جلسة.
وقد عدت الحصانة وفقاً للتجربة العراقية بمنزلة الامتيازات التي يستحقها الفائز في الانتخابات بعد ترديده القسم اسوة بالمستحقات المالية.