قال تعالى:(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).
أنطلقت الجموع المليونية كعادتها في كل عام،من كل حدب وصوب،من الدول الاسلامية،وبقية دول العالم،فضلاً عن العراقيين،من أتباع أهل البيت عليهم السلام،بل ألتحقوا بهم النصارى وبيقية الاديان الساكنين في العراق،لزيارة سيد شباب أهل الجنة، وريحانة النبي المصطفى وسبطه، الامام الحسين”صلوات الله عليه”في أربعينيته.
يقول الشيخ والمحقق الكبير،باقر شريف القرشي-طيّب الله ثراه- في كتابه” زيارات الامام الحسين”:((اهتم أهل البيت عليهم السلام اهتماماً بالغاً بزيارة سيد الشهداء عليه السلام ،وأوجب بعض فقهاء الشيعة زيارته، وذكر الأئمة في أحاديثهم الأجر الجزيل والثواب العظيم الذي يظفر به الزائر، وان الزيارة الواحدة تعادل حجة وعمرة، وقد روى ثقة الإسلام إبن قولويه في كتابه”كامل الزيارات”كوكبة من الأحاديث الصحيحة عن أئمة الهدى في فضل زيارة الامام عليه السلام، وأنها أفضل الطاعات،وأنها تدفع البلاء في الدنيا،وتنمي الرزق،وتطيل العمر)).
بل يستحب زيارة الامام عليه السلام، حتى ولو كانت هذه الزيارة على خوف ووجل من السلطان، فقد روى ابن بكير ،قال:(قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إنّي أنزل الأرّجان وقلبي ينازعني إلى قبر أبيك،فإذا خرجت فقلبي وَجِل مشفق حتى أرجع خوفاً من السلطان، والسعاة وأصحاب المسالح.
فقال له الامام عليه السلام:(أما تحبُّ أن يراك الله فينا خائفاً؟ أما تعلم أنّه من خاف لخوفنا أظله الله في ظل عرشه؟ وكان محدّثه الحسين عليه السلام تحت العرش،وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة،يفزع الناس ولا يفزع، فإن فزع وقّرته الملائكة، وسكّنت قلبه بالبشارة).
لقد كان إحياء شعائر الامام الحسين عليه السلام، ومنها شعيرة الزيارة، على مرّ السنين، تشكّل خطراً وتهديداً للسلاطين الظلمة،وتمثل لهم هاجساً من الخوف والرعب،لذا أتخذوا كل الوسائل والأساليب في محاربة هذه الشعائر، من أمثال:(هارون،والمتوكل، وصدام التكريتي)،فقد أشاعوا الارهاب، ونشروا القتل،وملأوا السجون بالزائرين، شباباً وشيوخاً، وأطفالاً ونساءً في زيارة الأربعين،ووضعوا العيون،واقاموا المفارز المسلحة في الطرقات لملاحقة الزائرين.
أيقنوا أعداء الشيعة،ان الشعائر الحسينية لها الدور الأكبر في حفظ وحدة الشيعة،كما انها أحد الاسباب الرئيسية في المد والتوسع الشيعي في العالم،فعمدوا على ضرب هذه الشعائر،تارة بالعنف والأرهاب،وتارة بإثارة الشبهات حولها،كما هو الملاحظ في العامين الماضيين من تصاعد حدة النقاش حول قضية التطبير بين العوام،لإيجاد الفرقة والفتنة بين الشيعة،كفتنة الاخبارية-الاصولية،أو كفتنة الاعلمية في عقد التسعينيات من القرن الماضي،والتي حدث في كلا الفتنتين،تكفير،ولعن، وقتل، فتفطنت المرجعية العليا لهذا الخبث والمكر بالشيعة،لذا أمتنعت من أبداء رأيها حول هذه المسألة،خوفاً وخشية ان يكون رأيها موضع أستغلال من قبل أعداء الشيعة لتمزيقهم وتفريقهم.
أنظروا لهذا الكاتب والباحث”عبدالعزيز بن صالح المحمود”وهو من أعداء الشيعة،الذي انتقد وذم الحكم العثماني، لتسامحهم مع الشعائر الحسينية،فيقول:((هذا التسامح أدى لشيوع مجالس التعزية الحسينية ، والتي تعتبر أكبر وسيلة دعاية لنشر التشيع وحماية هويته وتوسيع الهوة بينهم وبين السنة،هذه المواكب التي تضخم ما جرى للحسين وحادثة استشهاده،تكون فرصة مثالية لترويج عقائد مغالية تحت غطاء العاطفة الجارفة والتي تمنع العقل من التأمل في ما يقدم له من أفكار وعقائد..
كما شكلت مراسيم وأعمال عاشوراء الوسيلة الوحيدة لمواجهة المد الوهابي،وأنها الوسيلة الأنجع لنشر التشيع بين العشائر، ولقد حذر علماء الشيعة من أي نقد لهذه الطقوس أو إقامتها في البيوت،لأن غاية هذه الطقوس العلنية هي حفظ كيان التشيع وإدامة التكاتف وجمع الشيعة حوله،وإلا اختفى التشيع ،وقد قرر أهمية هذه الطقوس جمع كبير من علماء الشيعة،رادين بعنف عن أي محاولة من علماء الشيعة أنفسهم في محاربة هذه الظاهرة أو تلطيفها).
حقيقة ان الشعائر الحسينية،كانت نصر للدين والمذهب والاسلام،وساهمت بشكل كبير في نشر التشيع،في البلدان الاسلامية الاخرى،والبلاد الاوربية،كما غرزت في نفوس أتباع أهل البيت عليهم السلام،عشق الحسين وأهدافه ومبادئه،فخرجت هذه الشعائر أجيال وأجيال حملوا الرسالة الحسينية فكانت دمائهم هي الثمن.
لقد شاهدت كثير من الشباب اليوم، الذين كانوا حريصون على حضور مجالس عزاء الامام الحسين عليه السلام،ويشاركون في اللطم،وينزلوا في مواكب للتطبير،ويذهبوا مشاة في زيارة الأربعين،حتى في زمن حكم البعث الصدامي،يرحون خفية وسراً من سلطات البعث حتى قتل بعضهم، وسجن البعض الآخر،همُ اليوم أول من لبّى نداء المرجعية،وأعطوا المئات من الشهداء،عليهم الرحمة والرضوان.
أقول:البلد الذي فيه الامام الحسين عليه السلام، وتقام فيه المجالس والعزاء الحسيني،ويستقبل الزائرين بسخاء وكرم لا نظير له في الامم والشعوب،لا يخشى عليه من داعشي ولا علماني!