22 ديسمبر، 2024 6:48 م

الحشد أم غياب المواطنة!!

الحشد أم غياب المواطنة!!

يقولون ان الاستعجال بتمرير قانون الحشد الشعبي سببه الخوف من انتهاء مبررات فتوى الجهاد الكفائي بقرب القضاء على داعش،و بالتالي افراغ بعض القوى السياسية من عناصر القوة العسكرية على الارض بكل امتدادتها التعبوية،  ويرى آخرون ان الرغبة في كسر ارادة الشركاء و تأكيد مبدأ الأغلبية الطائفية هو من أسرار سرعة تمرير القانون، بينما يتحدث فريق ثالث عن تصفية حسابات شخصية بين رموز في تحالف القوى على وجه الخصوص، وسباق مع الزمن لتأسيس كيانات ” النفوذ البديل” للجيش قبل وصول ترامب للبيت الأبيض، فيما الصحيح من بين كل هذه الاحتمالات يتمثل في انهيار مقومات المشروع الوطني و دولة المؤسسات بسبب كسل رجال الفكر الليبرالي و نجاح الأحزاب الدينية باستبدال طوق المواطنة بشكل آخر من الملابس و لون العمامة و أشكال الشوارب و اللحى بمفعول ” كفاءة الدمج ” على حساب الخبرة و الولاء للوطن، بداية من الغاء التجنيد الالزامي حتى الدولة “العميقة”. 
لم يطرح تيار سياسي مبادرة حل للمعضلة الطائفية رغم 13 سنة من القهر المبرمج.. فزعماء الكتل يدورون حول الهدف بتسميات و ضغوط و مجاملات، لذلك تخندق الفريقان في مواضعهما المعروفة.. عدم احترام الشراكة السياسية و الاصرار على المحاصصة الطائفية، التي أجهضت مولود المواطنة في شهره الأول بابعاد الكفاءات و اشاعة أجواء الفساد بمحسوبية حزبية و شخصية رفضتها المعارضة بالأمس و تغوص بوحلها اليوم، بعقلية الاسلام السياسي الكارهة للشراكة، لذلك تختلف الاحزاب الدينية الحاكمة لكنها لم تتقاطع مثلما هو الحال مع أصحاب الفكر الليبرالي الذي يستوعب الجميع، بينما لا نجد سنيا في حزب شيعي و العكس صحيح، بينما العرب غرباء حد التهجير في الاحزاب الكردية .. فأين الوطن و بأي حق يحلبون خيراته و يتفنون بطرق ذبحه ..تساؤل للحالمين بوطن يتسع للجميع!!
لن يؤسس واقع الحال الا لتقديم هدية ثمينة الى داعش و أخواته و العتب كبير على الحركات الوطنية لأنها تخلت بشكل أو بأخر عن ابجدياتها السياسية، التي أطربت مسامع المواطنين لمرحلة قصيرة في عمر الشعوب قبل أن تصيبها سهام التخندقات ومزاجية الزعامة، بينما تخلى الأخوة الأكراد عن مفهوم الدولة الأم نحو فضاء قومي لا يستوعبهم جميعا بدليل الخلافات بين أركان سياستهم الداخلية ، والحال لا يختلف كثيرا على الجبهة التركمانية و مجموعة الكيانات ذات البعد الديني خارج سرب الوطن.وسيبقى الحال على ما هو عليه و أسوء اذا لم يستعجل الجميع العودة الى ثوابت المواطنة عبر تشكيل جبهة ليبرالية عريضة من مختلف الانتماءات بخبرات متراكمة و عفة يد متوارثة بعيدا عن نرجسية القائد الأوحد أو نكبة الاقلية والأكثرية الوافدة مع الاحتلال، يقابل ذلك قانون يحاسب الجميع كأسنان المشط للتخلي عن هيمنة الوصاية التركية و الايرانية و الخليجية، مشفوعا بقناعة وطن أن لكل دولة أهدافها خارج حسابات العراقيين، فلا ايران قلقة على شيعة العراق ولا تركيا تقلب كفيها حزنا على تهميش سنته و لا الخليج يتحسر على عروبة العراق.
البقاء في الماضي مضيعة للوقت و التاريخ لا يرحم العملاء أو بائعي الأوطان بمزاد العملة.. الأحزاب الدينية تكره مفهوم الدولة المدنية ، لذلك و بدلا من الانشغال بالقوانين الاستثنائية حان وقت المواجهة مع مرحلة ما بعد داعش لأن الخارجين من جحيم الارهاب بكل الانكسارات النفسية لن يرحموا متسكعا على باب المواطنة، فقد تعلموا الدرس جيدا و تفقهوا بجحيم المحاصصة الطائفية و العرقية.. العراق بحاجة الى مشروع مواطنة لا دكاكين للمزايدات الطائفية بأثمان مدفوعة مسبقا، فلا تسوية تاريخية قبل الاعتراف بأخطاء المرحلة الماضية ولا أصوات انتخابية من معاناة نازحين وبراءة مؤجلة في معتقلات ارهاب المخبر السري و أشقائه من كبار قوم الظلم السياسي الذين لن يكونوا” ملائكة رحمة” فقد هجموا على المناصب ليؤسسوا حكومة الحزب و الطائفة بنتائج كارثية يتحسسها حتى المغرمون بملذات الطائفية، لذلك فان أكثر من ثلثي العراقيين يفضلون الدولة المدنية بعد انفصام خطابات ” البيعة و الولاية” عن الواقع.  .. داعش حرق آخوتنا بفايروس الاقصاء و نرجسية الانانية الحزبية قبل أفكاره المتشددة، و الذي لا يستفيد من أخطائه لا يرحمه التاريخ.. لم ينتحر هتلر من السعادة ولم يرحل كاسترو مقتولا، بينما تنازل ديغول عن حلمه الكبير مقابل منع النازيين وقتئذ من تدمير باريس فيما جفت دموع بغداد من الاهمال و تمزيق خارطة البناء الأساسي.. العيب ليس في خصوصية انتماءاتنا الدينية بل في سوء توظيفها لحماية مقامات على رمال متحركة..فالصحيح أنه لن تنجح فئة لوحدها بحكم العراق مهما تنوعت قنواتها الخارجية.
[email protected]