لست من دعاة الشعائر الحسينية ولا من اتباع مذهبها ..لكنني حسينية التوجه والنبض…اقرا الحسين قراءتي الخاصة النابعة من طريقة تفكيري وطريقة فهمي للدين …نشأنا صغارا في بلدا حكومته علمانية لكن لمحرم الحرام حرمته ..فالبرامج في التلفزيون الرسمي كلها دينية ولمدة عشرة أيام كانت كافية لنتشبع بالفكر الديني والقيم الإسلامية المصورة وفقا للمفهوم القومي الذي كان سائدا في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي من خلال المسلسلات المصرية والسورية والاردنية التي تتحدث عن الصحابة والتابعين والتي يتكثف عرضها في مثل هذه الأيام.. فهمنا منذ الصغر ان الثورة عطاء وليست مكسبا…وان الثائر في اي زمن كان هو (سوبرمان) تتجسد فيه تطلعات مجتمعه ليحيلها واقعا ما استطاع…
لم نفكر يوما لماذا يأتينا اقاربنا الساكنين في منطقة المعامل صباح كل يوم عاشوراء بقدر من الهريسة..مليئا باللحوم ..كنا نعتاش عليه اياما قد تصل إلى الاسبوع ..فطعم الهريسة لذيذ جدا عند اضافة السكر والدارسين اليه .ونحن كاطفال يومها نبحث عن سبب للهجوم على علبة السكر .
كان عمي ابو حسين نائب ضابط في الجيش العراقي ..لا يترك زيارة الأربعين مطلقا لكنه يذهب بسيارته البرازيلي الزرقاء لوحده ليؤدي مراسم الزيارة
وكانت قدور الهريسة تملا ساحات الكاظمية والحرية والإسكان فيما يسمى( ليلة الطبك ).
هكذا اذا كان عاشوراء على امتداد الزمن في بلد الرافدين له شعائره الخاصة….
بعد التغيير تغيرت صيغة الشعائر المرافقة لمحرم الحرام ..فالحكومة اصبحت إسلامية شيعية وليست علمانية قومية…اصبحنا نرى السرادق تملا الشوارع على امتداد الطرقات المؤدية الى كربلاء..وأصبح تعطيل الدوام لأيام وليس ليوم واحد….اختلفت الشعائر وزادت آلياتها وأصبحنا نسمع مصطلح الشعائر الحسينية…
لكن …
بعد ان اعتدنا أن يكون لمحرم حرمته..اصبح محرما شهرا للتنابز بالطائفية …وبعد أن كانت الهريسة تأتينا من أناس اتقياء..اصبح سراق المال العام والقتلة يقيمون السرادق رياءا وربما طمعا بالكسب المادي في أحيان كثيرة ففي الميزانية أموال لهذه المواكب يسيل لها لعاب الطامعين…
تحول الحسين من ثورة وروح الى شعائر فقط…اغتيلت ثورة الحسين بل ان الحسين عليه السلام قتل اليوم من جديد باغتيال روح ثورته الخالدة….
عذرا يا أبا عبد الله …فقد قتلك اهل العراق مرتين
اما انا فلا زلت اتنفس نسائم ثورتك عبقا برائحة الدم الزكي ترشد كل مصلح وكل ثائر فهي المعلم على الطريق……
عظم الله اجورنا باغتيال ثورة الحسين.