مرت الامة الاسلامية على مدى مسيرتها بانحرافات خطيرة بدأت ملامح هذا الانحراف من سقيفة بني ساعدة ،وامتد الى يومنا الحاضر، البعض يريد اسلام كما يريد لا كما يريده الاسلام، بمعنى يُفصل الاسلام كما يُفصل ملبسه على مزاجه، كما نشهده اليوم في معظم معتنقي الديانة المسيحية في اوربا فهم يقولون :(ليس للكنيسة ان تعترض على ما نقرر).
رسالات السماء هي امانة عرضت علينا بني البشر، فحملناها ،لكن السؤال هو هل حملنا تلك الامانة كما اراد الله منا؟
الله سبحانه وتعالى يعلم حجم الامانة، ويعلم جهل وظلم بني البشر، لذا فهو سبحانه يدرك تعرضنا الى فقدان البوصلة و الانحراف والابتعاد عن جادة طريقه الذي اراده لنا، فكان تعالى يرسل رسل الاصلاح بكل زمان ومكان قبل ان يعذب الامة(وماكنا معذبين حتى نبعث رسولا…)،وكما جعل الجبال ضمان وامان لعدم زيغان وانحراف كوكب الارض من مساره(وجعل فيها رواسي ان تميد بكم…)، جعل الائمة سلام الله عليهم والمصلحين امان لأهل الارض في كل زمان ومكان، فبتضحياتهم ومواقفهم يعيدون للامة ذاكرتها عندما تتعرض للتلف والفقدان.
احيانا لا تستوعب الامة حجم الخطر الذي يهددها، برغم التحذير، عندها تفقد جرعة التنظير تأثيرها ما يتطلب جرعة اكبر تتمثل بجرعة تقديم النحور ثمناَ مقابل كسب حريتها (فالحرية اثمن من الحياة).
الحسين عليه السلام حذر من مغبة الخنوع والخضوع لطاغية عصره يزيد ابن ابي سفيان عندما طلب منه مبايعته وقال كلمته المشهورة )ومثلي لا يبابع مثله)،فيزيد الذي يمثل الانحراف المحض ،لا يمكن ان يبايعه الحسين الذي يمثل الاصلاح المحض.
اذن الحسين كان واضحا خطابه للامة بهذه المقولة، فلو ان رفض الظلم حصراً بالحسين فقط لقال صلوات الله عليه : (اني الحسين ابن علي لا ابايع يزيد بن معاوية)، بيد ان مقولته مثلي لا يبايع مثله هي رسالة تكليف للامة من بعده، فمن يحمل منظومة القيم الحسينية لا يمكن ان يبايع شخص بمنظومة يزيد القيمية و الاخلاقية.
منذ ذلك الزمان نجد في كل زمان طاغية يزيد وداعية الى الاصلاح حسين.
لذا عندما لم تعي الامة حجم المخاطر التي يكتنزها يزيد بن معاوية تجاه الاسلام ،عبر خطب الحسين وتحذيراته، لم يكن امامه روحي له الفداء سوى نحره الذي قدمه فداء لدين جده صلوات الله عليهم.
قتل الحسين بكربلاء وحمل الاعداء راسه وطافا به البلدان، ليكون راسه الشريف شاهد ومبرز جرمي حكم على يزيد بالزيغ والانحراف.
لقد صدم الحسيـــــــــــــن الامة براسه من على شاهقة القنا، فالأمة احيانا بحاجة الى خطاب الصدمة لأستعادة وعيها وذاكرتها التي تتعرض الى التلف والتشويش والتضليل بسبب ممارسات السلطات الظالمة.
فكان رأس الحسين مشعل الضوء الذي انار للامة طريقها وحطم النفق المظلم الذي اراد يزيد ان يضعها فيه.
منذ ذلك الحين عرفنا الرجال بالحق، ولم نعرف الحق بالرجال.
فسلام على الحسين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً