الرمزية بدأت منذ بداية الخليقة ، وظهر مدلولها في القرأن الكريم، ، حين جعلها الباري عز وجل سببا” لخروج آدم(ع) من الجنة، عندما نهاه من الأقتراب من تلك الشجرة، ثم تأتي رمزية النبوة والأمامة الحق، واللتان تهديان لطريق الصلاح، أما رمزية الشيطان وجنوده، من أتخذها سبيلا”، فلا بد أن توصله إلى قعر جهنم، واليوم ونتيجة تداخل المفاهيم وتشابكها، أختلط حابل الأمور بنابله، وألتبس الحق بالباطل، رغم الفرق الكبير بين ناصعة الحق وبياضه، وظلمة الباطل وإسوداده، فالحق والباطل مفايهم، فلولا وجود الرمزية والدلالة، لما أهتدى البشر لطريق الحق، ولسلكت البشرية طريق الظلالة وتاهت البشرية في دجى ليلها، لذلك القرأن بين لنا ، إن رسول إلله(ص) الأسوة الحسنة، وكذلك السائرين على نهجه القويم.
قبل أيام عشنا ذكرى أربعينة الحسين(ع)، وشاهدنا بأم أعيننا الجموع الملوينية، التي زحفت صوب قبر أبي الأحرار ع، والتي جاءت من كل فج عميق، الملفت في هذه المسيرة المليونية، ليست الحشود الكبيرة، بل نبل الخلق الذي أظهره العراقيين، فكرم فاق أي كرم، وأخلاق حميدة ترقى لمقام الملائكة، وتفان في الخدمة والعمل، تلك الخدمة التي تقدم على مدار الساعة دون إنقطاع، وكل تلك المثالية التي أرتقى لها الشعب العراقي، كانت دون وجود للأجهزة الرقابية، سواء الحكومية منها أوالشعبية، ومن دون أية تهديد كما في موضوع( السخرة)، والأجمل من ذلك، كانت تقدم دون مقابل، أي بدون أجر مادي يتقاضونه، رغم ضخامة العمل الجبار المضني، الذي تعجز عن تقديمه، كبرى الدول المتقدمة، أداء” وتنسيقا”، إذن كيف يكون ذلك؟.
قبل أن نخوض في غمار الإجابة! تبرز لنا إستفهامات متناقضة، أليس العراق هو من يتصدر، المراتب العليا في إرتفاع مستوى الفساد، المالي منه والإداري؟ وحسب تقارير منظمات أممية، مختصة في موضوعة الشفافية، فمؤسسات الدولة بعمومها، غرقت في بحر الفساد، والعدد الأكبر من موظفيها، أصبح لا يكترث من إستغلال المركز الوظيفي، من أجل تحقيق الثراء الفاحش، وذلك على حساب المال العام والخدمة العامة، لذا نلاحظ تردي الخدمات، في كثير من الوزارات الخدمية، وإرتفاع مستوى الفقر وبنسب مرعبة، نتيجة ذلك الفساد، ثم بروز طبقة ثرية، وعموم تلك الطبقة هم النخبة السياسية، أو الملتصقين بها والمستفدين منها، من تجار ومقاولين، رافق تلك الفوضى، تصاعد الخط البياني للجريمة وإنتشار العصابات.
لكن الجموع المليونية، التي زحفت من عموم أطراف العراق، كانت فيها معاير النزاهة والشفافية، بأعلى ما يكون، فتقاسم الأدوار والتراتبية في الأداء، والتفاني في تقديم الأحسن والأفضل، لجموع الملايين الزائرة، مع أساليب مثالية جدا”، في تقديم الخدمة، وعلى كافة المستويات، وحالة الإنسجام الراقية، التي من خلالها لم يسجل وقوع أي جريمة، ضمن مدى أيام الزيارة، التي تمتد لقرابة عشرين يوم، بالمقابل وعلى نفس الأرض والبلاد، نجد إن المؤسسة الحكومية العراقية، طغى على بنيتها وعملها، بل وعموم موظفيها الفساد، وهنا تأتي المفارقة، كيف يحصل هذا التناقض العجيب؟ فساد ونزاهة تجتمع على أرض واحدة!.
وهنا لو تناولنا مفهوم الدولة في النظم السياسية، التي تتكون من عنصري الحكومة والشعب، لوجدنا هنالك إن شرخ كبير، بين عنصري الدولة العراقية لبنائها التكويني، والفساد الذي ينسب للعراق، يتضح سببه النخبة السياسية، التي من خلالها تتشكل الحكومة العراقية، عليه عنصر الفساد في الدولة العراقية، هو حكومته التي تسيطر على المقدرات والثروات، والشعب بريء من تلك التهم، فالناس على دين ملوكها، فعندما يصلح الرأس يستقيم الجسد، والعكس بالعكس، ودليل براءة الشعب من الفساد، تجربتين! الأولى كانت عندما إنهارت المؤسسة العسكرية، أمام جرذان داعش، فأتى الحشد وأقف الإنكسار وحوله لإنتصار، فالجيش والحشد كلاهما من الشعب، ولكن! تغيير القادة الفاسدين، بقادة أكفاء مخلصين، قلب المعادلة لصالح الدولة العراقية، ومسيرة الأربعين وإلتصاق الناس برمزية الحسين ع وإستقامته، نجد القيم المثلى لأبناء الشعب العراقي.
هنا نقف عند قيمة الرمز وتأثيره، فحسين الأصلاح والعدل، بذل الغالي والنفيس من أجل دحر الفساد والمفسدين، لازالت روحه تنبض بالحياة، وتجذب محبيها لفعل الخير، وتقديم الأفضل والأحسن، بل ما يرضي الباري عز وجل، وينفع العباد والبلاد، بطريقة وأسلوب تبرز فيه أعلى معايير النزاهة، دون أن يكون هنالك رقيب أو حسيب مادي، يحاسب تلك الجموع المليونية، عدى حب الحسين ع، التي يحي الضمائر وينقي السرائر، بينما نلاحظ إن الرموز السياسة وومثليها، داخل مؤسسات الحكومة العراقية، قد غلب عليها الفساد، غدت قدوة سيئة، تجر من تحت إدارتها من الموظفين والعاملين، للتلوث بأفة الفساد وأدواته، التي عششت عليها مايكروبات وفطريات وجراثيم الفساد، لتهيئ جيوش الفساد التي جرت البلاد للهاوية والهلاك، فشتان ما بين أمام عدل وحق، وأمام سوء وفساد.