18 ديسمبر، 2024 11:02 م

الحسين وارث الأنبياء

الحسين وارث الأنبياء

الوِرْثُ والإِرْثُ والتُّرَاثُ والمِيراثُ بمعنى البقية من اصل الشيء. والوارث:صفة من صفات الخالق، بمعنى الباقي الذي يَرِثُ الخلائقَ ويبقى بعد فنائهم. وقال جل وعلا إِخباراً عن زكريا ودعائه إِيّاه:(هب لي من لدنك وَلِيًّا يرثني ويرِث من آل يعقوب) ؛ أَي يبقى بعدي فيصير له ميراثي ؛ إِنما أَراد يرثني ويرث من آل يعقوب النبوة). اقول بل اراد ميراث الامامة لان النبوة لا تورث قال تعالى(﴿وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ البقرة/124.
تخصيص الحسين عليه السلام بصفة وارث من دون سائر الائمه عليهم السلام في زيارت وارث المعروفه وفي غيرها من المواقف والروايات التي أشارت إلى هذا المعنى، أمر يستوقف الانسان، ويثير التسأؤل عن الخصوصية التي اوجبت هذا التخصيص، مع العلم كل الائمه والصالحين من عباد الله هم حملة الدعوة، وهم ورثة الأنبياء من دون تمييز.
أن في الأمر سرآ، وهنا علينا أعادة النظر إلى الوراء إلى تاريخ الصدر الأول من الإسلام حتى أستشهاد الإمام عليه السلام، ومعرفة طبيعة الثورة التى نهض بها وحققها بشهادته.
لقد قام رسول الله( ص) بانقلاب شامل في حياة الناس بأمر من الرب في كل من القيم والأفكار والأخلاق والعلاقات، وقام بهدم كامل لحياة الجاهلية بصورها وأفكارها وقيمها وأحكامها، وبناء كامل للاسلام بكل تصوراته وأحكامه الجديده، وأعاد الحياة للبشر مانقطع من رافد الرسالات الإلهية وحمل تراث الأنبياء للناس بعد حجبه من قبل الجاهلية.
قال النبي ألا كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، وهذا إعلان الإنهاء الكامل الجاهلية والتصفية الكامله لها، وجاء الإسلام بديلا عنها في كل شئ، وهذا هو الانقلاب الكبير في حياة البشريه من الاصول إلى الفروع ومن الفكر إلى السلوك، وهو ما حدثنا عنه القرآن الكريم ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينآ).
كما نجد في حياة النبي انقلاب أخر في الهرم الاجتماعي، انقلاب في التركيب السياسي للمجتمع، جعل الداني عاليا والعالي دانيآ، والحاكم محكومآ والمحكوم حاكمآ، ورفع إلى قمة الهرم الاجتماعي من كان من المستضعفين والمحرومين ووضع من كان في قمة الهرم من المستكبرين المترفين.
هذه الرسالة التي جاء بها نبي الرحمة إلى الأمة لابد أن تكتمل معطياتها بعد وفاة النبي صلى الله عليه واله وسلم، ولابد أن يكون قادة يحملون نفس الفكر والعقيدة والسلوك ولهم القدرة الإلهية في إكمال الرسالة المحمدية، فكان الانقلاب المشأوم بعد وفاة النبي على طمس الرسالة وأعادة الناس إلى الجاهلية الأولى، لكن نرى في الحسين بن علي التجديد لهذه الرسالة الخالدة من خلال خروجه في كربلاء معلنآ بمقولته المشهورة ( أن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي ياسيوف خذيني) أي موقف هذا الذي اعطاه ليكون الوارث الحقيقي للانبياء، حيث جسد بطولات يحي بن زكريا وآفاق في صبره، أعطى كل شئ لخالقه من أجل بقاء رسالة السماء هي الساريه في الأمة حتى يخرجهم من الظلمات إلى النور، كانت ثورة مشروطة التضحيات، فكان جوابه الهي أن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى.
الحسين خامس اصحاب الكساء واصغرهم وامه صدِّيقة الخمسة.
وعيسى خامس ال عمران واصغرهم وامه صدِّيقة الخمسة.
الامام نهض ببقية خُلَّص اصحاب شيعة علي واخيه الحسن المؤمنين الذين صُلبوا وقُتلوا وقطعت ايديهم وارجلُهم وسُملت اعينُهم، ثم اهلك الرحمن عدوهم واصبحوا ظاهرين يمارسون عبادتهم على طريقة أبي عبد الله الى اليوم.
فالامام واصحابه بذلك هو نظير فريد لعيسى وحوارييه (خُلَّص اصحاب زكريا ويحيى المؤمنين بامه الصديقة مريم) وحين حوصر من اليهود نادى ﴿ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ﴾. وقد ظهر المسيحيون على اعدائهم اليهود يعبدون الله على طريقتهم التي ينسبونها الى المسيح الى اليوم.
وتعطلت هداية عيسى في المجتمع البشري بتحريف سيرته وكتابه من قبل اتباعه واحياها الله تعالى بالحسين (السلام عليك يا وارث عيسى) اي بقيت صفة عيسى الرسالية التاريخية الهادية قائمة بسيد الشهداء فمن ينظر اليه والى اصحابه وانتصار خطهم على عدوهم يتذكر عيسى واصحابه وانتصار خطهم على عدوهم.
الحسين (ع) وارث محمد رسول الله (ص)
كانت خصوصية خاتم الانبياء الرسالية التاريخية التي تميز بها هي انقاذه للإمامة الابراهيمية من الاحتواء التحريفي القريشي، وتحرير دين ابراهيم من بدع وتحريفات قريش المشركة. وترك امرين نفيسين بعده هما الكتاب وعترته اهل بيته تحمل سنته الصحيحة، واخبر انهما لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض وان من تمسك بهما أمِن من الضلالة، زمن بني امية تعطل القرآن وحرفت السنة وليوم يعودا ينفعان في هداية من شاء ان يهتدي الى دين الله.
ونهض الحسين وانقذ بنهضته الامامة الابراهيمية بعد النبي من الاحتواء التحريفي الاموي لها وانقذ دين محمد ص من بدع وتحريفات قريش وبني امية باسم الاسلام، واحيا الامرين النفيسين اللذين خلفهما النبي من بعده وهما الكتاب وعترته اهل بيته واعاد لهما فاعلية الهداية.
فقوله(السلام عليك يا وارث محمد ص) معناه السلام عليك يا من بقيت الصفة الرسالية التاريخية الهادية لمحمد به، وصار من ينظر الى سيد الشهداء، فكانه نظر الى النبي ص من زاوية هذه الخصوصية الهادية، وهو قول النبي (ص) (حسين مني وانا من حسين)