لم يكن خروج الأمام الحسين ابن علي عليهم السلام على يزيد بن معاوية لقلب فكرة اتلفت عقول وغيرت معتقدات الضعفاء وانحرفت بأصول الدين الإسلامي واستباحت المحارم لما دخل عليها من بدع وأمور لا تمتثل مع البعد الروحي لتعاليم الدين الاسلامي , بل أن الخروج عليه شكل منعطفاً للحياة السياسية بعد ان تكالبت المواجع والاخطار المحدقه بالامة الاسلامية في اوشك الظروف وخصوصاً أن الإسلام في تلك الفترة لم تحسب له حسابات في موازين القوى العالمية وتوجب عليه المحافظة على الوحدة الدينية والسياسية ,ونستطيع ان نشخص بأمعان ان تلك المرحلة خطرة بكل معطياتها , أذ ارتكبت تصرفات وتجاوزات بأسم راعي وخليفة المسلمين وامامهم , وحصل ابن معاوية على هذا اللقلب الديني بالتحايل وانتهاج سياسة الترهيب والترغيب , ويذكر لنا التاريخ عن سيرة أبيه معاوية واتخاذ الحيل والمكائد بأسم الدين لتمرير مصالحه وقتل خصومه وانصار عدوه العادل علي ابن ابي طالب عليه السلام فقتلهم جميعاً في مواقع كثيرة كمرج العذراء, وارسل الى البعض منهم من يسقيهم السم بالعسل وهم من المسلمين الاوائل واغلبهم عاش وصحب رسول الله صل الله عليه واله وسلام , وهو بذلك هياْ الطريق المعبد بدماء الابرياء ودماء انصار الحق والموالين لعلي عليه السلام ليخلد به ولده يزيد الفاجر , كما حذره من خروج بعض الاشخاص عليه واشار بذلك الى خروج الحسين عليه السلام ليطالب بالخلافة الشرعية له , كما أسس في الإسلام لأول مرة نظام الوراثة من خلال تنصيبه ولده وابتعد عن روح الفكر والحرية والمشوره , وعند وصول يزيد الى الحكم ومايحمله من تداعيات وخلفيات بعيده عن روح الجدارة والمسؤولية الدينية التي لا تؤهله ان يكون راعي في الصحراء مع اعتزازنا بهذه المهنة وأردنا من خلال هذا الوصف اعطاء تصور مناسباً لمؤهلات الخليفة الجديد وشخصيته , وفعلآً لم يتدارك يزيد الامر ويتصرف بما تتطلب منه المسؤولية الدينية امام الله وجميع المسلمين , فقد اتخذ المنصب الجديد الذي لايستحقه لتمرير افعاله وبما يتناسب مع خلفيات هذه العائلة ليوغل بالانتقام من هذا الدين الذي قضى على ال سفيان ووضعهم بالخط المستقيم والقريب من الذي كانوا عبيدهم في الآمس لان الاسلام لايفرق بين الموالي والاعراب والاسود والابيض الا بالتقوى والعمل الصالح , فأخذ يجمع يزيد اصحابه في الفكر والزندقة وسلطهم على رقاب المسلمين الاوائل في المدينة والكوفة وباقي الامصار الاسلامية ويترقب وينقل اليه من خلال هؤلاء الحركات المعارضة وظهور حالة الرفض على حكمه كون ان المسلمين يعرفون جيداً انه غير جدير بهذا المنصب ,في الوقت الذي كان فيه المسلمين احوج الى ان يقودهم رجل رشيد يدفعهم في هذه المرحلة الخطرة من تاريخ الاسلام ,لقد ترك يزيد امور المسلمين وانشغل بأمور بعيده عن روح الاسلام وادارته في احوج الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية , لاسيما وان الاخطار المحيطة بالدولة الاسلامية الفتية من جهة الشرق والغرب تتربص للمسلمين , وبدلاً من نشر الفكر والحضارة الاسلامية الى الجهات والمناطق المحررة التي وصل اليها الاسلام عن طريق التجارة او حملات الفتح , والتي تعرضت الى النقد من بعض المؤرخين والعلماء في هذا الاختصاص لانها لم تكن حروب تحرير او نشر فكر الدين الاسلامي مثل ماخاضها الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم في بداية الدعوة الاسلامية ونشر فيها راية الله اكبراو تحرير اجزاء من الاراضي الاسلامية كانت بيد الغزاة , الكثير من الروايات التاريخية والدينية الصادقة تشير الى ان يزيد اهتم بالغناء وشرب الخمر والرقص حتى الصباح , ومن هوايته المفضلة تربية الحيوانات , في الوقت الذي ترك حقوق الاسلام وكتاب الله وادارة شؤون الخلافة المغتصبة , وانشغل بالفساد والملذات وقد يكون هذا مختصر بسيط لشدة ماقام به يزيد من فواحش واعمال , ومن جهة اخرى كان الامام الحسين بن علي عليه السلام يسمع ويراقب هذه الاعمال والتجاوزات وضياع مابناه جده رسول الانسانية من مجد وقيم, ومايفعله من اعمال يقوم بها يزيد لتشويه الدين الاسلامي والابتعاد عن المبادى الانسانية , كما تألم الامام الحسين ماجرى لانصار ابيه علي ابن ابي طالب عليه السلام من تهجير وقتل وتدمير وصلب , كل ذلك جعل الامام الحسين عليه السلام ان يفكر بانقاذ الامة من هذا الظالم والمحافظة على مكتسبات الاسلام , في الوقت الذي استدعي الحسين لاكثر من مرة لمبايعة يزيد فأبى الموت على ان لايبايع يزيد , لقد فتحت تلك المساجلات والتصرفات والمسؤولية الشرعية التي وقعت على عاتق الحسين لانقاذ الامة واستناداً الى قول الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فأن لم يستطع فبلسانه فأن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان ) هذا القول وغيره من اقول كلام الله جعل الخروج لنصرة الدين ضرورة قد حان وقتها علاوة على ان الخلافة اغتصبت منه عنوة وبالحيلة والمداهنة وما أخذ بالقوة لايسترد الا بالقوة , وتجاهل ايضاً يزيد قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الحسن والحسين امامان ان قام وان قعد , وتحت الضغط والمسؤولية الشرعية قرر الحسين الخروج مع اصحابه الخلص لمواجهة يزيد واختيار الاصحاب هنا لم يكن وليد صدفة احكمتها الظروف او مجمالة للخروج معه ولايغفى على الجميع ان خروج الصحابة بهذا الكم وتحت ستار الخطر هو خروجهم للموت ومناصرة الحق وادراكهم بان المعركة التي تنتظرهم مع يزيد تكلفهم ارواحهم وهم بذلك قرروا لاعودة للحياة بدون الامام الحسين , واتجه الحسين لمقاتلة الطغيان بعد خروجه قال( اني لم اخرج اشراً ولابطراً ولامفسداً ولاظالما ) انما خرجت لاطلب الاصلاح بأمة جدي رسول الله والعمل بالمعروف والنهي عن المنكر , ولا اخوض هنا بالتفاصيل لمعركة غير متكافئة بين الطرفين , ولو لم يخرج الحسين عليه السلام على يزيد لتغير وجه التاريخ الاسلامي لصالح الفسق والكفر ولتلاشت معانيه وانحرفت الكثير من ادبيات ووصايا الرسول وتفاسير الحق عن الاسلام الصحيح ,ان طريق الحرية والكرامة لايمكن المرور فيه الا بسيل من الدماء الزكية التي ترويه , ان خروج الحسين عليه السلام كان ثورة عالمية انتصر بها كل المحاربين والثوار اينما حلوا ووجدوا واتخذ منها زعماء الامة منارا” ينيرالدرب يهتدي ويثور بها المضطهدين وقالها غاندي ( تعلمت من الحسين كيف اكون مظلوما” فا انتصر ) ان الشجاعة التي ابداها الحسين بن علي عليه السلام في واقعة الطف اصبحت حالة من الهيجان الثوري في قلوب وعقول الثوار , وكانت فاتحة لجميع الثوارت في عهد الاموين والعباسين ولم تتوقف الا بإزالة كل رمز من رموز الدكتاتورية والقضاء على طواغيت العصور وان استمرار ذلك يعود الى استلهام واقعة الطف واتخاذها من قبل جميع الثوار نصب اعينهم لتكون شاهد عصر وحافز ليدق اجراس الحق في صروح الظلم اينما وجدوا في زمان ومكان , وان التصورات العجيبة والغريبة لبعض الحاقدين كما يقولوا باستمرار ان الحسين تذرف له الدموع فقط ومااكثرهم للبكاء عليه فقط , الحسين يستحق منا الدموع الصافية التي تخرج من القلب وتسقط من العيون , لادموع العار او الذل انما هذه الدموع هي الحراب المستمرة بوجه الطواغيت وسند حقيقي لنصرة الثائرين وسلاح للمقاومة يندفع به الثأرون الى قصور الحكام والمفسدين المتربعين على عروش الحكم وهذه الدموع هي انذار مستمر وتذكير لما قدمه ابو عبد الله من تضحية مع افراد اهل بيته واصحابه الا يستحق منا ان نواسيه ونبكي عليه لان المأساة قد بكت عليها ملائكة العرش