ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) التي انطلقت سنة ستين للهجرة، كانت نبعاً متدفقا للقيم المتسامية وترتبط بأبعاد فكرية أساسية تشكل جوهر قضيته المركزية والتي تتبلور وترتبط بمفردة الإصلاح بكل دلالاتها الفكرية والإنسانية والقيمية والروحية ومن هنا فأن أي محاولة لاستعادة هذه الثورة وتطبيق مقولاته وقيمه الروحية والفكرية لا تتم ولن تتحقق دون فهم واستلهام هذه المضامين و لا وجود لفكر الحسين بدونها وبالتالي كل من يريد حصر وتقويض قضية الحسين بالطقوس والتباكي واللطم ، يساهم من حيث لا يشعر بحرف القضية وتميعها وضياع أهدافها وتغيب مكتسباتها على أرض الواقع .
للحقيقة ان بفضل فكر هذه الثورة العظيمة استطاع ابن رسول الله أن يحيي دين النبي محمد (ص) ويجعله فاعلاً ومؤثراً علي مرّالتاريخ و تتميزعن كل الثورات بكونها قضية رسالة ومبدأ، ثار الحسين للدفاع عنها، ونهض للتبشير بها، حيث رأى أمة جده تنسلخ من رسالة الإسلام، وتسودها أجواء مخالفة لقيمه ومفاهيمه، وتحكمها فئة مخالفة لهديه وتشريعاته وبأنها كانت ثورة اصلاح وهداية لكل البشرية دون استثناء ومن هنا ينطلق التفاعل الجماهيري الهائل، الذي يحصل باندفاع ذاتي، ومن قبل كل الشرائح الاجتماعية… الرجال والنساء، والكبار والصغار، والأثرياء والفقراء، والمثقفون والعاديون… وتعطي لهذه الثروة المعرفية أهمية فريدة من نوعها،لذلك تجاوب الجمهور الشعبي معها، حيث يتفاعل معها من كل المذاهب دون استثناء بشكل واسع من أبناء الأمة الاسلامية وبالخصوص المحبين لأهل البيت عليهم السلام، مع مناسبات ومواسم الذكرى الحسينية، وسائر أوقات الزيارات المندوبة، وقد سعى الامام (ع) الى بناء مجتمع إسلامي وإنساني متكامل وانبثقت الثورة من روح المسؤولية والالتزام الأخلاقي لاصلاح المجتمع (إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي،أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر) ، في مقابل سيطرة الروح الأنانية والمصلحية والانتهازية، والسكوت إزاء الحكومةالباطلة، واللاإبالية تجاه اوضاع المجتمع، التي تساهم في ترسيخ واستفحال المعايير و القيم المناهضة للدين، ويضفي المشروعية الاجتماعية والسياسية عليالقوي المتجبرة والمستبدة.
وماهو واضح وجلي في ثورة الامام الحسين ( ع )اعلنت منذ البداية رفضها للاوضاع المتردية وتصديها لحكّام الجور. و لما اراد معاوية، خلافاً لسيرة رسول الله، أن يأخذ البيعة من الامام الحسين لإبنه يزيد ليخلفه في الحكم الاموي المتوارث، قوبل بمعارضة الامام ورفضه. ومن خلال نهضته العاشورائية أوضح الامام الحسين بأنه من المحال أن ترضي شخصية تعتبر أسوة للاسلام المحمدي بهذا الذل، وأن تؤيد الاسلام المنحرف: (مثلي لايبايع مثله)
وتتجلى هذه المقابلة والمواجهة في أخلاقيات المعسكرين: أنصار الإمام الحسين، الذين رفضوا الاغراءات والمساومات، ووقفوا وقفة عز وفداء، دفاعاً عن الدين والمصلحة العامة، وفي الطرف الآخر: الجيش الأموي، الذين دفعتهم المطامع والمصالح لارتكاب أفظع الجرائم والآثام، وكانوا يتسابقون إلى المناصب والغنائم على حساب ضمائرهم ومبادئهم وأمتهم بدل ان تسوده القيم الاخلاقية الفاضلة والقيم النبيلة وتتحقق فيه العدالة والاخوة والحرية والمساواة وباقي القيم الانسانية التي تحفظ حقوق وكرامة الإنسان، لذا فأن ثورة الإمام الحسين عليه السلام، هي أعظم ثورة إصلاحية عرفها التاريخ البشري على سطح الكرة الأرضية لأنها أحيت المبادئ والقيم المقدسة في نفوس وعقول الأجيال المتعاقبة ، وأعطت الدروس المشرقة عن التضحية في سبيل القيم الإسلامية والإنسانية. وقد تأثر عظماء البشرية ومفكريها وسياسيها بشخصية الإمام الحسين عليه السلام وسيرته العطرة، لأنهم وجودوا في ثورة الإمام الحسين الرفض المطلق للظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعرقي والقبلي والمناطقي، ولمسوا في حركته التحررية الكرامة الإنسانية، والحرية الفكرية، والعدالة الاجتماعية، والتسامح الديني، والوفاء للقيم الإنسانية. التي تتجدد بشكل دائم مع حلول شهر محرم الحرام وايام عاشوراء،