19 ديسمبر، 2024 12:54 ص

الحسين بذرة الإصلاح وقانون التغيير

الحسين بذرة الإصلاح وقانون التغيير

كثيرة هي الشخصيات والأحداث التي حدثت على مر العصور،وبعضها غير مجرى التاريخ،وسجلها باحرفاً من ذهب، ولكن عظمة الطف ودهشة ما حصل فيها من أحداث أبطل كل تلك الحوادث،وأصبحت معركة الحسين ضد يزيد من أهم ركائز دين محمد(ص)،وأهم الثوابت التي استطاعت من إعادة بوصلة الدين إلى سيرته وقوته،واستطاعت دما الحسين يوم الطف عام 61 هـ من الدفاع عن بيضة الإسلام لتبقى عزيزة مصانة، والقارئ المنصف يجد الكثير من المحطات المهمة التي غيرت مجرى التاريخ بعد شهادة الإمام الحسين يوم العاشر من المحرم،فلم تبقى إمبراطورية يزيد غير أيام قلائل لتذهب مزبلة التاريخ ولعنة الناس أجمعين .
أن فلسفة كربلاء وطفها لايمكن اختزالها بشخوص آل أمية وقدرتهم على حسم المعركة لصالح كثرتهم،ولكن اللافت أن يوم العاشر أستطاع أبا عبدالله (ع) أن يغير سيناريو المعركة عموماً،فمعركة الطف لم تتغير ولكن كربلاء اليوم أصبحت قبلة ودرساً للأحرار في كل زمان ومكان،وأصبح قبر رجل تقطعت أوصاله وبقيت ثلاثة أيام في رمضاء كربلاء،لتحكي للأجيال قصة الظلم والاستبداد الأموي على مر العصور،والذي لم يرحم كبيراً ولا مريضا ولا امرأة أو طفل ، ولكن هذه العصابة حملت الحقد الأموي كله ،ولتعبر عن حقدها على العترة الطاهرة يوم الطف والتي أكد فيها يزيد بن معاوية هذا الكره والحقد الدفين بقوله :
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرم من ساداتكم وعدلنا ميل بدر فاعتدل
فأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تسل
لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحى نزل .
فهذا هو المروق من الدين وقول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله ولا يؤمن بالله ولا بما جاء من عند الله ثم من أغلظ ما انتهك وأعظم من سفكه دم الإمام الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله عليهم الصلاة والسلام مع موقعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل وشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة اجتراء على الله وكفرا بدينه وعداوة لرسوله ومجاهدة لعترته واستهانة بحرمته فكأنما يقتل به وبأهل بيته قوما من كفار أهل الترك والديلم لا يخاف من الله نقمة ولا يرقب منه سطوة فبتر الله عمره واجتث أصله وفرعه وسلبه ما تحت يده وأعد له من عذابه وعقوبته ما استحقه من الله بمعصيته .
لم يكن الإمام الحسين عليه السلام مجرد حدث مأساوي تعرض له إنسان برئ وشريف وعظيم الشأن نتيجة حماقة واستبداد وسوء السلطة الحاكمة، بل هو فكرة شعارها الحرية وهدفها السلام والكرامة للبشر في ظل حكومة عادلة لا بغي فيها ولا تجاوز على الحقوق والحريات ،وكانت هذه الفكرة ولا زالت حلم الفلاسفة، ولحن الشعراء والأدباء، وطموح بني البشر بصرف النظر عن أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم وتوجهاتهم الفكرية ، ولكن ليس كل البشر مستعدين للتضحية من اجل هذه الفكرة؛ لأسباب كثيرة أما جهلا أو طمعا أو خوفا… فأراد الحسين عليه السلام أن يضرب للناس مثلا، قل نظيره، في التضحية من اجل ما يؤمن به. فكان الموت في سبيل الحرية كرامة وسعادة، والعيش مع الظلم والعبودية برما وشقاء لا يقوى على تحمله الإنسان الحر.
نعم كان الحسين الإنسان حرا تماما وغير مستعد للتنازل عن حريته، لذا لم يستجب إلى الإغراء أو التهديد المنتج للعبودية والممهد للطغيان. ولأن الثورة الحسينية تحمل هذه الفكرة فلا يمكن أن تكون قد حققت أهدافها في ظل تاريخ طويل من العبودية والظلم في بلاد المسلمين وغيرهم، بل ومع وجود هذا الكم الهائل من العنف الذي نراه اليوم بين البشر اتجاه بعضهم البعض لأسباب مختلفة.