مع ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة ( 2014 ) في العراق بدأ التراشق والسجال بين الكتل الفائزة والخاسرة وكذلك بين صاحبة الاصوات الاكثر مع صاحبة الاصوات الاقل وحتى داخل الكتلة الواحدة بين من فاز منهم ومن فشل, وما يهمنا هنا هو الخسارة الكبيرة التي مني بها الحزب الشيوعي العراقي في عدم الحصول على اي كرسي في البرلمان القادم, رغم الحملة الانتخابية الكبيرة والمبكرة التي قادها الحزب ودعا جماهيره لها وفرغ العديد من الكوادر والرفاق لقيادتها وتوجيهها مع التركيز على مرشح الحزب الأول في بغداد جاسم الحلفي عضو المكتب السياسي للحزب وتسخير اكثر من 75% من الدعاية والتوجيه الحزبي له واهمال بقية مرشحي الحزب واعتمادهم على نشاطهم ومجهودهم الذاتي, وهنا كانت الطامة الكبرى وخيبة الامل والانكسار الحزبي، بعد ان فشل الحلفي على الوصول الى قمة البرلمان رغم كل هذا المجهود والتركيز, وبهذا اضاع الفرصة على بقية المرشحين الذين كان فوزهم ممكنا لو تم تسخير نصف الدعاية الانتخابية التي حظى بها الحلفي لهم، وهذه واحدة من الاخطاء الفاضحة والقاتلة التي ارتكبت وادت الى الفشل وما تبعه من احباط وتذمر وانكسار وخصوصا على مستوى القاعدة الحزبية بعد ان اعتاد القادة على تلك الاخفاقات ويتجاوزونها بالصمت لفترة قصيرة ثم معاودة النشاط الاعلامي للتبرير باي شكل كان والاستمرار في مواقعهم القيادية ومحاولة تحويل الهزيمة الى نصر، والقاعدة الحزبية على علم بان حتى العاهر حينما تسأل على انحدارها الى هذه المهنة فإنها تجد المبررات والحجج لذلك, وقد تكون اكثر اقناعا من حجج ومبررات السياسي المحنك فكيف الحال مع السياسيين من راكبي الموجة .
من الاسباب الاخرى التي ساهمت في فشل الشيوعيين العراقيين في الحصول على اي كرسي في البرلمان القادم هو اخفاقهم في مسالة التحالفات الانتخابية او ايجاد الحليف المناسب وبالتالي بدلا من ان تكون تلك التحالفات عونا لهم في رفع رصيدهم الشعبي والحصول على اكبر عدد ممكن من الاصوات لهم، تحولت تلك التحالفات وبالا عليهم وتمكن الحلفاء الجدد او الطارئين من حثالات العملية السياسية من استغلالها افضل استغلال واستثمار اسم الحزب الشيوعي وتاريخه النضالي الزاهر بالشهداء والمواقف المبدئية والوطنية الصارمة, ليكون لهم حصة الاسد من الاصوات, حيث اعتبرت كثير من الجماهير وخصوصا البسطاء منهم ان قائمة التيار المدني الديمقراطي هي قائمة الحزب الشيوعي العراقي والنسبة الاكبر منهم بعيدة كليا عن الحزب وبرنامجه, ولكنها اختارت قائمة الحزب كما تتصور كرد فعل مضاد للتيارات الدينية واخفاقها في الاداء الحكومي وخصوصا في جانب الأمن والخدمات ونصرة الفقراء والكادحين. وعلى كل حال فان قيادة الحزب لم تتعظ من تحالفاتها في الانتخابات السابقة ولعل ابرزها مع قائمة الدكتور اياد علاوي في انتخابات 2005 والتي فقدت على اثرها الكثير من ناسها وجماهيرها باعتبار علاوي من الحرس القومي في عام 1963 ولا تزال يديه ملطخة بدماء الشيوعيين، ومع هذا تحالفت قيادة الحزب الشيوعي معه، وبعد الانتخابات اختلفت معه وخرجت من القائمة, ولم تتعلم درسا من ذلك التحالف البائس وعادت في الانتخابات الاخيرة لتتحالف مع حثالات العملية السياسية في العراق من امثال مثال الالوسي العميل الاسرائيلي العلني والصريح وبشهادة الجميع وكذلك المهرج الكويتي فائق الشيخ علي, حيث تمكن هؤلاء من الوصول الى قبة البرلمان على اكتاف الشيوعيين وانصار اليسار العراقي, فمن له موقف ما مع الحزب او قيادته ( وما أكثرهم ) ولكنه لم يجد أصلح منهم في الانتخابات بناءا على اصوله وميوله الشيوعية انتخب قائمة التيار المدني الديمقراطي التزاما مع تلك الاصول ولكنه اعتدادا بنفسه وموقفه لم ينتخب مرشح الحزب الاول الحلفي فانتخب القائمة فقط او اي مرشح منها غير الحلفي والحديث هنا حول الانتخابات في محافظة بغداد فهي المحك الاساسي وصاحبة الثقل الراجح .
من الاوهام او الاحلام الوردية التي عول عليها قادة الحزب لتحسين موقفهم الانتخابي هي اعتماد طريقة سانت ليغو ( وان كانت النسخة المعدلة منها عراقيا ) لتوزيع المقاعد الانتخابية على الكتل المشاركة في الانتخابات دون اي عتبة انتخابية تستبعد الكتل التي لم تحصل على عدد معين من الاصوات من عملية التوزيع والتقسيم, وعموما هي طريقة ليست بالحديثة وجدت عالميا وطورت عدة نسخ منها لتمكن الكتل الصغيرة او صاحبة الاصوات الانتخابية القليلة نسبيا من دخول اصواتها في عملية التوزيع والتقسيم للمقاعد دون استبعادها او تهميشها مقدما قبل عملية التوزيع, عسى ان تحصل على مقعد انتخابي واحد وقد تستفاد منها الكتل الاكبر قليلا في رفع حصتها الى مقعدين, وبالتاي فهي مجرد طريقة استجدائيه تعتمد عليها الكتل الفقيرة والبائسة في محاولة الحصول على مقعد انتخابي او على الاقل ايهام واستغفال انصارها ومريديها البسطاء من انها تمكنت من منافسة الكتل الاكبر منها، فهل يعقل ان اقدم حزب في العراق يلجأ الى اسلوب الشحاذين للحصول على كرسي ( على الأقل كرسي واحد للحفاظ على ماء وجه القيادة، ان بقى منه شيء ) في البرلمان .
وبعد كل هذا تخرج علينا قيادة الحزب ومكتبه السياسي بجملة من التصريحات والبيانات في محاولة لتبرير تلك الخسارة الشنيعة بل وتحويلها الى فوز، وعلى طريقة المقبور صدام حسين حينما حاول تحويل هزيمته النكراء في ام المهالك بعد غزو الكويت الى نصر بائس بتحليلات جوفاء، على اساس ان القائمة قد فازت بخمس كراسي في البرلمان واي نصر للقائمة هو نصر للحزب، والادهى من هذا انسحاب احد الفائزين الخمسة من التحالف في مدينة البصرة من القائمة فور الاعلان الرسمي للنتائج من قبل مفوضية الانتخابات، ولابد ان نستذكر انه خلال فترة الدعاية الانتخابية اصدر التحالف بيانا يتخلى فيه عن قسم من تصريحات المرشح فائق الشيخ على باعتبارها لا تمثل رأي التحالف وهي تصريحات شخصية بعد ان اندفع فائق في تصريحاته الهوائية والبهلوانية وعلى طريقة خالف تعرف ويبدوا انها حققت المرجو منها مع شعب حائر في امره ويبحث عن التغيير حتى وان كان وهما. كل هذا ان دل على شيء فانه يدل على مدى تهالك هذا التحالف المبني على المصالح الذاتية بعيدا عن اي قاسم وطني ومبدئي مشترك للمتحالفين، وانما كل يحاول اكمال ما مفقود لديه على حساب الآخرين وبالتالي كان الخاسر الأكبر هو المناضل الشيوعي البسيط الذي سخر كل وقته وامكاناته لنصرة هذا التحالف ودعمه على امل الحصول على كم مقعد في البرلمان القادم، يتمكن من خلالها ذلك المناضل والكادح من التباهي بحزبه وتاريخه وامكانياته في الساحة السياسية العراقية، بعد ان عانى هذا المناضل على مدى اكثر من عقد من الاجابة على سؤال محير بالنسبة له عن سبب اخفاق حزب المسيرة المليونية ( اشارة الى مسيرة الاول من ايار 1959 في شارع الرشيد ) من تحقيق مقعد واحد في البرلمان، ولكن حتى هذا الحلم البسيط لم تستطيع القيادة المتهالكة على مصالحها الشخصية من تحقيقه لهذا المناضل، ليبقى يدور في دوامة من الحيرة بحثا عن بديل يساري مناسب لأنه لا يستطيع تغيير ثوبه الاحمر والذي أخذ بالتحول الى ألوان مقززة ومتقلبة تقلبا مع مزاج قيادة الحزب .
ختاما لابد من القول ان افضل تحالف مناسب للحزب الشيوعي العراقي هو التحالف مع نفسه، مع كل التيارات اليسارية والتنظيمات التي تحمل اسم الشيوعية واليسار في العراق لغرض لملمة الجسد اليساري في العراق بعد فسحة طويلة من التشرذم اليساري تتحمل مسؤوليته بالأساس قيادة الحزب الشيوعي العراقي المتمسكة بمقاعدها على حساب وحدة هذا اليسار، تحالف يجمع كل اليساريين والشيوعيين العراقيين وتحت اي لافتة وكذلك الشيوعيين الذين خارج التنظيم الحزبي الشيوعي ( جماعة طريق الشعب ) لسبب او اخر وينشطون يساريا دون اي تنظيم لالتزامهم بمبدأ : ( حزب شيوعي واحد في البلد الواحد )، بعد تنحي القيادة الحالية للحزب جانبا لفشلها الذريع في توجيه دفة الحزب بالشكل الصحيح وسحبه نحو المستنقع الانكلوأمريكي بعيدا عن القيم والثوابت الوطنية والشيوعية .
ولكن ( اسمعت لو ناديت حيا … ولكن لا حياة لمن تنادي ) .