18 ديسمبر، 2024 11:55 م

الحريّة لا تعني الفوضى

الحريّة لا تعني الفوضى

حريّة الانسان ضمن المجتمع حق من حقوقه وليستْ هبة أو هدية من أحد . ولكن المشكلة تتمثلُ في الفهم غير الصحيح لمعناها وفي تطبيقها التطبيق الذي يتقاطعُ مع حقوق الآخرين و يتجاوز على أخلاقيات وقيم المجتمع . فالفردُ محكومٌ بضوابط وقوانين وأنظمة ولابدّ أن يحترمها و يطبقها من أجل حماية نفسه والآخرين الذين يعيشون معه ، ولكي لا تتحولُ الحياة الى فوضى عارمة تضيعُ فيها الحقوق وتنعدمُ فيها الواجبات ، ويصبحُ المجتمع غابة يأكلُ فيها القويّ الضعيف . حتى حريّة الحديث والكلام لابدّ أن تخضعَ لهذا الانضباط الوجوبي وألاّ تكون مفتوحة بلا قيود . وعلينا أن نتخيلَ لوْ أن كلّ فردٍ في المجتمع ينطلقُ من الفهم الخاطئ لها ويتصرف كما يشاء ووفقاً لرغباته فقط دون التفكير بمن حوله ودون النظر الى قاعدة العيش المشترك ودون احترام البيئة التي يعيش فيها فماذا ستكون النتيجة ؟ الجوابُ واضحٌ جداً والجميعُ يعرفون النتيجة التي حتما ستلقي بمساوئها الكبيرة على ذلك الفرد وعليهم أيضا وفقاً لمنطق ( البودقة الواحدة ) . ومن هنا وددتُ أن أعرّجَ من هذه المقدمة المختصرة الى الواقع العراقي الذي نعيشه هذه الأيام . فللأسف الشديد نجدُ الكثير من أبناء مجتمعنا بمختلف ثقافاتهم ومستوياتهم ومواقعهم يوظفون الحريّة توظيفاً شاذاً لا ينتمي الى مفهومها الصحيح ولا الى أصولها الأساسية . وكأن الحريّة تعطيهم كامل الحق لفعل ما يروق لهم وما يحلو لهم بغض النظر عن الانعكاسات السلبية لهذا التصرف المشين على المجتمع بكامله وعلى البيئة بكاملها . والأمثلة على هذا الأمر كثيرة جداً ، والمشاهدُ اليومية خيرُ دليل على ذلك . فالمواطن الذي يقوم بتشييد أيّ بناءٍ خاصٍ بهِ خارجَ حدود الضوابط والتعليمات المعمول بها يجهلُ معنى الحريّة الحقيقي أو يتجاهلُ معناها ويُعتبرُ بديهياً ممن يدعون الى الفوضى ويعملون بها ، لأنه باختصار قد أساءَ الاساءة الكبيرة لخارطة البلد الحضارية . والذي ينشئ مشروعا انتاجياً – صغيراً أمْ كبيراً – دون الالتزام بإرشادات وتعليمات الجهات المختصة يعطي مثالاً واقعيا لمن يستغل الحريّة استغلالاً سيئاً ، ويكونُ بتصرفهِ هذا قد أساءَ للبيئة التي يعيش فيها هو والآخرون . والذي يقود سيارته بتهورٍ فهوَ يضعُ حريّته فوق أيّ اعتبارٍ ولا يحترمُ الشارعً ولا سلامة الآخرين . والذي يتهمّ البعض جزافاً وبلا أدلة ، وانما من باب الظن أو لتحقيق مآرب أخرى يكون قد خرج عن الفهم الصحيح للحريّة الشخصية وانضمّ الى قافلة الذئاب التي تستخدمُ عواءها من أجل النيل من الآخرين دون وجهة حق . والذين يطلقون العيارات النارية في المناسبات المفرحة أو المحزنة لا يعبرون التعبير الصحيح الأخلاقي عن حقهم باستخدام الحريّة الشخصية ، بلْ انهم يقتلون الحريّة بحماقاتهم ويعرضون أبناء المجتمع لمخاطر قد تؤدي الى الموت . فالحريّة اذن ليست كما يظنها البعض مفتوحة بلا ضوابط وبلا قيود ، وأيّ مجتمعٍ لا يحترمُ القوانين ولا يعملُ بها سيتحول الى مجتمعٍ فوضوي تنعدمُ فيه سماتُ الحضارة الانسانية والقيم الأخلاقية ويصبحُ مجتمعاً همجياً مُعرضاً للزوال عند هبوب أول عاصفة عليه .