18 ديسمبر، 2024 10:15 م

الحريم في أعين المستعمر(2)

الحريم في أعين المستعمر(2)

ليس هناك أي نموذج أكثر وضوحا صادما من منظور الرجل الأشقر القادم من أوروبا لضم بلدان الشرق وشعوبه، أكثر من نموذج قصة الجنرال نابليون بونابرت Bonaparte واستغلاله لجسد شابة مصرية اسمها “زينب البكرية”، إذ إنها لبت رغباته الجسدية ـ ليس بهدف ممارسة الجنرال سلطة الرجل على المرأة (كما كانت عليه الحال في الشرق حقبة ذاك)، وإنما كذلك لأن هوان واستكانة وتلبية زينب لكافة رغباته الجسدية قد رمزت لرغبتين دفينتين في نفس هذا الفاتح الفرنسي، وهما: (1) مثّل وجود زينب على سريره خنوع دولة شرقية عظيمة ورضوخها لإرادته الامبراطورية؛ و(2) جسدت زينب إناءً لإفراغ كوامن الرغبات الجسدية على طريق “الانتقام” أو التعويض، ربما تعويضا للجنرال عن غياب المرأة (معشوقته جوزفين) التي كان يرنو إليها من القاهرة بحق، مع أنها كانت القابعة هناك بعيدا في باريس. ثمة رسائل كان يخطها الامبراطور الشاب على سني أوج جبروته على بشرة زينب السمراء والملساء، ولكنها كانت رسائل موجهة إلى باريس، علّ جوزفين تدرك اشتياقاته ورغباته إليها. ودلالة ذلك هي أن إفراغ شحنة الرغبة الجسدية الساخنة في القاهرة مثّلت تعويضا عما قاساه العاشق سابقا من حرمات وتنائي في باريس: لذا كان الشرق العربي الإسلامي يلبي رغبة الرجل الغربي في التعويض عما فاته أو عما لم يحصل عليه في موطنه!
ومع استجابة زينب المسكينة لأكثر رغباته بريّة وتوحشا، إلا أنها بقيت في نظر الجنرال المستعمر، القادم من أوروبا أدنى بكثير مما كانت تستحقه، خليلة أو عاشقة. لقد برر شعوره العلوي بدونية زينب خذلانه لها في نهاية المطاف، أي عندما غادر مصر، تاركا خليلته ضحية لقوانين “غسل العار” المحلية السائدة في المجتمع الذي وجدت زينب فيه نفسها (لسوء طالعها): بلا حول ولا قوة, إذ لا يعرف أحد (بدقة) كيف استجاب هذا الضابط الفرنسي البارز لأنباء قتل والد زينب لها، غسلا للعار، “جريمة شرف”! لا أخاله قد لاحظ الخبر أو قد أسف على تغييب الشابة التي منحته ما لا حدود له من اللذات والمتع الجسدية في وقت حاجته الماسة إليها بعيدا عن جوزفين. وهذا هو ديدن المستعمر ليس مع النسوة في أصقاع الشرق وحسب، بل كذلك مع كامل بلدان تلك الأصقاع والأقاليم، منابع للثروات وفرصا للاستثمار!
ودليل ما نذهب إليه في أعلاه وهو أن الجنرال الفرنسي راح يشتكي من رائحة جسد الشابة المصرية غير المحببة إليه، ربما لتبرير التخلي عنها لخناجر أهلها من أجل غسل العار، أو ربما لتمرير تخليه عنها أمام ضباطه الأحداث ومستشاريه الذين جلبهم جيوشا لدراسة مصر، إنسانا وطبيعة، تاريخا واقتصادا.