22 ديسمبر، 2024 8:09 م

الحرية: هي النعمة الكبرى الأولى، والعظمى، التي أنعمها الله تعالى على عباده جميعاً حين ولادتهم.
فجميع الكائنات البشرية التي خرجت من بطون أمهاتها، خرجت وهي تنعم بالحرية الكاملة، حيث لا سلطان لأي قوة على وجه الأرض أن تستعبدها.
ويؤكد هذه الحقيقة! قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، لعمرو بن العاص رضي الله عنهما (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً).
ثم بعد ذلك! إما أن يبقوا أحراراً ينعمون بفضائلها، ومنافعها، أو يتحولوا إلى العبودية، فيرزحون تحت نيرها، ويتقرنون في أصفادها، وتطوقهم أغلالها وقيودها.

ما هي الحرية؟

هناك تعريفات كثيرة وعديدة للحرية، قديمة، وحديثة، وفلسفية، واجتماعية، وعلمية، ولغوية.
ولكن التعريف الصحيح، والسليم، والموافق لشرع الله تعالى، ولدين الإسلام هو:
الدينونة، والعبودية، والخضوع، والاستسلام الكلي لله تعالى، والانعتاق من رق العبودية لما سواه، والتحرر من العبودية للشهوات، والأهواء. والخلوص في العبادة لله وحده، والتحرر من الخضوع، والخنوع، للطواغيت، ولمكائد الشيطان، والقدرة على العمل، والحركة، والتصرف بإرادة ذاتية مستقلة، دون الخضوع لأي مؤثر خارجي.
ويعزز هذا التعريف بشكل جلي، ويزيده وضوحاً، ما ورد على لسان امرأة عمران أم مريم، التي نذرت ما في بطنها، خالصاً لله تعالى ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ آل عمران 35. أي عتيقاً، خالصاً لعبادة الله تعالى.

ومن هم الأحرار؟

الأحرار الحقيقيون: هم الذين يخضعون لله تعالى، ويدينون له بالعبودية الخالصة، والطاعة المطلقة، ويتبرؤون من الشرك، ويتعالون على الشهوات، والأهواء، والنزوات، ويتسامون على متطلبات الغرائز الفوضوية، ويرفضون الخضوع لما تمليه عليهم الأنظمة العلمانية، الشركية، الكفرية، الطاغوتية. ويتمردون على تعليماتها، وسياساتها المضادة، والمعاكسة لشرع الله تعالى، ويجابهونها بقوة، وعزيمة صلبة، لا تلين. ويثورون عليها، ويرفضون الخنوع لها، ولقوانينها التعسفية، الظالمة، المناقضة للفطرة.
ويدعون بكل قوة، إلى الانقلاب عليها، ويحرضون على محاربتها، واجتثاث جذورها، واستئصال شأفتها، وتحطيم كيانها، وتدمير هياكلها وبنيانها من القواعد.
وقد بين الله تعالى، مواصفاتهم في كتابه الكريم فقال: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) الزمر 18.
هؤلاء الأحرار! هم أولو الألباب، وأولو العقول الراجحة، الواعية، المتفتحة، الذين لا يتوجهون بالعبادة والطاعة إلا لله رب العالمين، وينبذون طاعة الحكام الطغاة، الجبابرة، المتسلطين على رقاب الناس بقوة السلاح.
وقد جاءت دعوة الرسل جميعاً لأقوامهم، واضحة، جلية، بينة، لا لبس فيها، ولا غموض. وفيها أمر صريح، وحازم، على وجوب عبادة الله وحده، ونهي جازم، ومحدد، مع نبذ، ورفض، واجتناب الطاغوت (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) النحل 36. والذي يعني في المفهوم الإسلامي! كل معبود دون الله. كما فسره القرطبي (أَيِ اتْرُكُوا كُلَّ مَعْبُودٍ دُونَ اللَّهِ، كَالشَّيْطَانِ، وَالْكَاهِنِ، وَالصَّنَمِ، وَكُلَّ مَنْ دَعَا إِلَى الضَّلَالِ).

ومن هم العبيد؟

هم الذين لا يلتزمون بهذا التعريف، ويسيرون في طريق الشهوات، فيعبون منها ما يريدون، وما يرضي أهواءهم. ويتمتعون، ويتلذذون حسبما تطلبه، وتريده غرائزهم المتنوعة، بشكل عشوائي، وفوضوي، دون الالتزام بأية ضوابط دينية، ولا التقيد بأخلاق إنسانية.
وهم الذين يخضعون للتقاليد والعادات البالية، وينطلقون في تصرفاتهم، وسلوكهم، وتعاملهم مع الآخرين، وفق أهوائهم، واستجابة لما يزينه لهم الشيطان المريد، ضاربين عرض الحائط ، تعليمات القرآن، ومستهينين بأوامر الله تعالى ونواهيه.
فأولئك! ليسوا بالأحرار، وإن زعموا أنهم أحرارٌ، ورفعوا لافتات تمجد الحرية، ورددوا شعاراتها، وصدحوا بأصواتهم يتغنون بأغانيها، وأناشيدها.
فهم يقولون ما لا يفعلون، ويتظاهرون أنهم أحرارٌ في الصورة، والشكل، والهيئة. ولكنهم في الحقيقة هم عبيدٌ، لما يخضعون له.

ومن أبجديات الحرية، والأحرار

أن يسمح الأحرار! الذين يتولون أي مناصب قيادية – سواءً كانت مناصب كبيرة أو صغيرة، أو مناصب حقيقية أو افتراضية مثل إدارة مجموعة على الفيسبوك – لكل الناس، على اختلاف مشاربهم، وعقائدهم، وأفكارهم.. بإبداء رأيهم، والتعبير عن أفكارهم.. بحرية كاملة، بدون مراقبة، ولا تجسس، ولا استخدام الطريقة الاستخباراتية المذلة، والمهينة للناس. بشرط ألا يتعدوا الخطوط الحمراء الثلاث..
وهي: التهجم على الذات الإلهية، وعلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى الإسلام..
ما عدا هذه الحواجز الثلاث.. يجب أن يقول الناس ما يريدون.. فمن يعيق، ويحظر على الناس إبداء رأيهم..
فأولئك ليسوا بالأحرار.. ولا يعرفون معنى الحرية، ولم يتذوقوا طعمها..
إنهم يقلدون الطغاة في قمع الحرية، والتضييق على الأحرار في نشر أفكارهم، ويتلذذون، ويستمتعون بإذلال الناس عن طريق استخدام الاستخبارات الأمنية في تمرير المنشور أو المقال … أو عدم تمريره، بعد انتظار لساعات طويلة أو أيام طويلة…
لا يجوز في مذهب الحرية.. استخدام هذه الأساليب الاستخباراتية الرقيعة، المهينة، المذلة، في تقييد حرية الناس، بحجج، وذرائع واهية لا يقبلها العقل.. ولا الخُلق الكريم.. بل لا يقبلها الإسلام ابتداءً..
فمثلاً يحتجون: أنه قد يدخل على الخط ، الشبيحة.. أو أراذل الناس، أو أذناب الطغاة!!!
وماذا على الأحرار إذا دخلوا، وعبروا عن آرائهم، وأفكارهم، ولو كانت ضالة، وفاسدة، ومنحرفة؟! ماذا يضيرهم؟!
فليدخلوا.. وليقولوا ما يشاؤون، أليسوا بشراً؟! ماذا في ذلك؟.
فالذي يخاف من الحرية ليس حراً.. لأن الفكرة يجب أن تناطح، وتصارع، وتدحض الفكرة..
والرشاش يصارع الرشاش…
وأما استخدام الرشاش أو القمع، أو الحظر في مصارعة الفكرة.. فذلك هو الخطأ الفاحش، بل هو الطغيان، والاستبداد، والتعسف، والضلال المبين…
وتأبي نفوس الأحرار الأبية، الشامخة.. أن تفعل ذلك أبداً..
فالذين يشرفون على إدارة مجموعة افتراضية على الفيسبوك، ويظنون أنهم قد ملكوا الدنيا، فيعملون على التحكم في نشر المقالات، حسب أهوائهم، ومزاجهم، ويُذلون الناس بالانتظار في التعبير عن آرائهم وأفكارهم.
علماً بأن هذه المجموعة، قد تُلغى في أية لحظة، وتزول من الوجود والشهود بأي سبب من الأسباب.
فهم لا يملكون شيئاً حقيقياً، وإنما هم يملكون شيئاً وهمياً، معرض للتحطيم والاندثار في أي لحظة.
فعلام يفرحون بهذه الملكية الوهمية المؤقتة، ويفرضون سلطانهم على الناس؟!
فهؤلاء ليسوا بالأحرار قطعاً ويقيناً.
إذ أن الطغيان، والاستبداد، والديكتاتورية تسري في دمائهم، كما تسري في دماء الطغاة، وهذه عبودية للغرائز الدنية، السفلية، لم يتحرروا منها بعد، بالرغم من أنهم يزعمون، ويتشدقون، ويتبجحون بأنهم أحرار، وأنهم ثاروا على الطغاة.