الضربة الاستباقية في الحروب كما هو معروف تشل قدرات العدو قبل بدء المعركة وقد وصفها اغلب القادة العسكرين بانها تحقق نصف النصر لما لها من تأثير على قدرات العدو وخصوصاً حينما يحصل تدمير كبير لقوات الطرف المقابل، كما حصل في حرب 1967 حينما ضربت اسرائيل اغلب المطارات العسكرية المصرية وادت الى شل او تحييد الطيران المصري مما جعل القوات البرية بدون غطاء جوي ومعروف كيف ادى ذلك الى حسم المعركة لصالح الكيان الصهيوني .. بينما نحن اليوم نعيش نوعين من الحروب النوع الاول بين دول او بين طرفين احدهما معتدي ومحتل لاراضي الطرف الاخر كما هي الحروب بين العرب واسرائيل، والتي تحول مسارها الى حرب بين مصر إسرائيل، ومن ثم صراع فلسطيني إسرائيلي الى ان وصل الحال الى صراع بين حماس والجهاد الاسلامي من جهة واسرائيل من جهة اخرى .. هكذا تم تحجيم الصراع العربي الاسرائيلي الى ان احتوت ايران حماس والجهاد وحولت الصراع من معركة قومية الى معركة طائفية واثنية دينية أفقدت القضية الفلسطينية بعدها السياسي والتاريخي وأدخلت المنطقة في صراعات مذهبية ادت الى تجزئة المقاومة الفلسطينة الى فصائل عقائدية حتى بات البعض منها اكثر ولاء لايران من فلسطين .. وبذلك تفاوتت القوة بين العرب والاسرائيل وغابت كلمة الحرب واصبحت مناوشات لا تغني ولا تسمن جوع يدفع ثمنها المواطنيين الامنيين، مما يعني ان تلك المناوشات لم تحسم الحرب لصالح من يبدأ الحرب وفق نظرية الضربة الاستباقية نظراً لاختلاف موازين القوى، بل اصبح البادئ في الضربات هو الخاسر الاكبر لان الضحايا بالدرجة الاولى من المدنيين لهذا يمكن تسمية هكذا حروب بالحروب العبثية التي تحركها العواطف لما يصاحبها من مزايدات اعلامية على حساب الواقع وما ينتج عن هذا الواقع من خسائر غير متكافئة سواء بين المدنيين واغلبهم من الشيوخ والنساء والاطفال او في البنى التحتية والمنشات المدنية والمباني السكنية التي تتكبدها غزة كل مرة من جراء رد الفعل الوحشي الاسرائيلي، وهناك من يروج اعلامياً بانه كسب الحرب مجرد ان صواريخه دكت اراضي العدو، دون مبالات لما يحصل في الميدان من دمار، أكيد لا احد من ابناء غزة يريد هذا النصر على حساب دماء الناس الابرياء وقادة الخط الاول للمقاومة وعوائلهم وأبنائهم اما في قطر او في بقاع اخرى من العالم .. هذة الحقيقة التي تتعرض لها غزة الصابرة ولكن هذا لايعني بأنها دعوة لكسر المعنويات والتسليم للكيان الصهيوني لانه الاقوى لكونه ماسك الارض وبيده السلاح الفتاك وانما مستلزمات القوة لا تنبع من عنجهية كلامية ولا مهاترات اعلامية ولا مزايدات تجارية بل الاولى وحدة الصف الفلسطيني وتوحيد كلمة الفصائل الفلسطينية بعيداً عن الولاءات الاقليمية والمصالح الشخصية ليتسنى تحديد اساليب المواجهة وفق البعد القومي للصراع .. اما النوع الثاني من الحروب الذي يتمثل في حروب الاخوة الاعداء حيث كثر هذا النوع من الحروب في منطقتنا العربية كما هو الحال في سوريا ولبنان وليبيا واليمن وجميعها حروب ناتجة اما عن تحريض قوى اجنبية او مشاحنات طائفية او صراعات على السلطة كما يحصل اليوم في السودان، وبمثل هكذا صراعات تفتح الباب للتدخلات الاجنبية من خلال المبادرات الدولية والوساطات الاقليمية التي تنتهي اما بتقسيم الوطن او تفاهمات على تقاسم السلطة بين الاطراف المتنازعة التي سببت اضعاف الوطن وازهاق ارواح الالاف من الناس واهدار المليارات من الدولارات ودمار مدن وتشريد شعوب .. بمعنى مثل هكذا حروب لا تعدو سوى صراعات من قبل أناس ارتضت ضمائرهم ان يخربوا اوطانهم لمجرد ان بيدهم مكامن القوة والسلاح وشاء القدر ان يكونوا قادة عسكرين يتحكموا بقطاعات عسكرية يحركونها حسب اهوائهم بدعم من هذا الطرف او ذاك لان هذا النوع من المتصارعين لا يعدو سوى ثيران يراهن عليهم المقامرون ويمدونهم بالمال والسلاح ثم يطالبوهم في استراحة محارب بعقد هدنة او إرضائهم بتقاسم السلطة بعد رهن اوطانهم للاجندات الاجنبية .. وهنا لابد من التسائل الى متى يستمر هذا الحال لتكون الشعوب محرقة والاوطان ممزقة من اجل قادة جاء بهم القدر في غفلة من الزمن ليتحكموا بمصائر دولهم وشعوبهم في سبيل مصالحهم الشخصية ويشعلوا الصراعات للاستحواذ على السلطة والمال والنفوذ في حروب عبثية ليس من ورائها الا العار والدمار .