9 أبريل، 2024 3:26 ص
Search
Close this search box.

الحرمان النفسي وسيكولوجية العقوق.. ارتباطية طردية ونتائج مدمرة

Facebook
Twitter
LinkedIn

ما ان دخل ربيعة الرابع عشر، اذ كنت انتظر ان تينع ثماره واجني حلاله، حتى حل الخريف فجأة، فخطف ازهاري قبل ان اقطفها، تساقطت امالي وريقات مصفرة، بعثرتها رياح الخيبة، بعد طول امل سقياه من حر الجوى.
كلمات لربما لن تصف حجم الالم ولن تعبر عن حرقة الفؤاد، معاناة لم تنتهي اسبابها بين الوراثية والاجتماعية والتربوية، ام محمد مع الاف الامهات يتشاركن القصة نفسها ” بعد ستة عشرة عاما من الزواج خلصنا الى الانفصال، وكانت المصيبة ان هناك ثمار لتلك الاسرة الفاشلة، كرّست بقية عمري لتربيتهما، بيْد أني لاحظت أن ابني الكبير الذي بلغ عامه الرابع عشر يشبه والده كثيراً في أخلاقه، فهو كان يرى والده دائماً وهو ينهرني ويضربني”.
الحرمان النفسي
خلص علماء النفس والاجتماع الى ان التصرفات العدوانية من الاولاد تجاه الاباء بانها نتيجة لاسباب عدة قد تأتي مجتمعة او متفرقة، واحد من اخطر الاسباب الحرمان النفسي للاولاد، وان العلاقة طردية بينه وبين ممارسات الأبناء لسلوك عقوق الوالدين.
دراسة اجرتها جمعية المودة والازدهار مع مجموعة من الباحثين في الشأن الاسري، على عينة من المراهقين بلغ عددهم 67 صبي تراوحت أعمارهم ما بين 13و17عاماً، 43 منهم من المتسربين دراسياً، و24 من المنتظمين بالمدارس الحكومية بالمرحلة الثانوية، وتبين من خلالها وجود علاقة ارتباط وثيقة بين الحرمان النفسي الوالدي وممارسات عقوق الوالدين، وكشفت عن وجود تباين في النتائج الإحصائية بين المنتظمين دراسيا والمتسربين.
إن إعداد جيل قادر على تحمل المسؤولية وتفهم متطلبات المستقبل وما يتطلبه من جهد وفكر في سبيل رفاهية المجتمع لن يأتي إلا من خلال إنسان سليم بدنياً ونفسياً واجتماعياً، بينت ذلك المرشدة الاجتماعية ايمان التميمي واضافت ” من هنا يتأكد أن التعرض للحرمان من الوالدين يفقد كل المميزات التي يكتسبها الطفل الذي ينشأ في جو أسري طبيعي، اذ يجد الاول نفسه وحيداً في مواجهة صعوبات الحياة، فينتج عن ذلك العديد من المشكلات السلوكية، خاصةً عندما يتحول الطفل إلى مراهق، وما يعتري تلك المرحلة من انفعالات قد لا يمكن التحكم فيها .”
الضروريات الخمس
تحدثنا للقضاء عما اذا كانت هناك قرارات قضائية من شأنها الحفاظ على حقوق الابوين في ظل العنف الموجه لهم من الاولاد، اكد المختصون فيه انه في حال المساس المباشر بإحدى الضروريات الخمس: (الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال)، تعد من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف”، واوضحوا أن “طبيعها هي التعدي على حقوق المواطنين، وهي متجددة بتجدد العصر وتقنياته، وتطور فنون الإجرام”.
ومما لاشك فيه ان القيم الانسانية هي التي تسير الانسان وتصلح من تصرفاته، فان العقوق هو عاهة نفسية ذات عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، واذا ما اصبح الفعل ظاهرة يجب تدخل القانون في ردعه خدمة للصالح العام، الى ذلك لفت اصحاب الاختصاص القانوني بالقول: ” ان الاعتداء على الابوين ينذر بأن المعتدي عليهما لن يقيم حقاً لسواهما، فإذا كانت علاقة البنوة ووشيجة المحبة لم تمنع الولد من الاعتداء على والده، فإن هذا مؤشر قوي لا يمكن تجاهله على تأصل مادة الشر في نفسه، واستعداده لأن يعتدي على الناس، ويخرب الممتلكات ويهتك الأعراض ويهدد الآمنين”.
سايكولوجيا العقوق
تكمل ام محمد قصتها قائلة: “كان والده يوغر في نفسه الصفات السيئة، من خلال اسلوبه معي، الا انني لم اكن اعلم بالامر حينها، إلى أن جاء الوقت الذي بدأت أسمع من ابني نفس العبارات التي كان يشتمني بها والده، وأصبح يقول لي عندما أُحدّثه في أي موضوع “يا ابنة الخبيثة ويا أم الدواهي”، ويرفع صوته عليّ، وبِت لا أملك سوى البكاء والتحسر… فلذة كبدي الذي طالما خدمته عمري كله، يرفض مساعدتي وخدمتي في أي شيء”.

وتتذكر الام الثكلى باخلاق ابنها حادثة يندى لها الجبين “في إحدى المرات قام بدفعي حتى سقطت على ظهري لمجرد أن سألته عن سبب عودته في وقت متأخر من الليل، وبسبب تلك الضربة حدث لي انزلاق حاد ولزمت الفراش لثلاثة اشهر بعدها، بين اوجاع الجسد والم القلب، وصل بي الحال ان أدعو الله أن يأخذه أو يأخذني حتى أستريح من العذاب الذي يسببه لي يومياً”.
الدكتورة نادية نصير اختصاص في علم الاجتماع بينت ان ” سايكولوجية العقوق لدى الاولاد هي رد فعل للنقص الحاصل في الرغبات العاطفية والاهتمام في الصغر، اذ ان أساس الصحة النفسية قائم على ما تمنحه الأسرة من إشباع لحاجات الطفل والمراهق من حب وعاطفة وحماية، ولتحقيق النمو السليم للفرد ينبغي توافر مجموعة من المقومات النفسية والاجتماعية والمعرفية، وبشكل خاص العلاقات الانسانية السليمة”.
واوضحت ان ” تلك الاواصر تتكون بين الفرد ومحيطه، ولا سيما الأبوين، إذ إن النقص في هذا الجانب سيعوق نموه النفسي والجسمي والعقلي، كما أن النشأة في ظل أسرة غير مكتملة يجعله عرضةً للشعور بالقلق وعدم الاكتفاء والرغبة في اشباع هذه الحاجة تقوده الى مراهقة عنيفة جدا على مستوى الاسرة والمدرسة والمجتمع.
كما ان سيكون دائم الشعور بعدم الانتماء للوسط الذي يعيش فيه، احساس بالاستحقار والنبذ، وهذه أحاسيس تبدأ بالتضخم والاستفحال ، وتؤثر في سلوكه وتصرفاته ومواقفه تجاه نفسه وتجاه الاخرين وهنا تبدأ سلوكيات العقوق ونكران الجميل”.
اضطراب الاستيعاب
د. حسام أحمد أبو سيف باحث في الشؤون الاجتماعية، عضو المجلس الأعلى للجامعات / مصر بين ان “العقوق يكون اما يكون ظاهرة اجرائية اي فعل يقع كالضرب والاهانة والتسبب في التشرد للابوين، او يكون وجدانيا اخلاقيا، في الوقت الذي تؤكد فيه نظرية التعلق أن الأسرة هي المصدر الرئيس لتنمية الحب والاستقرار والأمان للأبناء، كما قد تكون مصدرا ًينمي لديهم الاضطرابات في المستقبل، ويؤدي سوء التنشئة إلى فقدان الانتماء للأب كمصدر للسلطة أو الأم كمصدر عن الإشباع العاطفي”.
ويرى ان “أحد أسباب الاضطرابات التي تظهر في المراهقة والرشد، اذ يعاني الفرد من صعوبة في التفكير المجرد بسبب سيطرة الذات على الواقع، كما أن النمط الوالدي السلبي والبيئة السلبية لا يمنحان الحب، كما أن العلاقات العائلية المضطربة تؤدي إلى ظهور اضطرابات الشخصية،
وأوضح ابو سيف ان “بعض المضطربين بالشخصية والديهم كانوا أكثر تحكماً وأقل اهتماماً مقارنةً بغير المضطربين، كما وصف القائمين على تربيتهم بالقسوة وفقدان العاطفة والمشاعر”.
واشار الى “وجود علاقة دالة طردية بين الحرمان النفسي الوالدي وممارسات عقوق الوالدين اذ أن المراهقين فاقدي حنان وعطف الوالدين يصابون بما يسمى “اضطراب الاستيعاب”، يصل بهم إلى فعل أي شيء لتهدئة عواطفهم ومشاعرهم، والتحكم في سلوكياتهم، وهو اضطراب يشبه ما بعد الصدمة، ومن وجهة نظري أن الحرمان النفسي من منهما صدمة وفجيعة لا يمكن تحملها خاصةً من المراهق.”
نتائج مدمرة
ويؤكد ابو سيف “ولنعلم أنه كلما زاد مستوى الإيذاء والحرمان النفسي زاد مستوى الانحراف السلوكي للطفل في كبره (مراهقاً)، فيتجه نحو الإدمان والسرقة والشذوذ وغيرها، بالإضافة الى اضطرابات أخرى يمكن أن تظهر، مثل القلق، والتوتر، والوسواس القهري، ربما تقود الى كارثة إنسانية”.
وهنا يرسل ابو سيف رسالةً مهمة للاهل مفادها “على الوالدين الرجوع إلى مجموعة من الأساليب التي توثق الألفة بينهم وبين أبنائهم، وتنشر المحبة في البيت، منها العدل بين الأبناء، تقبيل الأبناء (أطفالاً ) وحضنهم والاقتراب الجسدي منهم، الاعتدال في العقوبة، الاعتدال في الإنفاق، الحنان الأسري والإشباع العاطفي، فتح باب الحوار وخاصةً مع المراهقين من أبنائنا، الإجابة عن استفساراتهم بكل تعقل وشمول، احترام مشاعرهم في كل مراحلهم العمرية، التقرب منهم والتودد إليهم وملاطفتهم واللعب معهم، احترام علاقاتهم وصداقاتهم وتوجيههم، الابتعاد عن الاستخفاف والاستهزاء بهم وتحقيرهم حتى نضمن الحصول على شباب متزن فكريا ونفسيا وجسديا، دون الوقوع في مأزق الصراع في التعامل مع المراهقين.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب