22 ديسمبر، 2024 7:00 م

الحرب والسلام فصل العقوبات

الحرب والسلام فصل العقوبات

في قصر فرساي، يتهيأ رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي (حلفاء أوكرانيا) لاتخاذ قرار مساء اليوم (الخميس 10 آذار/مارس 2022) أو يوم غد (الجمعة)، لتحديد عيار، أو ”درجة قوة”، العقوبات التي سيتم تطبيقها على روسيا.

في الواقع ستعمل قمة اليوم، التي وصفتها الرئاسة الفرنسية بأنها ”قمة اليقظة الأوروبية، قمة السيادة الأوروبية”، على إرساء أسس أوروبا ذات سيادة أكبر بعد صدمة الغزو الروسي لأوكرانيا الذي كشف نقاط ضعف التكتل الأوربي، بما في ذلك نقص القدرات العسكرية الأوروبية.

تصف وسائل الإعلام أن العقوبات التي ستُعلن من فرساي في شرق باريس ويتم تطبيقها في الأشهر المقبلة، ستكون أكبر تجربة سياسية – إقتصادية في فرض العقوبات في العالم على الإطلاق.

قبل ساعات من بدء قمة فرساي المقررة مساء اليوم، ظهرت أحاديث غير رسمية واضحة عن إعادة روسيا 50 عامًا إلى الوراء، وأن الضرر الذي سيلحق روسيا والروس سيكون غير مسبوق. لتبرير هذه القسوة في العقوبات، تقول بعض وسائل الإعلام، إنه لا يُمكن مقارنة الضرر الذي ستتعرض له روسيا جراء العقوبات بالدمار الذي سيلحق بأوكرانيا، إذا أصر، فلاديمير بوتين، على مواصلة الحرب.

الآن، أمام الدول الغربية، التي إختارت الرد على الهجمات العسكرية الروسية من خلال الوسائل الاقتصادية والمالية بالكامل تقريبًا، قراران معقدان: متى يتم توسيع نطاق العقوبات، ومتى يتم تقليصها.

ما يتعلق بالتصعيد، فإن إلحاق فوضى كبيرة في صادرات النفط والغاز الروسية لا يزال، حتى الآن، ”خط أحمر” لن يتخطاه الغرب في هذه المرحلة، أو، على الأقل، ليس قبل تأمين إحتياجات المجتمعين في فرساي من الطاقة، وإلَّا فإن الغربيين ”سيعاقبون أنفسهم”.

في المقابل، يتزايد مؤيدو الحظر على النفط الروسي، حتى أن رئيس الوزراء الإيطالي/رئيس المفوضية الأوربية سابقًا، ماريو دراكي، صرح اليوم أن بلاده يمكن أن تستغني عن واردات الطاقة الروسية. أما وزير الإقتصاد الفرنسي، لو مَير، فهو أكثر إندفاعا نحو تشديد العقوبات، حسب مقابلة له في التلفزيون اليوم.

في الطرف الآخر من المعادلة، هناك مَن يرى أنه ليس من المرجح أن يؤدي تصعيد العقوبات إلى إضعاف تصميم بوتين على ”قلب أوكرانيا رأسًا على عقب”. يقول هؤلاء، أن الوقت ما زال طويلًا لتصعيد العقوبات على الطاقة، إذ أن النظام الجديد، الذي سينصبه بوتين في كييف والذي سيتخلى عن عضوية الناتو، سيظل محتاجًا إلى قوات روسية لحمايته من الاضطرابات الداخلية المستمرة، وهو سبب كافٍ لمواصلة العقوبات وتشديدها.

رأي آخر يقول، إن العقوبات غير الكاملة قد تكون أفضل طريقة للحصول على تنازلات روسية لصالح أوكرانيا عن طريق التفاوض بشأنها مع موسكو قبل تصعيدها، وهو أمر مُتاح في وقت لاحق. بمعنى، يمكن للعقوبات التي فشلت في تجنب الحرب أن تلعب دورًا أهم في عملية تطبيق السلام، كإبقاء الحكومة الأوكرانية الحالية بطريقة ما في مكانها. مؤيدو العقوبات الشديدة يرون يقولون، هو أمر يبدو اليوم خياليًا.

أما على الجانب الروسي، فغير مفهوم حتى الآن موقف، بوتين، إزاء الخطط الغربية هذه، فهو يُسابق الزمن في عملياته العسكرية المتصاعدة. في النظرة المحايدة، يبدو، بوتين، وكأن ما يقوم به الغرب لا يخص روسيا، والأمر لا يتعلق بآفاق النمو والإزدهار في بلاده.

الرؤية الأكثر ترجيحًا هو أن تحاول روسيا السيطرة على أوكرانيا لفترة طويلة جدًا، وأن تستمر العقوبات، ليدخل الإقتصاد الروسي، بعد الانخفاض السريع في قيمة العملة والتخلف عن سداد الديون المحتمل، في دوامة حلزونية هبوطية. هذا الوضع سيجر إلى انهيار البنية التحتية الحيوية بسبب نقص قطع الغيار، وانهيار الرعاية الصحية بسبب نقص المعدات الطبية.

الحلقة الأضعف الآن في الصمود الروسي هو الاستنزاف السريع للروبل. إذا استمر الأمر كذلك، وهو مرجح، فستتحول العملة الروسية من كونها مخزنًا إحتياطيًا ذا قيمة، إلى مجرد ”وحدة حساب خاصة”. أي أن يتم مستقبلًا حساب القيمة الاقتصادية للمدفوعات الروسية عن طريق المقايضة بالسلع وليس الروبل. بمعنى آخر، العودة إلى شكل من أشكال العملة المتداولة في العصور القديمة، مثل حساب قيمة لحم البقر أو القمح أو الذرة أو المعادن التي يمكن أن تقدمها روسيا لتسديد مدفوعاتها.

في هذا الجو الكئيب، ستكون هناك مقايضة أخرى لتخفيف العقوبات بوصول روسيا الثمين إلى قطع الغيار، والسماح بدخول المجال الجوي الأوروبي مرة أخرى مقابل انسحاب القوات، أو إعادة الإعمار أو ضمان إستقلال سياسي كامل لأوكرانيا. هذه التنازلات ستتكيف مع الوضع السياسي الجديد الذي سينبثق عن القتال. أما المفاوضات النهائية، فيمكن أن تستمر لسنوات عديدة مع إستمرار وجود عقوبات معينة في مجالات أخرى.

أمام تصاعد هذا الخط المتشدد، تحذر بعض الآراء من أن روسيا ”مُدمَّرة إقتصاديًا وأكثر فقراً” قد تكون أكثر خطورة من روسيا/بوتين قبل قبل غزو أوكرانيا. تقول، الدولة التي تعجز عن تحقيق رفاهية شعبها وتحسين علاقاتها الاقتصادية مع جيرانها، لن يكون لديها سبب وجيه لتجنب المزيد من الصراع، سواء على حدودها الأوروبية أو في الشرق الأوسط أو في الفضاء الإلكتروني.