الحرب لم تنته في العراق الجديد ، فما زالت التفجيرات والسيارات المفخخة والاغتيالات والقتل على الهوية الطائفية والانعدام الأمني من المرتكزات الأساسية في هذا البلد المجروح ، والتضليل ينعكس في الادعاءات الأمريكية بالانتصار وانجاز المهمة التي من اجلها غزت ومن ثم احتلت القوات الأمريكية العراق ، إي القضاء على الديكتاتورية والإرهاب الرئيس الأمريكي شارك بفاعلية يحسد عليها في مهرجان الكذب والتضليل ، عندما أعلن في خطابه الأخير إن حرب العراق تمثل نجاحا باهرا تطلب انجازه خمسة عشرة سنة , وتغول في التضليل عندما قال في الخطاب نفسه مقدم اعتذار لعدم زيارته لهذا البلد . لقوات الأمريكية تغادر العراق ورأسها مرفوع تاركة خلفها عراقا مستقرا وصلبا وصديقا لأمريكا لا نفهم كيف تغادر القوات الأمريكية العراق بالكامل ورأسها مرفوع وقد تركت بلدا هو الأكثر فسادا على وجه المعمورة ، لا يتوفر لأهله ابسط الخدمات الضرورية من ماء وكهرباء وتعليم ، ناهيك عن الأمان ، وتمزقه الخلافات الطائفية ، وهجرته الطبقة الوسطى ، وأعاد مليشيات وعصابات .. هذا العراق ممثلا لأمريكا وثقافتها وديمقراطيتها ، العراق يحكم اليوم بديكتاتورية طائفية ، والكتل السياسية فيه فشلت فشلا ذريعا في حل خلافاتها ، والعداء بين الساسة وخصومة السياسيين أكثر شراسة من عدائهما مجتمعين لنظام الرئيس الراحل صدام حسين , ما يتجنب الرئيس الامريكي وكل قادته العسكريين ، والاعتراف به، هو ان أمريكا خرجت مهزومة بشكل مهين ومذل من العراق ، بفضل المقاومة العراقية الشرسة وعملياتها الجريئة استمرت على مدى سنوات الاحتلال الماضية , الإدارات الأمريكية خططت لبقاء ابدي في العراق ، وأقامت أربع قواعد عسكرية رئيسية ، كانت بمثابة مدن مجهزة بكل متطلبات الحياة على الطريقة الأمريكية ، ولكن عمليات المقاومة، وخديعة الطبقة العراقية الحاكمة لها ، إي لأمريكا ،عندما انخرطت في تحالف استراتيجي كامل مع إيران عدوة واشنطن الحالية ، دفعت الرئيس الامريكي إلى إلقاء المنشفة والاستسلام والتسلم بالهزيمة ، ولكن دون الإعلان عنها . إي انتصار هذا الذي يتحدث عنه الرئيس اوباما وجنرالاته، وهو الذي خسر أكثر من خمسة آلاف جندي وثلاثين إلف جريح ، و6 تريليون دولار، وفوق كل هذا وذاك سمعة بلاده، وفوزها بأكبر قدر من الكراهية والعداء في أوساط مليار ونصف المليار مسلم ، وضعفهم من أبناء العالم الثالث بسبب خوض هذه الحرب استنادا إلى أكاذيب ومخططات غير إنسانية وغير أخلاقية، نتج عنها استشهاد مليوني مواطن عراقي على الأقل أزمة العراق الحقيقية بدأت بعد انسحاب القوات الأمريكية، لأن الهويات الطائفية فيه تقدمت على الهوية الوطنية الجامعة والموحدة ، ولان النخبة السياسية التي جاءت مع الاحتلال وترعرعت في ظل حمايته ، قدمت نموذجا فريدا في الفساد ونهب الثروات ، وقتل الروح الوطنية ، وبالتالي الفشل المخجل في إقامة دولة مدنية عنوانها الحريات العامة والمساواة والقضاء العادل المستقلمن المفارقة إن النظام العراقي السابق الذي كان متهما بالديكتاتورية والطغيان وحد النسبة الأكبر من العراقيين ضده خاصة في المعارضة الخارجية ، ولكن النظام الجديد يفرق العراقيين ويفاقم خلافاتهم بسبب أحقاده الطائفية وممارساته الثأرية ، واستئثاره والمجموعة الصغيرة المحيطة به بنهب الأخضر واليابس من ثروات البلاد. العراق قبل الاحتلال الأمريكي، كان محكوما بالديكتاتورية ، وقليلون الذين يجادلون حول هذه المسألة ، ولكنه كان بلدا موحدا مهابا، كان قوة إقليمية عظمى، يخشاه أعداؤه قبل أصدقائه ، إما عراق اليوم , فعراق ضعيف مقطع الأوصال ، تتقاتل الدول الإقليمية والخارجية على قصعته النفطية ، بينما شعبه يتضور جوعا ويفتقد ابسط احتياجاته المعيشية ، وهو الذي يعيش على احتياطات نفطية مثبتة تصل إلى 190 مليار برميل , إدارة الرئيس بوش الابن ومحافظوها الجدد سابقا ، ومعظمهم من أنصار إسرائيل ، قالت أنها ستقدم نموذجا ديمقراطيا يحتذى في المنطقة يقصد الشرق الأوسط الجديد وستؤسس لدولة مدنية عنوانها الازدهار والنمو الاقتصادي والمساواة الاجتماعية والسياسية ، على غرار المجتمعات والدول الغربية . أمريكا لجأت للترويج لهذا النموذج بعد إن تبين كذب مقولة أسلحة الدمار الشامل ، وللتغطية عليها , انه مسلسل من الأكاذيب الفاضحة للدولة التي تدعي الشفافية والديمقراطية والطهارة واحترام حقوق الإنسان وقيادة العالم الحر .. العراقيون الشرفاء ، وهم الأكثرية الساحقة، يجب إن ينهضوا من شرنقة صمتهم ، ويلاحقوا الولايات المتحدة التي دمرت بلادهم ، ومزقت وحدتهم الوطنية ، وبذرت بذور الطائفية البغيضة في صفوفهم إمام المحاكم الدولية، مطالبين باعتذارها ، إن لم يكن محاكمتها على جرائمها هذه أولا ، ودفع تعويضات عن كل شهيد عراقي قتل ، وكل حجر دمر، انتصارا لكرامة هذا البلد، ومواساة لمليوني أرملة وأكثر من أربعة ملايين يتيم , ولا يجب إن ينسى هؤلاء الشرفاء كل الذين تعاونوا مع الاحتلال ، وأضفوا الشرعية على أكاذيبه ، وسهلوا جرائمه، فهؤلاء لا يقلون إجراما عن الطغاة العرب الذين تطيح بهم الثورات العربية الواحد تلو الآخر، ولا نبالغ إذا قلنا أنهم أكثر إجراما منهم , إنهما بروفسورات في هذه الأكاديمية .