“لامناص .. فرائحة الموز المر كانت تذكره دائما بمصير العلاقات غير المؤاتية , ذلك ما أدركه الدكتور خوفينال اوربينو, منذ دخوله البيت, الذي ما زال غارقا في الظلام” بهذه العبارة المؤلمة, يبدأ الروائي الكبير غابرييل غارثيا ماركيز، روايته الأشهر (الحب في زمن الكوليرا) التي نشرها عام 1985 .
اليوم يخيل الي, في ظل ما تعيشه بلادي من اوضاع مأساوية, بأن العبارة كانت بهذه الصورة ” لامناص .. فرائحة الموت المر, كانت تذكره دائما بمصير العلاقات غير المؤاتية” نعم رائحة الموت وليس الموز ! , الموت المنبعث من فوهات عدة , كلها تتربص بالعراقيين الدوائر التي تطبق زعانفها المصائبية , برقاب اهلي العراقيين .. ولعل آخر, وليس أخير تلك الفوهات الجسيمة “فوهة الكوليرا: اللعينة .
محافظ بغداد أعلن امس أن “عدد حالات الإصابة بمرض الكوليرا, في مستشفى ابو غريب بلغت 159 حالة، وعدد الوفيات اربعة اشخاص, وهناك 56 حالة تصنف بأنها خطيرة”، متهما وزارة الصحة بـ”التعتيم على ارقام الإصابات الحقيقية وضعف اجراءاتها بهذا الصدد”.
المحافظ في معرض إشارته للواقع الصحي المتردي, كشف ان “آخر مستشفى بني في العاصمة بغداد, كان في تسعينيات القرن الماضي”!!
كارثة بكل معنى الكلمة, جلبها لنا ساسة الفساد والفشل, الذين زرعوا الموت والخراب في ربوع هذا الوطن , وهم بذلك يكملون الشوط الثاني, الموغل في سوداويته, وفجائعيته , بعد الشوط الاول الذي, صنعه نظام صدام الفاشستي المسكون بالحروب والمغامرات النزقة.
اليوم, ونحن على مسافة اثني عشر عاما, على سقوط ذلك النظام, بكل ماكنته الامنية الوحشية , نقول .. ولى نظام صدام غير مأسوف عليه, فماذا قدم لنا ساستنا الجدد ؟
ليس سوى الفشل الذريع, والفساد والمصائب, والتخبط في مواجهة عدو تكفيري داعشي غاشم , ولولا وقفة الغيارى, من أبناء الحشد الشعبي, لكانت بغداد وكربلاء اليوم في قبضة عصابات داعش , اليوم “كملت السبحه” بتفشي الكوليرا, بفعل ما تشهده البلاد, من انعدام في خدمات توفير الماء الصالح للشرب, وتضخم النفايات وموجات النزوح من المحافظات, التي احتلها داعش ,وغيرها من المصائب ,..
اذا كانت الحكومة الحالية ورثت ميزانية خاوية على عروشها , فماذا عن الموازنات الأنفجارية في السنوات السابقة ؟ أين ذهبت ؟ ما مصير اموالنا المنهوبة بفعل دهاليز الفساد ؟ ولماذا لم يبادر “الجماعة ” الى دق طابوقة واحدة, لبناء مستشفى جديد منذ سقوط نظام البعث ؟ لماذا بقي الواقع الصحي لدينا مثل سائر القطاعات الأخرى, مصاب بالشلل والتراجع الخطير !, واقع بائس مأساوي يفتك بالعراقيين المظلومين, في بفعل “الحرب في زمن الكوليرا” !!