17 نوفمبر، 2024 1:45 م
Search
Close this search box.

الحرب في أوكرانيا والحاجة لنظام عالمي جديد

الحرب في أوكرانيا والحاجة لنظام عالمي جديد

في كلمة لجو بايدن لجمهور من قادة الشركات يوم 21 آذار / مايس ، قال فيها .
” سيكون هناك نظام عالمي جديد وعلينا قيادته ” . وقد أثارت هذه الكلمات ضجة في الاوساط السياسية العالمية . حيث اعادت هذه الكلمات الى الاذهان خطاب جورج بوش الاب في 11 ايلول/سبتمبر 1990 ، الذي دعا فيه الى” نظام عالمي جديد” تقوده الولايات المتحدة والتذكير بأن الولايات المتحدة يجب أن تستمر في القيادة معتمدة على القوة العسكرية .

ان التحكم الامريكي على مقدرات العالم يستند الى “العولمة” .
والعولمة كما هو معروف ظاهرة اقتصادية وسياسية ومعلوماتية تقوم على أساس الهيمنة الأمريكية لإخضاع دول العالم وشعوبها على وفق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية .

في عام 1992، نشر الفيلسوف النمساوي هانز كوشلر تقييمًا نقديًا لمفهوم “النظام العالمي الجديد”، واصفًا إياه بأنه أداة أيديولوجية لإضفاء الشرعية على ممارسة الولايات المتحدة العالمية للسلطة في بيئة أحادية القطب .

ومما يؤكد هذه النزعة لدى الولايات المتحدة الأمريكية للتفرد بالقرار العالمي ما اعلنه مايك بومبيو وزير خارجية ترامب في بروكسل عام 2018 إن الولايات المتحدة تريد إقامة “نظام ليبرالي جديد” في العالم يعارض خطط دول مثل روسيا والصين . كما اضاف
أن واشنطن ما زالت تريد لعب دورها كقوة عالمية أولى لكنها تعتزم إعادة بناء النظام الناتج عن الحرب العالمية الثانية من خلال الاعتماد على الدول ذات السيادة وعدم الاعتماد على المؤسسات الدولية .

وعلقت ممثلة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي السابقة ، فيديريكا موغيريني ، على المخططات الامريكية هذه ، بقولها إنها تخشى أن يحل “قانون الغاب” في يوم من الأيام محل سيادة القانون .

قدمت الولايات المتحدة نفسها على أنها “نموذج للديمقراطية” في العالم ، على افتراض أن ما هو جيد للولايات المتحدة سيكون بالتأكيد جيدًا لجميع البلدان الأخرى .
وهكذا ترى الولايات المتحدة لنفسها دورًا استثنائيًا ، استنادًا إلى اقتصادها ونجاحها بعد الحرب العالمية الثانية .

الحرب الروسية الاوكرانية رغم اهدافها المعلنة ، الا انها تمثل في المحصلة النهائية هجوما على النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة . على الأقل هذا ما يراه الرئيس الروسي بوتين .
الحرب في أوكرانيا ستقلب النظام العالمي – ومعه أنظمة الطاقة والإنتاج والتوزيع والتمويل.

وظهرت حقيقة مفادها أن الصراع بين الولايات المتحدة وخصومها لم يعد على شكل منافسة ناعمة ، مع رفض الولايات المتحدة لنظام دولي متعدد الاقطاب .

ان النظام العالمي الذي تهيمن عليه امريكا ماهو الا نظام اقصائي ، وان الدعوات الى الديموقراطية والليبرالية الجديدة قد فقدت مصداقيتها ، كما ان تنامي الكيانات الاقتصادية الجديدة في روسيا والصين اصبحت ند مؤهل امام الولايات المتحدة الأمريكية رغم تفوقها العسكري الذي لم يظهر على العيان في الحرب الاوكرانية !

لقد تم نقل التوترات والحروب الساخنة من الشرق الأوسط إلى حدود اوروبا ، وعاد حلف شمال الاطلسي الى النهوض . وعلى الرغم من ذلك فان القطب العالمي الأوحد اصبح غير قادر على ممارسة دوره، بعد ان فَقَدَ قوة الردع اللازمة لمنع روسيا من الدخول في نزاع عسكري
مع اوكرانيا ، ومن هنا ستكون بداية النهاية للنظام العالمي ذو القطب الواحد .

ان اهداف روسيا في حربها مع اوكرانيا لا تقتصر على استرجاع الاراضي الروسية من اوكرانيا فحسب ، بل ان بوتين يرغب في رسم سياسة لنظام عالمي جديد لاتنفرد الولايات المتحدة فيه .
رغم ان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن مازال يأمل أن تؤدي خسائر روسيا في أوكرانيا إلى ردع قادتها عن تكرار أفعالهم في أماكن أخرى كما صرح بذلك ..
إن رغبة روسيا الصريحة في إعادة فرض نفسها على النظام العالمي ستتطلب مشاركة دبلوماسية معقولة وخلاقة ، ليس فقط من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ، ولكن من القطبين الآخرين الصين وروسيا أيضًا .

ان عودة روسيا كقطب في هذا العالم سيُعيد توازن القوى في النظام الدولي الجديد ، وان هناك كثير من الدول تتطلع الى السير معها في هذا النظام ، وبالتالي يمكن تشكيل الأحلاف المختلفة ، وهي فرصة تنظر إليها الدول الهامشية والنامية كفرصة للخروج من تحت عباءة العم سام .

وقد صرح وزير الخارجية الروسي لافروف بذلك عندما قال بأن التطورات في أوكرانيا تحظى بأهمية قصوى وهي معركة من اجل مستقبل النظام الدولي الجديد .

أن الغرب لم يعد لديه الوسائل الكافية لفرض معاييره في كل مكان ، وأن عالمنا يرى حضارات مختلفة في مواجهة بعضها البعض بشكل مباشر أو غير مباشر ، وأنه إذا أراد الدفاع عن مصالحه ، فيتوجب عليه استخدام القوة الناعمة الاقتصادية والدبلوماسية .

الحرب في أوكرانيا جزء من النضال من أجل نظام عالمي جديد حيث تتحدى روسيا والصين صراحة التفرد الأمريكي . لكن ما سيبدو عليه النظام العالمي التالي يظل سؤالًا مفتوحًا على كل الاحتمالات .

إن ما سنشهده في المستقبل هو ظهور شكل غير مسبوق من التعددية القطبية ، حيث سيتم هيكلة المشهد الدولي بواسطة عدد من الدول القومية الكلاسيكية مثل روسيا والصين والهند ؛ والبعض الآخر سيكون أنظمة إقليمية مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ورابطة دول جنوب شرق آسيا. وسيهيمن الاقتصاد والتجارة والتنمية والبيئة على مجمل النشاطات الدولية . وبذلك فان الحرب بين أي من اللاعبين الكبار سوف لن يكون خيارا .

وعندئذ فقط سيتحقق السلام من خلال التوازن في العلاقات الدولية التي ستبنى على اساس المساواة في السيادة والاحترام المتبادل بين الدول ، وعدم الاستئثار بالقوة او الهيمنة من اي دولة كانت .

أحدث المقالات