18 ديسمبر، 2024 11:10 م

الحرب في أوكرانيا: قاعدة الانطلاق نحو نظام عالمي جديد

الحرب في أوكرانيا: قاعدة الانطلاق نحو نظام عالمي جديد

لم يكن مفاجئا، اعلان الرئيس الروسي عن التعبئة الجزئية بعد الهزيمة التي تعرض لها الجيش الروسي في الايام الاخيرة، بل ان هذا الاعلان كان متوقعا، لتغير مجرى الحرب، لصالح القوات الروسية. لا اعتقد بانها لغرض احتلال المزيد من الاراضي الاوكرانية، بل لتثبيت حدود الدونباس، ومقاطعتي خيرسون وزابورويجيا، بعد استكمال الاحتلال لهذه المناطق او المقاطعات، كما سوف أأتي على هذا لاحقا في هذه السطور. ان هذه التعبئة الجزئية وبحسب وزير الدفاع الروسي؛ من انها سوف ترفد القوات الروسية بما لا يقل عن 300الف مقاتل جميعهم، من العناصر المدربة بصورة جيدة. في ذات الوقت، صرح الرئيس الروسي، في تزامن مع اعلان التعبئة الجزئية؛ من ان الغرب يعمل على اضعاف روسيا، وانتهاك سيادتها، واكمل؛ ليطمئن الروس من ان بلادهم سوف لن تقهر ابدا، وسوف تحافظ على حدودها وسيادتها، بمختلف الوسائل، شدد الرئيس الروسي على؛بمختلف الوسائل المتاحة. في ذات الكلمة قال الرئيس الروسي؛ ان الغرب يهدد روسيا بالنووي، لكنهم؛ اول من يطالهم السلاح النووي، روسيا تمتلك اسلحة تقليدية ونواقل النووي اكثر تطورا مما لدى الناتو. قال نائب رئيس مجلس الامن القومي الروسي؛ روسيا سوف تستخدم السلاح النووي عند الحاجة، في رده على جنرال امريكي متقاعد، هدد بسحق اسطول البحر الاسود الروسي والقواعد الروسية في القرم. في تزامن مع هذا الاعلان والتهديد المضمر والواضح في أن واحد؛ باستخدام السلاح النووي؛ اعلنت جمهوريتا الدونباس، غير المعترف بها دوليا، الا من روسيا والنظام السوريوكوريا الشمالية، اضافة الى مقاطعتي خيرسونوزابورويجيا؛ على اجراء استفتاء شعبي في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، للانضمام الى روسيا.جرى الاستفتاء فعلا، في اليوم المعلن لأجراه. مسؤول حلف الناتو، سريعا رد على هذا التهديد، قائلا؛ الحرب النووية، امر مستبعد كليا. مسؤولو الدول الغربية، والمسؤولون الاوكرانيون، قالوا؛ الاستفتاء ليس له قيمة قانونية. الكثير من المحللين السياسيين؛ بينوا بان التعبئة الجزئية؛ ما هو الا استجابة من بوتين للضغط الذي يتعرض له من القومين الروس، وكأن بوتين ليس قوميا بما فيه الكفاية، بل ربما هو اكثر تشددا من القومين الروس، وان عملية التعبئة الجزئية ما هي الا بنتيجة الفشل في ساحة الميدان العسكري. ان منطلقات هذه الحربواهدافها؛ تختلف عن تداعيات الهزيمة الأخيرة؛ انها ترتبط بالاستراتيجية الروسية في شرق اوروبا وليس في اوكرانيا فقط. أن هذه الحرب ليس مسموحا لروسيا الهزيمة فيها، كما ليس مسموحا للغرب بقيادة امريكا؛اتاحة الفرصة لروسيا الانتصار فيها، مهما كانت الكلفة. ان هذه الحرب في قناعة هذه السطور؛ نتائجها؛ تغير شكل العالم بطريقة او بأخرى. كما ان نتائجها؛ تؤثر على الصراع الامريكي الصيني في جميع المجالات.. وبالذات الصراع حول تايوان. كما ان تداعياتها سوف تلقي بظلالها على جميع مناطق الصراع على النفوذ والمغانم في المعمورة، بالذات في المحيطين الهاديء والهادي. اضافة الى ان نتائجها؛ تؤثر سلبا او ايجابا على علاقةالغرب وامريكا من جهة، وروسيا والصين من الجهة المقابلة؛ لناحية من ينتصر ومن ينهزم فيها. عليه فان هذه الحرب، من وجهة نظري المتواضعة؛ ربما كبيرة جدا،بحسب منطلقاتها واهدافها ومعطياتها ووقعائها؛ لن تكون حربٌ قصيرة الامد؛ لتقاطع الاستراتيجيات لعواصم ادارة هذه الحرب، في موسكو وواشنطن وتابعتها بروكسل، بل، ربما كبيرة؛ تكون حربٌ طويلة الاجل. ان اي مفاوضات مقبلة، من الصعوبة ان تفضي او تنتج حلا يرضي روسيا واوكرانيا؛ لأن قاعدة المطالب الروسية، لا يمكن للجانب الاوكراني القبول بها، او التفاوض على قاعدتها واساسها؛ الا بعد ان تدخل منطقة الخطر الكارثي الكوني. تتركز المطالب الروسية؛ ان تعترفاوكرانيا، بضم شبه جزيرة القرم الى روسيا، مع قبول اوكرانيا؛ اقامة حكومات كونفدرالية في الدونباس، (مع ان هذا الامر ربما قد تغير الآن) مع عدم انضمام اوكرانيا الى حلف الناتو، بضمانات مكتوبة وليس ضمانات شفوية كما قد حدث في تسعينيات القرن المنصرم، والتي تعهد لروسيا فيها الناتو بعدم الاقتراب من حدود روسيا اي عدم قبول او انضمام الدول الاوربية المحاددة لروسيا الى حلف الناتو. أن الانتصار الروسي، يقود الى تمزيق اوكرانيا، كما يقول المحلولون السياسيون الروس. ان بولندا والمجر ورومانيا لها مطامع في الاراضي الاوكرانية التي كانت قبل الانتصار في الحرب العالمية الثانية جزءا من اراضيها، وضمها الاتحاد السوفيتي المنتصر في الحرب العالمية الثانية؛ الى اوكرانيا، عندما كانت، جزءا من جمهوريات الاتحاد السوفيتي. لذا، فأن هذه الحرب معقدة جدا، والخروج منها، او العمل على اطفاء نيرانها امرا ليس بالسهل ابدا. مع أن روسيا لاحقا، بعد ضم المقاطعات الاوكرانية المشار لها، في اعلى هذه السطور الى روسيا، وفي الاشهر او الاسابيع المقبلة؛ سوف تعمل على تبريد وقيد فتيلها مع عدم نزع فتيلها؛ الا اذا تمكن الطرفان المتحاربان روسيا والناتو؛ بإيجاد حل وسط وهذا امرا ليس سهلا، بل هو صعب للغاية حين يتم احالته الى الاستراتيجيتين المتقابلتين؟ أن امريكا ربما او من المحتمل جدا ان لا تتدخل فيها بالشكل المباشر، ان لم اقل من المستحيل ان تتدخل مهما طال امد هذه الحرب، التي سوف تأخذ مجرى سيعمل الروس عليه، مختلف عن مجرياتها الحالية؛ لأن تدخلها يعني حكما ان تدخل في حرب مع روسيا، مما يقود او يجبر صانع القرار في الكرملين؛ الى استخدام السلاح النووي، الذي هدد به بوتين الغرب وامريكا. المقصود هنا؛ هو الدخول في حرب مباشرة ومفتوحة مع القوات الروسية، وليس المقصود؛ هو المعاونة الامريكية لأوكرانيا بالسلاح والتدريب والاستخبارات والاستشارات والمال، فهذا الامر الاخير عملت عليه امريكا من لحظة اطلاق الطلقة الروسية الاولى عبر الحدود الاوكرانية. أن روسيا عاجلا؛ سوف تسيطر سيطرة كاملة على الدونباس، وخيرسون وزابورويجيا،بالإضافة الى السيطرة على احزمة امن تحيط بالإقليم.. أن هذه الحرب ربما تقود الى تصدع الاتحاد الاوروبي. في قناعة هذه السطور؛ ان روسيا، بعد ان يتم لها ضم المقاطعات المنوه عنها في اعلى هذه السطور، مع ايجاد احزمة ومناطق امن تحيط بهذه المناطق؛ سوف تعمل على تثبيت هذه الحدود، وتتوقف عن  التوغل في عمق اراضي الاوكرانية. عليه فسوف تعتبر هذه الاراضي جزءا من الاراضي الروسية رسميا وقانونيا، واي اعتداء عليها هو اعتداء على روسيا وسيادتها. هنا يكون او تكون خطورة هذه الحرب ونتائجها على العالم؛ عندما تنزلق الحرب بإرادة روسية؛ الى التهديد باستخدام ادوات الفتك الشامل بالإنسان والارض. في هذه وحسب السياق الروسي لهذه الاحداث وليس حسب سياقها القانوني، اي سياقات القانون الدولي، الذي اكده قادة الغرب؛ من ان هذا الضم ليس له قيمة قانونية، اي انها، هذه الاراضي، ليست جزءا من الاراضي الروسية، بل هي جزءا من اراضي اوكرانيا، ولأوكرانيا الحق في متابعة المعارك لاسترجاع او تحرير اراضيها من الاحتلال الروسي؛ هذا يعني ان هذه الحرب سوف تستمر حتى وان توقفت روسيا عن ان تتوغل في الاراضي الاوكرانية، إنما في هذه الحالة سوف تتغير قواعد هذه الحرب اي انها سوف تكون حرب استنزاف طويلة الاجل.. اعتقد ان هذا هو ما تسعى إليه واشنطن. لكن من الجانب الثاني هل تقبل روسيا ان تكون في حرب استنزاف طولة الأجل، تستزف قدراتها العسكرية والاقتصادية والبشرية والمالية، التي تنتهي، ربما بخلخلة تماسك الداخل الروسي. هنا تدخل هذه الحرب، منطقة الخطر الكوني. روسيا بوتين، ستستبق اهتزاز اعمدة النظام، وخلخلة تماسك الداخل،حين تلوح في الافق نذر هذه الملامح؛ ليس التهديد باستخدام السلاح النووي، بل وضعه على منصات الاطلاق وعلى نواقله، بانتظار امر الاطلاق من قائد الكرملين. عندها، ستتغير ليس قواعد الحرب، بل منطلقاتها واهدافها من فوهات المدافع الى منصات الحلول، او البحث عن الحلول.. الحرب في اوكرانيا بصرف النظر عن شرعيتها وقانونيتها؛ ستعجل وتسرع مراحل الانتقال الى نظام عالمي جديد.. إنما الضحية؛ أوكرانيا لذكاء قادتها وحنكتهم