23 ديسمبر، 2024 3:31 ص

كنا نعتقد حينما كنا صغاراً من خلال ما سمعنا في وسطنا العراقي وبيئتنا العشائرية التي تتأثر بما تسمعه من رجال الدين ، بغض النظر عن مقدراتهم العلمية التي وصلوا أليها ، إن عدو الله هم الشيوعيون ، لأنهم ينكرون وجوده ، وأنهم دائمين البحث عن مصداق مادي ملموس لوجود الخالق ، حتى يعتقدون بوحدانيته .

هذه المعلومة جعلتنا نعتقد أن من الواجب أن نعلن الحرب على الشيوعية والشيوعيون ، لأنهم أعداء الله ، ولكننا لم نسأل أنفسنا يوماً هل الله سبحانه وتعالى كان عاجزاً عن الدفاع عن نفسه ؟

وهل إن الله قد كلفنا بالدفاع عنه لأنه ضعيف ونحن القادرون على التصدي ضد هؤلاء اللذين أعلنوا الحرب على خالقنا ؟

كبرنا وكبرت معنا أفكارنا وتصوراتنا وعظمت خبرتنا بالحياة ، من خلال الاختلاط بشعوب وأمم سكنت البسيطة في غرب الأرض وشرقها ، ولكننا اكتشفنا متأخرين أننا كنا قد ظلمنا الشيوعية والماركسية ، لأننا لم نرضى أن نسمع أو نتفهم ما طرحوه ، وما كانوا قد سألوه ، فهو لا يختلف كثيراً عما سأله نبي الله موسى عليه السلام لخالقه ، حينما طلب أن يراه بشكل مباشر ، فسأله الله سبحانه وتعالى ( ألم تؤمن ؟ ) فرد عليه ، لا ولكن ليطمأن قلبي .

فالشيوعيون أرادوا كما يبدو أن تطمأن قلوبهم لا أكثر ، ولكن سيء فهم الأمر ، مقارنة بما شهدته الحياة من تحولات فكرية وعقائدية ودينية بشكل دراماتيكي وسريع ، وتبين نتيجة لمقارنة الأحداث صغيرها وكبيرها مع بعضها البعض ، أن اللذين يبحثون باجتهاد عن سر الوجود وخالقه ، ليس بكافرين ، وإنما باحثين عن الحقيقية لا أكثر ، ونعتقد أن حقيقة هذا البحث قد يوصلهم إلى درجات من الرقي والبحث العلمي تحت مرضات الله ، لأنه خلق آدم وقد باهى به الملائكة ، لأنه حفظ الأسماء كلها ونفخ فيه من روحه ، لأن الله سبحانه وتعالى جعل من جزئيات تلك الروح المنفوخة بجسد بني آدم ، قدسية وقيمة عظيمة ، وأمر أن تصان وتحترم ، وحتى حينما تخرج تلك الروح من الجسد الذي احتواها في لحظة الوفاة ، ترك للجسد قيمة الاحتواء ، فأكرم الجسد بان يصان ويحفظ ويدفن بصورة لائقة ، وبذلك كان التكريم مستمراُ في كل شيء .

أذن من أولئك الذين يقومون بالحرب على الله عمداً مع سبق الإصرار والترصد ؟

أنهم موجودين في كل زمان ومكان ، ومن كل دين ولون وعرق ، أولئك الذين يدعون شيء ، ويفعلون شيئاً آخر وهم المنافقون ، واللذين يكذبون ، فيظلون الآخرين بكذبهم ، ويوهموهم بحقيقة لا تشبه ما يقومون به لأغراض معينة ، اللذين يدافعون عن كتب منزلة ، أو عقائد سماوية يدعون أنهم يمثلونها ، ولكنهم لا يمتلكون المقومات الشخصية لهذا التمثيل ، لأنهم فقراء من الحقيقة ، والذين يلبسون الحق بالباطل ، كي يضيع الأمر بالمعروف ، وينشرون المنكر

الذي نهى الله عنه ، هم حكومات ودول ، ورجال سياسة واقتصاد ، ورجال دين يتظاهرون بمظهر الكاهن والقديس ، أو المرجع وآية الله ، أو مرشد متبصر ولكنه لا يفقه من الحقيقة عنقها الأعلى ، رجال سياسة وزعماء تصدوا للعملية السياسية بأوطانهم ، ولكنهم تحولوا وبالاً على تلك الأوطان .

أحزاباً تغلفت برداء الدين ولكن ما فعلته بالدين نفسه ، لا يمثل إلا حرباً شعواء على خالق هذا الدين ، لأن كلما فعلوه ويفعلونه هو مخالف للدين وللشرائع ، فهم بذلك محاربين بجيوشهم ضد الله وما أنزله من أنبياء ورسل وكتب وآيات ، يقول المسلمون في تراثهم نقلاً عن الحديث النبوي الشريف ( إن أمتي ستنقسم إلى سبعون فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ! ) فيقول السنة إنهم الفرقة الناجية ، فيما يقول الشيعة ، أنهم الفرقة الناجية ، ولكني مؤمن بشكل لا يقبل الشك ، إن الحديث صحيح ولا يختلف عليه أحد ، ولكن والله الذي تحاربونه بأفعالكم وتصرفاتكم وكذبكم على بني آدم الذي تنتمون أليه ، فأن الفرقة الناجية ليست سنية ، ولا شيعية ، مطلقاً ، بل هي فرقة لا تكذب ولا تهادن ، ولا تشوه الحقائق ، ولا تقوم بالتطرف الديني ، ولا تتخندق طائفياً مهما حل بها من ألم ، هي فرقة تجمع جميع المخلصين والصادقين من الشيعة والسنة ومن أصحاب الوسطية الدينية المتفتحة ، المتسامحة التي تؤمن بالله حقاً ، وتصدق برسوله الأكرم خير تصديق ، وبجميع الأنبياء والرسل من دون تفريق ، والتي تسعى بإخلاص للوحدة الإسلامية ( الحقة ) قولاً وفعلاً ، والتي لا تظلم ولا تسرق ، ولا تنافق ، هذه صفات الفرقة الناجية ، وهي مؤكدة وبسيطة ولا تحتاج إلى تفسير أو اجتهاد ، والتي تترك الخلاف والاختلاف جانباً وتثق بالله أن يحاسب الظالمين يوم يقوم الحساب ، ولا توكل نفسها عنه كي تلعن غيرها ، وتسيء لجمع من الخلق لأنهم على دين آخر ، أو طائفة أخرى ، لأننا جميعاً أبناء الله علينا أو نؤمن به حتى وإن لم نراه ، لأن الخلق الذي نحن فيه لم يأتي من فراغ محض ، ولكي نتعرف على الذين يحاربون الله ويعدون العدة لذلك أمام أعيننا ونحن صامتين علينا أن نؤشر على مواضع الألم بوضوح .