يمكن تعريف الحرب النفسية بدقة وتركيز , بأنها مهارات وآليات تحويل الهدف إلى قوة مدمرة لذاته وموضوعه حتى يتم إمتلاكه.
وهي تسعى إلى تحفيز طاقات الشر والعدوان , وتسخيرها للإنقضاض على الهدف بعد تأهيل إرادته لتكون ضد وجوده.
أي أن الحرب النفسية عبارة عن دوافع إنتحارية مُحفّزَة في ذات الهدف المطلوب.
ووسائلها معروفة منذ قديم الزمان , وتقترن بأساليب وأجندات تحطم كيان البشر النفسي والروحي والفكري والأخلاقي والقيمي , قبل بدنه ومجتمعه ووطنه ومصادرة وجوده.
ومراميها أن تُضعِف القوة المعنوية للهدف , وتحقق الزعزعة وفقدان الثقة بالنفس , وتؤكد العجز والشلل , وتميل إلى التفتيت والتمزيق والطحن , والبلبلة والتناحر والتصارع المُنهِك للقدرات والمُبدد للطاقات , وترسيخ قيم اليأس والمظلومية والتعاسة والإندحار , وإشاعة مشاعر الهزيمة والخسران والدونية والتبعية والضعف التام , وإقتلاع الثوابت والرواسخ السلوكية الإيجابية , للوصول إلى أقصى حالات التدمير الذاتي والموضوعي.
وتلعب المناهج الطائفية بأقلامها وخطبائها وقادتها الدور الأكبر في شن الحرب النفسية , عن قصد أو غير قصد , عن وعي أو غير وعي , لأن الحرب النفسية المعاصرة تستهدف تحويل المرتكزات الأساسية في الهدف إلى قدرات فاعلة ومساهمة في وصول الهادف الى هدفه , وكأنها تجعل قادة المجتمع يقومون بسلوكيات إفنائية , وهم في نشوة وهمية وتفاعلات غثيانية , أو تم توفير الأحداث الإنفعالية اللازمة لتحقيق أعلى درجات السلوك العاطفي اللازم فيهم لتدميرهم.
ومن السلوكيات التي تعزز الحرب النفسية وتديمها في المجتمع , الدعايات المغرضة والشائعات والإغتيالات , والتفاعلات التي تساهم في تمزيق التركيبة الإحتماعية وإستنزافها في تدمير بعضها البعض , وفقا لما لا يخطر على بال من النوايا والأحداث السلبية القاسية.
كما أن الحرمان من الكهرباء وبناء الحواجز والتفجيرات والقهر بالحاجات , وإشاعة الفقر والتدهور في الخدمات الصحية والنقل والإتصال , وغيرها مما يمت بصلة لضرورات الحياة المعاصرة , كلها تلعب دورها في تحضير الأرضية الإنفعالية اللازمة للإنقضاض على الهدف وسحقه.
ولوسائل الإتصال الحديثة الدور الأكبر في شن الحرب النفسية , فوسائل التواصل الإجتماعي تشارك في الحرب النفسية بما تتناقله من صور وأفلام , وما تطلقه من كلمات ومقالات وعبارات مدروسة ومحسوبة التأثير , حيث تقوم مراكز شن الحرب النفسية ببث أدواتها المبرمجة للوصول إلى الغايات المرسومة.
ويتعرض المجتمع العربي عموما لآلة الحرب النفسية القاسية الإعلامية الدعائية , التي تشمل معظم وسائل البث المرئي والمسموع والمقروء , مترافقة مع أحداث ومناهج عملية ذات طاقات إنفعالية هائلة , تتسبب في بناء الجدران العاطفية اللازمة لتوحش البشر وفتكه ببعضه البعض.
ولمعزوفات الطائفية والألحان التفريقية الدور الأخطر الذي يؤسس لمسيرة الإتلاف الوطني والإنساني , ودفع الناس إلى الهروب من ذاتهم وموضوعهم , والتحول إلى تائهين في دروب الحياة المجهولة , مما يُسهّل إمتلاكهم ومصادرة وجودهم.
وقد أبتلي المجتمع العربي بجالسين على الكراسي , ربما لا يملكون الأهلية العقلية والنفسية والروحية والفكرية , وكأنّ معظمهم عبارة عن بالونات إنفعالية عمياء , محصنة بأتراس صلدة من العواطف السلبية التي ترشدهم إلى سوء المصير.
وبهذا فهم أدوات أساسية في شن الحرب النفسية على مجتمعاتهم , لقلة ثقافتهم ومحدودية وعيهم , ولأنهم أميّون لا يقرؤن إلا ما فيهم!!
والبلدان التي إفترستها الحرب النفسية تحوّلت جميع أرضها إلى ميادين قتال وإنفجارت وحواجز ومعوقات شاملة لمناحي الحياة كافة.
ولا يمكن التحرر من أصفاد الحرب النفسية إلا بتوفر القيادات المثقفة الجامعة , الواعية المحصنة المؤمنة بنفسها وبوطنها وبشعبها , والمتطهرة من الفئوية والطائفية والتحزبية , والمتسلحة بالروح الإنسانية النبيلة السامية.
فهل ستدرك المجتمعات المُستهدفة بأنها تنجز ما تؤهلها الهجمات النفسية الفتاكة للقيام به؟!!