توجد الان ثلاثة اجيال في العراق ولدت بعد الحرب العراقية-الايرانية (1980-1988 ) ولم تراها وتعايشها وهذه الحرب بالنسبة لها تاريخ .عام 2003 غادر الحياة احد طرفي هذه الحرب وهو النظام الصدامي البائد ولم يعد قادرا للدفاع عن نفسه وابعاد شبه اشعال الحرب والاصرار عليها لثمان سنوات عجاف . بينما الطرف الاخر وهوالنظام الخميني لازال حي يرزق يحاول باستماته تزوير التاريخ بتسميتها (بالحرب المفروضة ) ويطبل له ويزمرله الطابور الخامس الخميني في العراق من احزاب وحركات ولايه الفقيه التي في الحكم وخارجه منذ اكثر من اثنا عشر عاما والتي تدعي بلا خجل ان النظام البائد الصدامي لوحده هو الذي اشعلها واصرعلى استمرارها لثمان سنوات . بينما الواقع الذي عشناه نحن في تلك الفترة يوم بيوم يقول ان الحرب لم يشعلها النظام صدام لوحدة بل شاركه باشعالها النظام الخميني والذي اصر على استمرارها لثمان سنوات هو الخميني فقط . بينما كان صدام يريد انهاءها باي طريقة خاصة بعد تموز-1982 لم يترك باب الاطرقه لوقف الحرب ورحب بكل المبادرات السلمية التي قام بها وسطاء دوليون واقليميون ولكن الخميني المشغول باحلام اليقضة وشعاراته التهريجية مثل (طريق القدس يمر عبر كربلاء – والتاريخ يصنعه الشهداء- والموت لامريكا ) رفض بعنجهية كل هذه المبادرات السلمية معتقدا ان احتلاله للعراق مسالة هي مسالة وقت وظل يراهن بدماء الفقراء لمدة ثمان سنوات وفي النهاية اجبر على تناول السم. ومن اجل تقديم الحقيقية لاغيرها للاجيال الثلاثة في العراق التي لم ترى هذه الحرب تقدم حقيقة هذه الحرب المجنونة مروية بقلم ايه الله منتظري الرجل الثاني في النطام الخميني منذ بداية مايسمى بالثورة الايرانية بداية 1979 وحتى نهاية الحرب العراقية الايرانية في اب 1988.
اسباب الحرب – كتب ايه الله منتظري
((يقول البعض بوجوب عدم الكشف عن الحقائق بكاملها، غير انني اعتقد بضرورة قول الحقيقة. ان الانسان اذا لم يذكر الاحداث التاريخية بدقة وامانة فانه لا يخون التاريخ فحسب بل ان خيانته تمتد الى الاجيال القادمة. بعد انتصار الثورة اصيب الامام الخميني واصبنا نحن ايضا بغرور خاص، وكنا نعتقد اننا حققنا نصرا عظيما والعالم صار في جيبنا. وكنا نقول ان القضية التي يجب ان تستحوذ على تفكيرنا ونشاطنا هي قضية الاسلام، وبالتالي فلا قيمة لكيان الدولة الايرانية أو غيرها من الدول الاسلامية. الامام الخميني هو قائد المسلمين ونحن حماة الشعوب الاسلامية.. فلهذا فان محور سياستنا الخارجية في تلك المرحلة كان قائما على اساس فكرة تصدير الثورة ومد سلطة الدولة الاسلامية. وما من شك في ان شعاراتنا قد اثارت الخوف والذعر في البلدان المجاورة التي اتخذت، بسبب ذلك، موقفا سلبيا حيال الثورة.. اتذكر انه حينما كان موضوع العلاقات مع الدول المجاورة يطرح مع الامام الخميني في ذلك الحين كان يرد بغضب على من كانوا يدعون الى تحسين العلاقات مع هذه الدول. وفي اجواء كتلك لم يكن يتصور أي شخص ان العراق سيتجرأ على شن الحرب ضد ايران. كان يقال في طهران: من هو العراق؟ تلك الاجواء زادت من قلق وخوف الدول المجاورة، والنظام العراقي الذي كان يبحث عن ذرائع للتخلي عن التزاماته في اتفاقية الجزائر انتهز الفرصة، فقد ظهر صدام حسين على التلفزيون ومزق اتفاقية الجزائر التي سبق ان وقع عليها في عهد الشاه.وكانت وسائل الاعلام في الدول المجاورة الاخرى هي الاخرى قد بدأت تبث مطالب ودعايات معادية لنا نتيجة للسياسة المتبعة من قبل الاجهزة الثورية في بداية قيام الجمهورية. وذات يوم ذهبت الى الامام الخميني الذي كان يقيم في بيت الشيخ محمد يزدي (رئيس السلطة القضائية) وقلت له ان جميع الثورات التي تنتصر في العالم تقوم عادة بايفاد مبعوثين الى الدول المجاورة لايضاح سياسة الثوار وتوجهاتهم واهدافهم، وما الاحظه في المنطقة بعد ان انتشر الخوف والذعر من شعاراتنا واسلوبنا ودعايتنا الثورية ينذر بالخطر ولا بد ان نوفد بعثات الى الدول المجاورة لطمأنتها على اهدافنا والتقليل من قلقها. وقد رد الامام على نصائحي هذه قائلا: لا تهمنا الحكومات، فقلت: لا نستطيع ان نبني جدارا حول ايران، فهذه الحكومات قائمة وموجودة بجوارنا وعلينا التعامل معها خاصة ان الخوف والقلق يسودان اجواء الدول المجاورة. غير ان الامام رفض القبول بطلبي وقال: سنبني جدارا حول بلدنا. لقد كان الامام الراحل غير مستعد لمناقشة هذه الامور، وكان يقول ان الشعوب جميعها معنا. انني اعتقد لو اننا انتهجنا سياسة قائمة على التفاهم والتعاضد مع الدول المجاورة لما كان العراق سيتجرأ ويشن الحرب علينا. وما من شك في ان الدول الاستعمارية استغلت الوضع وشجعت العراق على الهجوم في وقت لم نكن فيه مستعدين للحرب، فقد عبرت القوات العراقية الحدود دون وجود استعدادات دفاعية للتصدي لهذه القوات. حينما احتل صدام حسين جزءا من اراضينا كان رأينا مثل رأي جميع ابناء ايران قائما على مبدأ محاربة المعتدي وتحرير ارضنا المحتلة ))
انتصار خرمشهر ورفض الوساطات – كتب ايه الله منتظري
((كان قصدنا من الاستمرار فى الحرب هو طرد العدو من اراضينا وحينما تحقق هذا الامر بهزيمة العراق واسر الآلاف من الضباط والجنود العراقيين بعد تحرير مدينة خرمشهر(تموز-1982) لم يكن يوجد مبرر للاستمرارفي الحرب ، كنا نحس بانه ليس لدى جنودنا دافع حقيقي لمواصلة الحرب وجرهم الى داخل العراق. وكان العسكريون يقولون: لقد حاربنا صدام حسين لحد الآن دفاعا عن الوطن ونجحنا في طرد العدووتحرير اراضينا، ومواصلة الحرب بعد الآن معناها اننا نريد التوسع، وعلى اساس هذا الاحساس وجهت رسالة الى المسؤولين بان عليكم انهاء الحرب وليس من مصلحتنا مواصلتها. وفي تلك المرحلة كان من الممكن ان نحصل على تعويضات كاملة والجميع كانوا سيساعدوننا في ذلك ، وقلت يجب ان نفوض الامر الى اخوتنا العراقيين ليقموا بمهمة اسقاط نظامهم و الذى يجب علينا هو ان ندعمهم و نساندهم فى مهمتهم، اى يجب ان ننقل الحرب من خارج الحدود الى داخل العراق وهذا لايستطيع ان يقوم به الا العراقيون انفسهم.. غير ان السادة (اركان النظام) كانوا يتصورون بانهم يستطيعون احتلال العراق واسقاط صدام حسين ، وكانت هذه الفكرة نابعة من الروح الثورية و الاجواء القائمة آنئذ فى البلد والاعتقاد فى تصدير الثورة الى خارج الحدود، حيث لم نكن لنقبل بالحل الوسط و رفضنا جميع الوساطات من قبل المؤتمر الاسلامى و الامم المتحدة وكان البعض يعد ان ايقاف الحرب مؤامرة من قبل اعداء الثورة.. ان الحرب بعد خرمشهر كانت مكلفة جدا لطرفيها والآلاف من الشباب الشيعة من كربلاء والنجف ممن ارغمهم صدام حسين على الذهاب الى الجبهات قتلوا كما قتل الآلاف منشبابنا بدون ان يحصل اي تقدم. وبعد تحرير خرمشهر جاء ثمانية من قادة الدول الاسلامية الى طهران منهم عرفات وضياء الحق (الرئيس الباكستاني) واحمد سيكوتوري (الرئيس الغيني) وادى هؤلاء صلاة الجمعة وراء الامام الخميني، وتوسطوا لانهاء الحرب، غير ان الامام لم يقبل بوساطتهم))
معارك احتلال البصرة – كتب ايه الله متظري
((في العمليات الحربية ضد العراق لتحرير البصرة، قالوا (مسؤولوا الحرب) نريد ان نذهب الى البصرة واخذوا من الامام الخميني رسالة لاهالي البصرة مضمونها يا اهل البصرة استقبلوا قواتنا…ذهبت الى الامام الخميني وقلت، ما هي هذه الرسالة انهم يضحكون علينا، واعترف الامام بان الرسالة كانت خطيئة. ان التقارير التي كانت تصل الى الخميني من قادة الحرب كانت غير دقيقة وكاذبة في شرح الوقائع، وعلى سبيل المثال فانه في العمليات الاخيرة في تلك المرحلة اعلن صدام حسين ان قواته قتلت اربعة آلاف من الايرانيين، لكن الخبر الذي اذيع من الاذاعة والتلفزيون الايرانيين قال انه لايوجد في جبهة تلك العمليات اكثر من اربعة آلاف مقاتل وانهم جميعا احياء، وقد نقلت هذه المعلومات نفسها الى الخميني، غير انه بعد فترة جاء بعض القادة من ساحة الحرب وكشفوا لي ان عدد القوات الايرانية في تلك الجبهة يتجاوز السبعين الفا او الثمانين الفا، ذهبت الى الامام الخميني وقلت له ان القول بانه ليس لنا في تلك الجبهة اكثر من اربعة آلاف مقاتل غير صحيح، ونقلت اليه ما سمعته من القادة العسكريين، فهز « الامام رأسه وقال يبدو انهم اعطوني تقارير خاطئة))
معركة الفاو وحلبجة – كتب ايه الله منتظري
((وفي عملية الفاو، سحب رفسنجاني ومحسن رضائي وغيرهما من قادة الحرب قواتنا من شبه جزيرة الفاو بغية ارسالها الى مدينة حلبجة ، وكانت نتيجة عملهم مأساوية اذ ان صدام حسين ارسل قواته واستعاد الفاو بسهولة ثم هاجم الشلامجة وقتل الالاف من رجالنا، علما ان احتلال حلبجة من قبل قواتنا لم يكن عملا صحيحا، اذ أسفر عن هجوم صدام حسين بالقنابل الكيماوية حيث قتل في الحال خمسة آلاف من اهالي المدينة. لقد كلفتنا المنشآت والاجهزة التي تم بناؤها ونصبها في الفاو الملايين من التومانات))
وقف الحرب وتجرع الخميني السم – كتب ايه الله منتظري
((استمرت الحرب، وانا بصفتي قائمقام القائد، ساعدت الجبهات بكل ما كان بوسعي، حتى جاء اليوم الذي استعاد فيه العراق شبه جزيرة الفاو. عندئذ بعثت برسالة الى الامام الخميني قلت فيها لا بد من انهاء الحرب. وكان ذلك قبل بضعة اشهر من قبول الخميني بقرار ٥٩٨ . ولما خسرنا الشلمجة وطُرح موضوع القرار ٥٩٨ على المستوى الاعلى، جاء آية الله موسوي اردبيلي رئيس الديوان الاعلى للقضاء حينذاك لبحث موضوع القرار، وقال لقد ثبتوا (رفسنجاني ومحسن رضائي وآخرون) للامام الخميني باننا لم نعد قادرين على مواصلة الحرب، ومن المتوقع ان يعلن الامام قبوله بقرار مجلس الامن. قلت لموسوي اردبيلي حبذا لو وجه قادة الدول الاسلامية نداء الى الامام الخميني لانهاء الحرب بدلا من التراجع ١٨٠ درجة. ، فمنذ سنة طالب صدام حسين باستمرار القبول بقرار ٥٩٨ ، وهو قد وافق عليه، فيما كنا نسخر من نداءاته، والآن نقبل بالقرار نفسه بهذا الشكل؟ هذا تراجع مهين لنا. انني اقترح ان تتوقف الحرب بوساطة من الدول الاسلامية ، بدلا من ان نقبل بالقرار ٥٩٨ ونترك امرنا في ايدي الامم المتحدة، ان نتوسل الى الدول الاسلامية، والقذافي قد ارسل رسائل بهذا الشأن، كما ان الرئيس السوري حافظ الاسد مستعد للقيام بدور ما.وهناك دول اخرى مثل الجزائر هي ايضا مستعدة، بحيث يمكن ان يبادر مبعوثو هذه الدول في الامم المتحدة بطرح موضوع اسقاط طائرة الركاب الايرانية من قبل الولايات المتحدة واستشهاد ٢٩٠ من ركابها، والحملات الصاروخية ضد طهران (من قبل العراق)، ويطالبون بان نقبل بقرار وقف اطلاق النار لحماية حياة المسلمين. ثم تقوم هذه الدول اي سورية والجزائر وليبيا بايفاد مبعوثيها الى ايران لمراقبة تطبيق قرار وقف اطلاق النار. وهكذا نساعد على تعزيز واعتلاء دور الدول الاسلامية. قال موسوي اردبيلي ان هذا الاقتراح جيد وسأثيره مع الامام الخميني. غير انه بعد يومين من هذا اللقاء اعلن القبول بقرار ٥٩٨ . اتصلت بالسيد هاشمي رفسنجاني هاتفيا وقلت: ماذا حصل لاقتراحي؟ قال تجاوزت الامور هذا الحد، اي ان الوضع اسوأ مما يتصوره الانسان.. و قد عبر الامام عن حالته حينما قبل بهذه الاتفاقية قائلا ( اننى اقبل بالقرار 598 وكأنى اتجرع كأسا من السم) وبعد ما وافق الامام، دعوت جماهير الشعب ان تخرج فى مسيرة يوم عيد الغدير لذلك العام تأييدا له و لموقفه الجديد))