19 ديسمبر، 2024 2:56 ص

الحرب الطائفية سلاح العصر السري

الحرب الطائفية سلاح العصر السري

ينزلق العالم العربي إلى الفوضى الدموية, ويخوض اليوم حزمة حروب متعددة ومركبة سيالة, تستنزف الاستثمار ألقيمي والحضاري, وتنحر النظريات السياسية وتتخطى المحظورات الاستراتيجية, وتؤسس لحروب القرن القادم وباستخدام السلاح السري الفتاك ” حرب الهويات الفرعية”, وأضحت شلالات الدم وإزهاق الأرواح والترويع والإرهاب الطائفي سمة هذه الحروب, وحزامها الناقل لفناء الشعوب والمجتمعات,ويقف النظام الرسمي العربي والمجتمع الدولي عاجزا عن معالجتها , ويبدوا أن انفرط النسق الدولي والانفلات القانوني وسوق الحرب كان السبب الرئيسي  في حروب الدم الزاحفة .
مشروع سياسي أم فوضى شركات؟
فشلت أمريكا الدولة والسياسة في الإدارة السياسية العالمية , وخرقت المحظورات الاستراتيجية وأدخلت نفسها في شبكة أنفاق إستراتيجية معتمة ,وأثقلت بحزمة أزمات مركبة تلقي بظلالها على الخارطة السياسية والأمن القومي ,وفي الشرق الأوسط غامرت  بتفكيك معادلة التوازن العربي الإقليمي, والذي كان بمثابة صمام الأمان الاستراتيجي ومرتكزا أساسيا في الأمن والسلم الدوليين,أما أمريكا الشركة عززت من أرصدتها المالية على حساب أمريكا الدولة الكبرى وعلى حساب دافعي الضرائب الأمريكان, وادخلوا العالم بأزمات مالية كبرى يصعب الخروج منها بلا خسائر, وقد تكون تلك الخسائر سببا في انفراط عقد الولايات المتحدة , وكذلك الاتحاد الأوربي هذا على المستوى السياسي والاقتصادي , ونشهد تفاقم فوضى المرتزقة وتعاظم تجارة الموت,وكذلك اندثار القيم الحربية والمهنية على الصعيد الدولي من الناحية العسكرية , ويحتمل انفلات المجتمع الأمريكي باحتراب أفقي كما يجري في العراق والمنطقة, وبذلك لم تكسب أمريكا الدولة الكبرى شيئا من المغامرات الحربية الاستراتيجية .
دوافع معلنة ونتائج مريبة
كانت ابرز دوافع الحرب ضد العراق هي النفط والغاز وفتح الأسواق وتشغيل جيوش المرتزقة وإذا قورنت بحجم الاكلاف الرسمية والخسائر الأمريكية  والضحايا العراقيين فنجد أن إيران هي الرابح الأكبر في اللعبة , وتهيمن على 75% من العقود التجارية العراقية وتحتكر 60% من النفط بشكل مباشر وبالتهريب وبالمقايضة , وتسيطر على الأسواق العراقية عبر إغراق السوق العراقي ببضاعتها الرديئة , وتسحب العملة الصعبة من العراق وتفرغه ماليا , وقد جعلته مركزا لتزوير العملات,وتخترق بشكل مزمن امن العراق والمنطقة بالمليشيات الطائفية والمجاميع الخاصة وبخلايا الحرس الإيراني الذي يعمل على شكل شركات أمنية , وتهيمن كذلك على الهرم السياسي الذي يجسد أجندتها, أذن ماهي الفائدة الاستراتيجية من حرب المغامرة بالعراق , وماهو المشروع الذي تحقق أو الهدف السياسي , وقد سلمت العراق إلى إيران على طبق من ذهب دون خسائر إيرانية , والأخيرة استخدمت  دماء العراقيين معبرا لأطماعها.
أساطير تاريخية وهمية
تعد منطقة الشرق الأوسط الرقعة العالمية الوسطى كونها خزين الطاقة وسوق العالم ومركز التلاقح الحضاري, وينظر أليه التجار الأيديولوجيين من زوايا متعددة أبرزها : التبشير الفكري , والوعاء الإعلامي, وسوق المال , وتوريد الطاقة ,وأسواق حربية وأمنية ,وكذلك الأهمية الجيوستراتيجية للممرات البحرية الحاكمة , ناهيك عن حجم الحشد البشري المستهلك,وبنفس الوقت تعد مركز الديانة الإسلامية والحضارات العربية, ولعل اخطر ما نتعرض له اليوم هو : ظواهر “الحروب الديموغرافية” على المستوى الأفقي والذي أشعلت فتيله إيران في لبنان والعراق واليمن والبحرين وباستخدام فايروس الطائفية السياسية, وبآليات دموية
 “مليشيات وتنظيمات مسلحة وزعانف أيديولوجية تروج أساطير تاريخية وهمية تنخر بها المجتمعات وتنحر المنظومات الأسرية ” وتعمل بقوة على تفكيك الدين الإسلامي إلى طوائف ومذاهب محتربة, واعتقد انه “السلاح السري لتفكيك العالم العربي” وتحقيق حلم الإمارة الإيرانية بالمنطقة  وفقا لمشروع تصدير الثورة الإيرانية.
ايرانات جديدة
جاءت الاحتجاجات الشعبية وما يطلق عليها إعلاميا ” ربيع الثورات العربية” بإرادة شعبية عفوية وبمطالب تحاكي الخلل السلوكي للنظام وتفاقم الفساد وظواهر القمع والترويع والاستئثار بالسلطة دون ممارسات ديمقراطية أو انجازات يقدمها الحاكم على الصعيد المجتمعي والمعيشي , ولمسنا سوء إدارة الأزمات وعدم فهم المطالب , ناهيك عن ركوب الموجة وتوظيف الأحداث,  خصوصا عندما صرح المسئولين الإيرانيين بان الثورات انطلقت من وحي الثورة الإيرانية عام 1979 وهذا مجافي للواقع وللحقيقة , وان الثورات ستفرز “ايرانات جديدة بالمنطقة” في تحدي سافر لأراده الثوار ,  خصوصا  أن تصريحات سليماني ودنائي بخصوص مستقبل العراق تؤكد حقيقة رؤية إيران للعراق كضيعة تابعة لها وتحرك مسرح الدمى السياسي فيه.
تصدير الثورة الإيرانية
إيران الفارسية الدولة الطامعة منذ قرون بالعراق, تمارس غسيل الدماغ الطائفي كوسيلة حربية إستراتيجية, وترفع يافطات أسلامية لتصدير مشروع الأمة الإيرانية, انطلاقا من العراق بعد أن فشلت لعقدين كاملين في لبنان , وكانت خطيئة غزو العراق قد مكنها من التمدد  جنوبا باتجاه الخليج العربي عبر العراق وتأسيس رأس جسر ثلاثي معكوس في الكويت والبحرين واليمن الصومال والسودان ضمن حرب المشاطئة التي تصل إلى الأحمر والمتوسط , وبذلك أصبح العراق رأس جسر لانطلاق مشروع الأمة الإيرانية , ويمكن وصف الدور الإيراني بمثابة الاحتلال الأخطر على العراق لأنها  متاخمة للعراق وطامعة بأمواله وثرواته وتستخدمها لبناء قدراتها الغير نظامية وتلك اخطر التهديدات الحالية , ويلاحظ حجم الحرب الإعلامية الأيديولوجية التي تنفق عليها, وتعدد وسائل الاتصال والتي بلغت أكثر 150 وسيلة اتصال فاعلة تهيكل العقول العربية وتحرض المجتمعات سلبا ضد دولهم وهذا جوهر الاستهداف في حروب الإزاحة للدول العربية.
انفرط الموزايك العربي
يرزح الشرق الأوسط تحت سياط الصراع الجيوقاري وعبر الدول المتمركزة , ونشهد حروب  الإزاحة الجيوسياسية العربية , ومعارك النفوذ وحرق الرقع الخضراء, مما يجعل المنطقة قلقة وأسيرة المتغيرات , وألقت الخطيئة الاستراتيجية الكبرى “غزو العراق” بضلالها على مستقبل العالم العربي برمته, وشهدنا انفرط الموزايك العربي بشكل غير مسئول , وأضحت منصات الصراع الإقليمي لاعب آخر يثقل كاهل المنطقة بالأزمات, وأصبحت الفوضى والقتل الطائفي والفساد ونحر القيم الوطنية وبيع الأوطان مرتكزات للهندسة المعكوسة لتفكيك العالم العربي, وهذا مجسد على الأرض بشكل واقعي وينذر بتفكك الدول بحروب أهلية متعددة تدار عن بعد, وتخضع المنطقة للفوضى الهدامة الزاحفة والصدام المسلح الأفقي والذي يعد من اكبر المخاطر التي يحتمل أن تشهدها المنطقة.
العراق مسرحا للصراع
يدخل العراق في شبكة أنفاق مهلكة تستهدف وجوده وهويته ومكانته في ظل التشظي السياسي, وطوئفة القانون , وتعاظم وهم القوة الذي يتمترس خلفه الطائفيون الجدد, وهم يشكلون خارطة العنف العراقي الملتهبة , وتؤكد الواقعية لا وجود للديمقراطية في العراق بالرغم من التصريحات الدعائية , ونشهد انسلاخ النظام السياسي العراقي من نظرية الدولة والإجماع الوطني , إلى التسلط الطائفي وتطويع القانون واحتكار السلطة , وطوئفة القوة داخل السلطة وخارجها , وتعاظم مظاهر عسكرة المجتمع حيث تذل فيه الهوية الوطنية وتتعالى فيه الهويات الفرعية, وأصبح العراق يقاد بحكومة بوليسية, ولابد من أعاده رسم السياسة والقوة وتحقيق العدالة الاجتماعية ,وخلافا لذلك فان العراق سينزلق إلى الفوضى المسلحة والتقسيم وربما سيكون مسرحا لصراع دولي وإقليمي يقودنا إلى المجهول .
تؤكد الوقائع أن العالم العربي في أسوء أحواله ويخوض حروب أفقية وعاموديه في ظل الفوضى الهدامة الزاحفة, ويبدوا أن التجارة الطائفية أصبحت مربحة للمنتفعين وراكبي موجة السياسية الطائفية, والتي تعد “السلاح السري لتفكيك العالم العربي” وبصماته الرقمية في السودان والصومال والجزائر وليبيا ولبنان العراق, والمعضلة كما يبدوا في غياب التحسب الاستراتيجي والتقهقر في الحروب الإيديولوجية والتي تركت المجتمعات العربية فريسة للتأثير الوافد, ونحتاج اليوم إلى استعاده المبادأة وبإرادة صلبة وعقيدة ناجعة , والإيمان بقدسية الفرد وحرمة الدم وتوعية المجتمع وإدامة التماسك العربي, وتطوير السلوكيات الذكية التي تحاكي التطور ومظاهر العولمة وتطويعها لخدمة شعوبنا وعدم تركها سائبة , ولابد من تحقيق القدرة العسكرية الدفاعية لتكون عامل ردع ضد الأطماع الإقليمية , ناهيك عن أعاده ترسيخ المنظومات القيمية لمعالجة الهندسة المعكوسة التي استخدمت لتفكيك الشعوب والمجتمعات العربية لدوافع سياسية وحربية مخابراتية, ولابد من حملة شاملة لإيقاف النزيف العربي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات