إن قراءتنا لما يقوم به الطائفي، المدعوم سياسياً وثقافياً وإعلامياً وتعبوياً، من خرائب تضعنا أمام حقيقة النية التدميرية التي يؤسس لها كغيره من الوجوه والأصوات الشاذة الداعية للحرب، والعمل على هذا الموضوع خيّم على معظم الممارسات الفعلية باللفظ والمعنى إذن، سوف لا تقدم لنا صرامة الطائفي في غضون الأيام القادمة سوى المزيد من الموت والخراب، ولكي لا يبدو الأمر مبالغاً فيه، ضمن مناخات التشويه والتعرية، نعتمد التاريخ الشخصي لهذا الطائفي أو ذاك مسرحاً لها لكي نبدأ التعرف بشكل ملموس لما سيقوم به هو وأتباعه الذين ينوسون بين حدين: بين بعثرة البلدان وأغراقها بحروبهم الطائفية، وبين نهب ثرواتها واحراق تراثها بحجة الحفاظ عليها، حتى لا يستبد القلق المتفاقم لاتباعه .
ليس من قبيل الصدفة أو الأفتراض الساذج أن يكون الأعتراف بما حصل ويحصل في العراق اليوم أو غيره من البلدان العربية على إنها حرباً طائفية وحسب، فقبل كل شيء علينا الأعتراف بتلك الطوائف المتقاتلة التي تتمتع بحق الحماية داخل أحزابها العقائدية، أو مصادر تمويلها، التي تقيم على حماية أسباب وجودها الذي تستمده من تعاليمها المغلقة من أجل إعادة تكوين المعالم الطائفية التي تجعل من الحرب مشروعاً دينياً أو عقائدياً قبل كل شيء تتشابه فيه أوجه الصراع المذهبي مع أوضاع أخرى في هذه البلاد أو تلك تجاوزت ما يطلق عليه بمفهوم التبلور، ولذلك نرى أن نشاط المارسات الطائفية المقيتة قد أدى إلى تغيرات عميقة في بنية المجتمعات المدنية .
على الرغم من نهاية أو خلخلة حكم القبضة الحديدية والصوت الواحد، في بعض البلدان العربية، إلا أن ثقل الميراث الدموي ما يزال يؤثر على مختلف الأوضاع وهذا التأثير تبرره أمور متعددة أهمها صعوبة طرح مسألة الحرية الفكرية للنقاش تلك المسألة التي كانت ولا تزال المسبب الرئيسي لكل التجارب المأساوية والحروب القذرة والعسكريتاريا المتوجة بالانقلابات والنكبات والهزائم، إن هذا الأمر يعني أستمرار وجود أسباب غير صالحة تدفع للمزيد من الخراب والحرائق كما تعني أيضاً وجود أسباب أكبر من تلك تدفع إلى زيادة المشاكل التي يعاني منها الفرد، العراقي خصوصاً، تلك التي وضعته بصورة قسرية داخل أطر الأحزاب العقائدية الطائفية في نطاق سياساتها الموروثة المغلقة القادمة من أقصى عصور الظلام .