18 ديسمبر، 2024 7:23 م

الحرب الروسية الاوكرانية وتداعياتها الأقليمية والدولية

الحرب الروسية الاوكرانية وتداعياتها الأقليمية والدولية

يحبس العالم انفاسه وهو بانتظار ما ستؤول اليه الاوضاع في اوكرانيا التي تقاوم التوغل الروسي من جهات عدة ، ذلك التوغل الذي بدأ تحت مسمى عملية عسكرية خاصة اطلقها فجأة الرئيس الرئيس فلاديمير بوتن بشكل صدم العالم اجمع .
ومنذ البداية اطلق الرئيس الروسي تهديده الصارم بأن من يتدخل في هذه الحرب سيكون هدفا لروسيا وان السلاح النووي جاهز للاستخدام ضد كل من يقف ضد روسيا من الدول الاخرى قاصدا بذلك دول اوربا ودول حلف الناتو بشكل عام. وهذا الغزو الروسي شكل صدمة كبرى لدول اوربا والولايات المتحدة بل لدول وشعوب العالم اجمع ذلك انه لم يكن احد يتوقع ان تقوم روسيا بغزو الدولة المجاورة اوكرانيا مهما كانت شدة الخلافات بين البلدين كون ان روسيا تمتلك العضوية الدائمة بمجلس الامن وهي واحدة من بين خمس دول في العالم تحظى بهذه الصفة التي تخولها رفض اي قرار يصدره مجلس الامن الدولي يخالف رؤيتها ونقصد به حق (الفيتو). وهي بهذه الصفة مناط بها الحفاظ على الامن والسلم الدوليين لا ان تقوم بتهديد الامن والسلم الدوليين من خلال غزو دولة اخرى كما تقوم به حاليا من غزو شامل لاوكرانيا.
على اية حال بدأ الغزو، وبدأ تخبط دول اوربا والولايات المتحدة بشأن ماهية المساعدة التي يمكن ان تقدمها لاوكرانيا كي تقاوم هذا الغزو وبشكل يتم تجنب المواجهة المباشرة مع روسيا خشية من ان تتوسع هذه المواجهة الى حرب عالمية ثالثة، وبعد الاستفاقة من الصدمة التي سبببها هذا الغزو سارعت دول حلف الاطلسي الى اتخاذ مجموعة من الاجراءات السريعة لمساعدة اوكرانيا منها ما جاء على شكل مساعدات وقروض ومنها ما جاء على شكل استقبال اللاجئين الاوكرانيين وايضا تقديم مساعدات عسكرية على شكل اسلحة مضادة للطائرات والدبابات بشكل خاص، والسماح للمتطوعين بالذهاب الى اوكرانيا لصد الغزو الروسي، وسرعان ما تشكل رأي اوربي وامريكي يكاد يكون موحدا في رفض الغزو الروسي لاوكرانيا وعدم الاعتراف باجراءات روسيا الاحادية الجانب فيها، وتحشيد دول العالم في فرض عقوبات اقتصادية صارمة على الاقتصاد الروسي سرعان ما بدأت اثارها بالظهور في موسكو ومنها عزل البنوك الروسية من نظام (سويفت) العالمي للتحويل المالي، وايقاف استيراد النفط والغاز والمنتجات الروسية الاخرى وبدأت دول اخرى خارج اوربا وامريكا بمقاطعة روسيا اقتصاديا مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة واستراليا ونيوزلندا وغيرها من الدول الحليفة للمعسكر الغربي، وقد تزداد القائمة لا سيما وان الدول الغربية بدأت تمارس ضغوطا على دول اخرى من أجل مقاطعة روسيا اقتصاديا.
وعلى الرغم من محاولة بعض الدول ومنها العراق مسك العصا من المنتصف وعدم قطع العلاقات مع روسيا الا ان الضغوط الغربية باتجاه مقاطعة روسيا سياسيا واقتصاديا مرشحة للازدياد ومع ذلك يبقى اتخاذ هذه الدول ومنها العراق موقف محايد من هذه الحرب هو الاسلم لها لا سيما وان روسيا ما زالت من الدول القوية ولها نفوذ سياسي وتواجد عسكري يمتد الى مناطق عديدة من الشرق الاوسط، مع ضرورة تعبير هذه الدول عن رفضها للغزو والاحتلال كوسيلة لتسوية النزاعات الدولية واهمية الحفاظ على سيادة الدول واستقلالها وبما ينسجم مع ميثاق الامم المتحدة.
وعلى الارض تسير المعارك في محافظات اوكرانية عديدة ويسقط يوميا الكثير من المدنيين الاوكرانيين الابرياء ومن جنود الطرفين روسيا واوكرانيا واخذت هذه الحرب تسيطر على تفكير واهتمام شعوب العالم لا سيما شعوب اوربا وامريكا التي بدأت تنخرط بهذه الحرب بشكل غير مباشر عبر ارسال الاسلحة لاوكرانيا وعبر السماح للمتطوعين من دول العالم المختلفة ومنها دول عربية بالسفر الى اوكرانيا لمواجهة الغزو الروسي الذي يعيد الى الاذهان الغزو السوفيتي لافغانستان عام 1979 وكيف ساهم الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة بهزيمة السوفيت في هذا البلد بذات الاليات التي تتم حاليا في اوكرانيا وهي حشد المتطوعين وتزويد المقاومة بالاسلحة المضادة للدبابات والطائرات وهذه الهزيمة قد تتكرر للروس في أوكرانيا في ضوء الدعم الغربي الكبير الذي بدأت أوكرانيا ومقاومتها تجني ثماره على الارض.
وعلى الجانب الاخر اي في موسكو بدا قائد الكرملين مصدوما من حجم المقاطعة الدولية لروسيا بسبب هذا الغزو وبالشكل الذي ظهر مفعوله فوريا على الاقتصاد الروسي الذي لا يطيق حرب الاستنزاف الاقتصادية طويلة الأمد لا سيما وانه يعتمد بشكل كبير على تصدير النفط والغاز لاوربا وامريكا بشكل اساس.
فما هي تداعيات هذه الحرب اقليميا ودوليا؟
ان لهذه الحرب تداعيات كبيرة وكبيرة جدا سواء على روسيا او على اوربا وامريكا بل وعلى العالم اجمع، وهذه التداعيات متعددة الجوانب منها اقتصادية بدأت بالظهور ومنها سياسية بل وتصل الى حد نشوب حرب شاملة بين دول حلف الناتو من جهة وروسيا من جهة اخرى وقد تتسع لحرب عالمية ثالثة بعد تدخل الصين وكوريا الشمالية اللتان لهما مطالب اقليمية أيضا حيث تطالب الصين بضم تايوان فيما تسعى كوريا الشمالية لاعادة توحيد الكوريتين تحت قيادتها مما يجعل انشغال أوربا والولايات المتحدة بالحرب الاوكرانية محفزا لتحقيق هكذا مطالب.
اما منطقتنا العربية فهي الاخرى ستعاني من تداعيات هذه الحرب على صعد عدة ابرزها الصعيد الاقتصادي والصعيد الامني فعلى الصعيد الاقتصادي شهدت الايام القليلة الماضية ارتفاعا غير مسبوق في اسعار السلع والمواد الغذائية حيث ان العديد من الدول العربية تعتمد على روسيا واوكرانيا في استيراد بعض المواد الغذائية الاستراتيجية مثل القمح، فضلا عن الضغوط الكبيرة التي ستتعرض لها الدول العربية من اوربا وامريكا من اجل مقاطعة روسيا اقتصاديا، وعلى الصعيد السياسي والامني فان العالم سينشغل بهذه الحرب وستصبح القضايا العربية المهمة مثل القضية الفلسطينية تحظى باهتمام أقل، ومن هنا تظهر الحاجة لتوحيد الموقف العربي من الازمة الاوكرانية وتداعياتها الاقليمية والدولية وهذا ما يقع على عاتق الدول العربية المحورية ومنها العراق في صياغة موقف عربي موحد يقلل من حجم الضغوط التي ستتعرض لها الدول العربية بشأن هذه الازمة.
ان من المبكر القول بهزيمة روسيا في اوكرانيا في ظل اصرار زعيم الكرملين على اكمال احتلال اوكرانيا او تركيعها في ظل مؤشرات على اصراره على تحقيق اهدافه والوصول الى النهاية حتى لو تطلب الامر استخدام اسلحة فتاكة ومهما سقط من المدنيين الاوكرانيين، ومن المبكر ايضا القول بهزيمة واستسلام اوكرانيا في ضوء الدعم العسكري الكبير الذي بدأت تتلقاه من دول الناتو لذلك فان الامور ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات،وسيبقى العرب بحاجة الى موقف عربي موحد ينطلق من مصالح الدول العربية ومصالح شعوبها.