تكشف الحرب الروسية – الأوكرانية يومآ بعد آخر أن الولايات المتحدة وقادة دول الناتو الأوربية كانوا يعدون لها معآ منذ امد بعيد لتكون على محورين ; كيل العقوبات الإقتصادية الشديدة وإن كانت غير قانونية أو أخلاقية , ومحور امداد اوكرانيا بالسلاح المتطور للقتال لآخر جندي في الجيش الأوكراني . وتشير الأخبار أن ذلك الإعداد قد تم تحديدآ منذ ان صرح الرئيس الفرنسي ماكرون لمجلة ” إكونومست ” في 7 تشرين الأول 2019 قائلآ ان حلف الناتو في حالة “موت سريري ” ,
منتقدآ في ذلك تراجع امريكا عن اهتمامها بدول الناتو في حقبة الرئيس ترامب , فضلآ عن انتقاده للسلوك الفردي لأردوغان تركيا في سوريا والعراق وخاصة في بحثه عن الغاز في البحر المتوسط بالقرب من قبرص والمياه الإقليمية اليونانية من دون التنسيق مع دول الحلف المطلة على البحر .
ولم يلبث الرئيس الفرنسي حتى اعتذر في لقائه مع الأمين العام للحلف بنس ستولتنبرغ عن ذلك التصريح بعد واحد وعشرين يومآ من تصريحه السابق قائلآ ان انتقاده كان بمثابة الدعوة لدول الناتو الى النهوض وانه سعيد للنتيجة التي حققها تصريحه ,
ولكن منذ ذلك اللقاء يتحمل ماكرون مسؤولية الإعداد لجذب روسيا الى الحرب مع اوكرانيا وإنحراف حقيقة المسار السياسي للحلف بعد ذلك التأريخ , وهي حقيقة بدت فيها دول الحلف لأول مرة بعد الحقب الإستعمارية بإنحيازها الى العرق الأوربي الذي كشفته الحرب من خلال اهتمامها باللاجئين الأوكرانيين دون اقرانهم من الأعراق الأخرى ,
مع ان ذلك ظاهريآ لم يكن إلا بمثابة ذرّ الرماد في عيون الشعب الأوكراني الذي وضعته اوربا بين اسنان الدب الروسي بوتين لتحقيق اهدافها المشتركة مع امريكا في إضعاف روسيا العظمى على المدى البعيد .
ويتحمل ماكرون ايضآ مسؤولية تنبيه دول الحلف الى النزاعات الباردة كما اسماها والأهداف التي سيحققها الحلف وخاصة في مشكلة الدونباس وشبه جزيرة القرم إذا تم مناقشتها مع روسيا , وكان ذلك من خلال العديد من اللقاءات التي اجراها مع رؤوساء دول الناتو قبل انعقاد مؤتمر الحلف لمناسبة الذكرى السبعون لتأسيسه ,
ثم تبلورت هذه اللقاءات الى ورشة عمل لخلق لعبة سياسية جديدة معادية لروسيا تتخطى بها كل القيم والأعراف الدولية والإنسانية في سبيل تحقيق مصالح الحلف العليا التي ارساها , وقد توزعت الأدوار كما بدت على زيلينيسكي وشولتز وبوريل وارسولا دير لاين وبوريس جونسون واردوغان وامير قطر .
كل هذه النشاطات التي تبنتها امريكا بالدرجة الأولى ودول اوربا بالدرجة الثانية والتي بدأها الرئيس ماكرون , كانت لإصلاح حلف الناتو , وقد ذكرنا بعض ماقلناه هنا في مقالة سابقة لإرتباطه بهذه المقالة .
ولما كانت فكرة الناتو مبنية اساسآ ومنذ التأسيس على شرط إبقاء روسيا خارج اوربا وامريكا داخل اوربا والمانيا داخل حدودها , فقد تم تأسيس ذلك المسار السياسي المتحيز لإذكاء تلك الفكرة , التي بدت واضحة في سير الحرب التي بدأها بوتين مجبرآ , من قبل دول الحلف وامريكا لتحقيق الإستقرار الذي نبه اليه ماكرون .
أما الغاية الأخيرة للحرب الروسية الأوكرانية , فهي بلوغ الحرب الى عتبة الإستنزاف والإبقاء على إستمرارها بمد دولة اوكرانيا بقيادة زيلنسكي الذي يقود حملة التدمير الأمريكي بالنيابة عنها وعن اوربا , بالسلاح الذي يمكن تحته اولآ تقوية الجانب التفاوضي لأوكرانيا , وثانيآ التفكير بإيقاف الحرب من الجانب الروسي ليتحمل قبول انضمامها الى حلف الناتو .
ولكن لأن طريق امداد السلاح مفتوحآ ولأن امريكا لها اهدافها الخاصة البعيدة عما هو على طاولة الناتو , فقد عمدت الى تزويد اوكرانيا بصواريخ متوسطة المدى قادرة على ضرب اهداف على بعد 80 كم وهذا يعتبر تغييرآ في قواعد الإشتباك , اي تستطيع بها اوكرانيا على تغيير معادلة الحرب في الدونباس والقرم ,
وهذا الأمر تريد به امريكا ان تؤكد بان اللعبة السياسية التي وضعتها للعب مع روسيا هي كاللعبة التي وضعتها مع العراق وسوريا عندما جعلت من داعش والقاعدة ادواتها للحرب بالوكالة عنها من اجل تحقيق طموحات اسرائيل وتركيا والسعودية على حد تصريحات السيناتور الجمهوري ريتشارد هايدن بلاك ,
إذ أمريكا لاتستطيع ان تحارب من طرف واحد وبشكل مباشر من دون ان تقرّب عنصر الإقناع لشعوب اوربا أو للشعب الأوكراني من ان روسيا تعيش حالة الإعداد لغزو دول اوربا ويتحتم عليها المشاركة بالحرب لدرء التهديد الروسي .
وبالتأكيد أن الذي يدعم هذا التحليل هي تصريحات ريتشارد بلاك نفسه المتوفي في الرابع من شباط 2022 , التي تفضح علاقة امريكا بالقاعدة وداعش والنصرة وكل الجماعات الإرهابية التي شاركت في مايسمى بالربيع العربي بلا استثناء , فضلآ عن الدعم الذي قدمته تركيا ودولة قطر .
ولعل القاريء يسأل عن صدق هذه المعلومات , فنقول له ان اخضاع اسم ريتشارد هايدن بلاك وجميع تصريحاته الى البحث العقلاني المرتبط بالواقع على الأرض سيقود حتمآ الى التمييز بين الحقيقي والمزيف .
وبصورة اكبر دقة لما يرمي اليه ريتشارد بلاك هو ان النموذج الأخير للحرب الروسية – الاوكرانية ماكان إلا آخر حلقة من حلقات بربرية الربيع العربي الذي ارتقى بأمريكا ودول اوربا وكل الذين تواطؤا من حكومات وقادة , ليكونوا أسوأ انواع البشر الذين يقدمون مصلحة الذات كمصلحة عليا ولو تتم اهدافها بتطبيق فكرة إبادة الشعوب بإفتعال المجاعات والحروب والأوبئة المتسلسلة من حمى الأيبولا النزفية وانفلونزا الطيور وكورونا وانتهاءً بجدري القرود وما اعد أخيرآ من اوبئة تنتظر في المختبرات الطبية الأوكرانية التي اعلنت عنها روسيا اثناء الحرب في اوكرانيا وضلوع امريكا بالتخطيط والتمويل لها . وبحكم هذه المعلومات التي قدمها ريتشارد بلاك , هل مات بأجله المحتوم ؟ أم مات بما بقي لديه من معلومات فاضحة للحزب الجمهوري , وهل يرى القارئ ان مثل هذا السناتور يبقى في جوهر الحكم الأمبريالي حرآ وهو يسرب معلومات السي آي أي من دون ان يكسر له ظهره على الأقل ؟ أم ماذا يرى ؟!
بهذه المؤشرات يمكننا من القاء القبض على مخططات امريكا في اوكرانيا وفي العالم وتفردها بهذه المشاريع واهدافها الإجرامية ضد الشعوب , ومن الضروري ان تميّز الحكومات بين السياسة الأمريكية لأغراض ذاتية وبين السياسة كعلم يوضع في خدمة البشرية , لذلك تحاول امريكا من خلال الحرب في اوكرانيا الى حجب القمح عن العالم , كهدف ضمني من اهداف الحرب , وإلقاء اللوم على روسيا وهي بذلك ترسم سياسة اخضاع الشعوب الى هيمنتها السياسية واشتراطاتها التي تتجانس مع ذاتها التدميرية وخاصة في تدمير الشعوب العربية المناهضة للتطبيع مع العدو الصهيوني واولها العراق .
اما عن المدى البعيد للحرب الأوكرانية غير المعلن بالسياسة الأمريكية , فهو الإستمرار بصناعة التواطؤ الدولي تحت عنوانات مختلفة , فالرئيس زيلينيسكي هو احد اقطاب التواطؤ مع امريكا كما هو الحال مع قطر واردوغان الذي يشكل في العراق الآن القوة الجامدة التي تنتظر اي تطور انطولوجي في العراق يقف ضد تطلعات الكيان الصهيوني وهو اخبث دور تقوم به تركيا الاردوغانية لخدمة امريكا , ولعل من مظاهر التواطؤ ووقوف دول اوربا ,
هو وقوف تركيا وقطر على الحياد بظاهر سياستهما ليتجنبا الاقتراب من روسيا لكي لا تذكرهم بمافعلوه في حقبة ثورات مايسمى بالربيع العربي وخاصة وقوف اردوغان مع امريكا في الحرب ضد سوريا مقابل احتلال حلب وسرقة جميع مصانعها الحيوية ووقوف قطر بالتمويل للجماعات الإرهابية.
فالرئيس زيلينيسكي سواء يعرف باهداف امريكا او لايعرفها , فهو يعرف حتمآ وبشكل تام انه يحارب بالوكالة عن امريكا كحال القوى الإرهابية التي دفعتها الى مايسمى بثورات الربيع العربي , وانها الآن تقنعه بعدم التخلي عن التزامه بتحرير اوكرانيا وذلك بتجهيزه بأحدث الآلات الحربية العسكرية , ليجد لنفسه منفذآ الى ذلك التحرير .
وهو في ذلك واهم جدآ , لأن كل ماهو موثق بالتأريخ وعلى الأرض لاينقلب في مائة يوم من الحرب الى صالحه بالسهولة التي تراها له امريكا , إذ ان روسيا قد اعدت منذ 2014 كل مايلزم لمجابهة هذه الحرب , لأنها هي التي كشفت اللعبة السياسية السابقة ومخطط امريكا في التهيئة لداعش بالدخول بمساعدة اردوغان الى العراق واسقاط النظام السوري واعطاء قطر في مقابل تمويلها لسقوط النظام مشروع إيصال الغاز القطري الى اوربا إضافة الى النفط السعودي إستعدادآ للحرب الروسية – الأوكرانية , وكشفت دور اردوغان كتابع الى المخطط الأمريكي برمته بحكم عضويته في حلف الناتو الخاضع لأوامرها ليكون الراعي لداعش وكل القوى الإرهابية من الناحية اللوجستيه .
لذا فإن بوتين يعرف الاعيب امريكا وفرادة ذاتها عن الذوات السياسية الأخرى بالعالم في خضوعها لمبدأ ان القوة عابرة لكل الأخلاق السياسية ومن دونها لا أهلية لها حتى بالسيطرة على شعبها .
لذلك فإن زيلينسكي الذي يمتلك كنهآ كوميديآ وليس كنهآ بربريآ كالذي يمتلكه بوش الابن او بايدن امريكا الحالية ومعه قادة دول اوربا , فإنه حتمآ سيفكك علاقته بأمريكا في اثناء حرب الإستنزاف الذي سيشرف على القيام بها عند استلامه للصواريخ متوسطة المدى كمرحلة اولى إذا احتدمت في صدرة جمرة الصمت على إبادة شعبه باكاذيب امريكا , أو ربما ستتفكك تلك العلاقة بحتمية انقلاب قادة الجيش الأوكراني الذي يعاني هو الآخر من عقدة البوح نفسها على امريكا .
نلمس من هذه المقالة لما فيها من حقائق سياسية بشكل واضح , أن نهاية الحرب الروسية – الأوكرانية التي قامت روسيا بتحمل اعباءها نيابة عن العالم مثلما قامت بها نيابة عن سوريا , ستكون بإنتصارها , عنذئذ سينشق العالم عن بربرية امريكا وحلف الناتو , إذ لاجدوى من دولة ومن حلف لا يؤمنان إلا بالقوة وإبادة الشعوب لأسباب ذاتية , وسيكون ذلك درسآ للمتواطئين من قادة دول العالم الذين ارسوا النظام العالمي الحالي ليكون لمصلحة امريكا فقط , أنهم لامحالة سيحالون الى عدالة الشعوب المظلومة وستكون وسيلة التحرر اسهل بكثير عما هي عليه في هذا النظام الجائر وستنتهي الفوضى التي خلقتها امريكا في الشرق الأوسط وعلى رأسها فوضى الكيان العنصري الصهيوني والى الأبد .