22 ديسمبر، 2024 11:29 م

الحرب الباردة فاصل إعلاني لمشهد جديد

الحرب الباردة فاصل إعلاني لمشهد جديد

الكلُّ باتَ يعتقدُ ويجزمُ بدرجةٍ عاليةٍ من درجاتِ التأكدِ, أنَّ الهدفَ الأميركي في سوريا لم يكن هدفَ إسقاطِ نظامٍ أو تبديلِ حكمٍ أو إهلاكِ حرثٍ أو نسلٍ أبداً, لكنها حربُ قوى, وتصارعُ نفوذٍ ومصالحٍ, وبسطُ سيطرةٍ إقليميةٍ ودوليةٍ أكبر, وصولاً الى القطبِ الواحدِ الحاكمِ للكرةِ الأرضيةِ برمتها …
ولا يُمكن أن تتحققَ هذهِ الغايةُ والهدفُ المنشودُ مع وجودِ دولةٍ موثرةٍ في القرارِ العسكري والسياسي الأميركي كروسيا مثلاً, ولا يُمكن أن يبقَ الأمنُ القومي الأميركي مستقراً ومرتاحَ البالِ مع إحتماليةِ الإنتحارِ النووي الروسي, ولو على نحو سيناريو هوليودي محتمل الوقوعِ …
وهذا التوجسُ والخوفُ والخِشيَةُ من إحتمالِ وقوعِ هذا السيناريو, يُبقي الجانبُ الأميركي في حالةِ ترقبٍ وحذرٍ دائمتينِ, مما يكلفها بذلُ المزيدِ من الأمكانياتِ الماليةِ والإقتصاديةِ للحفاظِ على تقدمِها العسكري والأمني …
فما تُعلنُ روسيا أي منظومةٍ عسكريةٍ جديدٍ, حتى يفكرُ الجانبِ الأميركي أن يكونَ أولَ مشترٍ لها ولو بطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ, حتى لو عن طريقِ سمسرةِ الدولِ المستوردَ لها, وباتَ هذا البابُ مؤصداً بوجهِ الجانبِ الأميركي تقريباً, بسببِ المبيعاتِ الروسيا الحذرةِ والنزيرةِ بغية أن لا تقع هذهِ التقنياتُ الجديدةُ بيد الجانبِ الأميركي, خوفاً من عملياتِ فكِ شفراتها البرامجيةِ, وبالتالي تحييدها وإخراجها من الجدوى العسكريةِ المُعدةَ لها …
فلذا باتتْ المبيعاتُ الروسيةُ قليلةً جداً وعلى نطاقِ ضيقٍ جداً من الدولِ القريبةِ لها جغرافياً أو توجهياً, وبالتالي تحافظُ روسيا على جانبها الإقتصادي من خلالِ تعويضِ المبذولِ من الإمكانياتِ الماليةِ على عملياتِ التطويرِ, كما وتحافظُ على سريةِ برامجها العسكري بشكلٍ كبيرٍ, وهذا ما يُفسرُ لنا سرَ إمتناع الروسِ عن تصديرِ منظوماتِ صواريخها S300-S400 لدولِ الخليجِ وإسرائيلِ خاصةٍ والعالمِ العربي عامةٍ …
‫#‏وهنا_نقطة_مهمة_جداً‬ :
إنَّ إمتناعَ الروسِ عن كشفِ برنامجها الصاروخي من خلالِ توسعةِ المبيعاتِ لدولِ العالمِ -بالرغمِ من الجدوى الإقتصاديةِ منها أكثر من مبيعاتِ النفطِ والغازِ- يكشفُ لنا وبشكلٍ جلي أن سريةَ برنامجها الصاروخي البالستي والإعتراضي وغيرهما جزءاً من أمنِهَا القومي وسِرِ بقائها كقطبٍ آخرٍ يقابلُ القطبَ الأميركي !!!
وبالمقابلِ مَن تخشى على نفسها من الإنفضاحِ التكنلوجي العسكري, لابدَ أن تكونَ دوماً في حالةِ الدفاعِ لا الهجومِ, لأنَ التفكيرَ بالهجومِ سيكشفُ الكثير من أسرارها المرتبطةِ بأمنها القومي وترأسها الصدارةِ العالميةِ …
‫#‏ومن_هنا‬ ترى أن الجانبِ الأميركي دائماً يؤكدُ على توريطِ روسيا في الوحولِ الإقليميةِ والعالميةِ, لغرضِ إستنزافها إقتصادياً, ولا يُمكن أن يُملأ الجانبِ الإقتصادي مع إنهيار أسعارِ النفطِ إلا من خلالِ مبيعاتِ اللأسلحةِ وتصديرِ تكنلوجيا الحربِ, وبالتالي ستنكشفُ لأميركا الكثير من الأسرارِ العسكريةِ التي لا يُمكن أن تحصلَ عليها من خلالِ عمليةِ السمسرةِ الدوليةِ أو العملاءِ …
وبالتالي مما قلناه أعلاه نفهمُ وبشكلٍ جلي جداً, أنَّ التدخلَ الروسي في سوريا من التدخلاتِ التي أرغمتْ عليها من قبلِ الإدارةِ الأميركيةِ, وهذهِ السياسةُ سياسةُ الطعمِ والصنارةِ, حيثُ لابدَ للصيادِ أن يخسرَ الطعمَ بمقابلِ صيدِ الهدفِ, فالخسارةُ موجودةُ لكنها لا قيمةَ لها بقبالِ الهدفِ !!!
وما أرغمتْ عليهِ روسيا من دخولها في الوحلِ والمعتركِ السوري ليسَ من السهلِ أن تخرجَ منهُ أبداً, بل ستخرجُ منهُ مع خسارتينِ أحداهما على الصعيدِ السياسي والأخرى العسكري, ناهيكَ عن الجانبِ الإقتصادي المتردي والأزمةِ الماليةِ المتفاقمةِ …
وهنا ستقعُ روسيا بينَ خيارينِ متناقضينِ, إما أن تنسحبَ لدواعٍ سياسيةٍ وإقتصاديةٍ وعسكريةٍ, وبالمقابلِ ستخسرُ متنفسَهَا العسكري الذي كانَ بمثابةِ الطعمِ الذي ضحتْ بهِ أميركا, وهو إيجادُ متنفسٍ لإختناقها العسكري من الإتجاهاتِ كافة, أو تحافظُ على هذا المتنفس الذي سيشكلُ الهاجس الأمني على العالمي من خلالِ نشرِ صواريخِهِا وبارجاتِهَا, مع التحملِ لكلِ الضغوطِ الماليةِ والعسكريةِ والسياسيةِ !!!
لذا حاولتْ روسيا من الموازنةِ بين الخيارينِ, من خلالِ خيرِ الأمورِ أوسطها, حيثُ فكرتْ بإنسحابِ الجزئي مع الحفاظ على موطأ قدمِ في سوريا, وبالتالي هي مسكتْ العصا من المنتصفِ, ولم تركن للخيارينِ الأميركيينِ …
ولذا إن الإنسحابَ الروسي من سوريا, هو أذنٌ بحربِ باردٍ جديدٍ وقصيرةِ الأمدِ جداً جداً جداً, وهذهِ الحربُ هو الحصولُ على ما لم يُحسم عسكرياً بالطريقةِ السياسيةِ والمسارِ التفاوضي …
ولكن بعد علمنا وبشكلٍ جلي أن الروسَ غيرُ قادرينَ على إدامةِ زخمِ الحربِ بشكلٍ طويلٍ في سوريا, لأنها متحالفٌ مع أضعفِ دولةٍ في أطرافِ الحربِ السوريا وهي ‫#‏إيران‬, لذا سيكون تبني المسارَ السياسي هو الخيارُ الأمثلِ لها بقبالِ التحالفاتِ العملاقةِ العالميةِ …
ولكن دخولُها في المسارِ التفاوضي سيكون من بابِ الإنجبارِ ومحدوديةِ الخياراتِ, لذا سيؤول المسارُ التفاوضي الى صالحِ المعارضةِ السوريةِ بشكلٍّ مؤكدٍ, لأنها تُمثل وجهةُ النظرِ الإقليميةِ وربما الدوليةِ, بل أكون مبالغاً ومتناقضاً مالو قلتُ أن للدولِ الغربيةِ وأميركا على وجهِ الخصوصِ فائدةٌ مرجوةٌ من ظفرِ المعارضةِ بالمفاوضاتِ …
فالهدفُ السامي الأميركي هو تقويض القدراتِ العسكريةِ الروسيا, وليس للسوريينَ وبلادهم أيَّ وزنٍ في المعادلةِ النفعيةِ الأميركيةِ, وهذا ما يُفسرُ لنا سِرَ التخاذلِ الأميركي وسياستِها الخارجيةِ في التسريعِ لإنجاحِ المفاوضاتِ السوريةِ, لأن الشأنَ السوري هو وسيلةٌ لإضعافِ الجانبِ الروسي فحسبِ, وليسَ الغايةُ أبداً !!!
والآن دعوني أكشفُ لكم شيئاً آخراً غيرَ الذي كشفتهُ في المقالاتِ السابقةِ, وما سأبينهُ لكم أعتبرهُ هو السيناريو المحتمل جداً من حيث التحققِ في القريبِ العاجلِ :
لا يتوقع أحدٌ أن القيصرَ الروسي فلادمير بوتن من الناسِ البسطاءِ في السياسةِ, أبداً فهو ومرافقوه يُعدونَ من دهاتِ العالمِ أجمعِ, فلذا لابدَ أن نغيرَ من طريقةِ تفكيرنا ما لو فكرنا في تحليلِ خطواتِ القيصرِ الروسي, لأنها خطواتٌ يسودها الذكاءُ النسبي تقريباً, فالسياسي البارعُ وكاتبُ السيناريو العربي لا يُعد إلا قزماً من أقزامِ السياسةِ أمامَ أي موقفٍ سياسي حتى لو كانَ عفوياً وغيرَ مقصودٍ يخرجُ من دهاتِ العالمِ كالقادةِ الأميركانِ والروسِ وعمومِ الأوربيينَ وغيرهم …
الكلُّ سَمِعَ بإبقاءِ منظومةِ S400 وبعضِ القواعدِ الجويةِ في الأراضي السوريا, وبالتحديد في المناطقِ الخاضعةِ للنظامِ السوري بشكلٍ تامٍ وحقيقي, وهذهِ التركةُ العسكريةُ من المستبعدِ سحبها من الأراضي السوريا بالقريبِ العاجلِ …
ولكي تبقى هذهِ التركةُ العسكريةُ في الأمنِ والأمانِ, فلابدَ من بقاءِ نظامِ الأسدِ في الحكمِ, ومع إستحالةِ بقاءِ نظامِ بشارِ على سدةِ الحكمِ وبالخصوصِ لسوريا موحدةٍ والكثيرِ منها خارج عن نظامِ سلطتهِ الى سلطةِ المسلحينَ, فهنا يُطرحُ سيناريو سوريا المفيدةُ بشكلٍ جادٍ وحقيقي …
وبالتالي إن عمليةَ تركِ الروسِ لبعضِ معداتهم العسكريةِ في سوريا, ستكونَ نقطةُ قوةٍ للنظامِ الأسدي, من بابِ الحارسِ على المصالحِ الروسيا من خلالِ ضمان أمنِ تركتهِ العسكريةِ في سوريا …
وهنا نجحَ فلادمير بوتن من خلالِ تقويةِ المفاوضاتِ لصالحِ الأسدِ بقوةٍ, ولكن على أساسِ المصالحِ الروسيا في سوريا, وبما أن المصالحَ الروسيا تتركز في المناطق الخاضعةِ للنظامِ السوري -سوريا المفيدة-, لذا فقوةُ النظامِ في المفاوضاتِ على أساسِ ما يملكُ من الأراضي لا على أساسِ الترابِ السوري كاملاً, والقوةُ التفاوضيةُ التي يملكها النظامُ هي قوةُ عبوديةٍ و رَقٍ وذلٍ وهوانٍ لأنهُ يفاوضُ على أساسِ المصالحِ الروسيةِ في المنطقةِ الخاضعةِ لنظامهِ على كونهِ الحارسُ على المصالحِ الروسيةِ في المنطقةِ, فهنيئاً لكم أيها السوريون والإيرانيون واللبنانيون والعراقيون يامّن تنظرون الى بشارِ الأسدِ على كونهِ قائداً ميدانياً ورجلِ المرحلةِ, وحقاً يَصحُ فيهِ قولُ الشاعرُ :أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةٌربداء تجفلُ من صفير الصَّافرِ
وإذا صحَ التحليلُ أعلاه -وأعتقدُ بهِ أنهُ هو السيناريو المحتمل- أي إبقاءِ التركةِ العسكريةِ الروسيةِ في سوريا مع ملازمة لبقاءِ نظامِ بشار ولو على إقليمِ أو دويلةِ سوريا المفيدة …وإذا صحَ التحليلُ -وهو صحيحٌ جزماً- بأن الغايةَ من التدخلِ الأميركي في سوريا هو لتقويضِ القدراتِ العسكرية الروسيا …
سوفَ تفشل مفاوضاتُ جنيف الحاليةُ بشكلٍ مؤكدٍ, وسيتحدد خيارُ روسيا بينَ الدخولِ في الوحل السوري مرةً أخرى أو سحبِ القدراتِ العسكرية على الأراضي السوريا بذريعة تحقق الأهدافُ الروسيا في سوريا, والخيار الأول هو الراجح لأن الروسَ قد أمنوا طريقةَ العودةِ الى المقصلةِ السوريا من خلالِ محاربةِ الإرهابِ المجرمِ أممياً …
خارج النص :،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، 
لا يفوتني الذكر ان أكرر ، إن أغلب الكتابات التي أخطها تعتني بالشأن العام العالمي وليس الإقليمي والعراقي فقط، وإن كانت الرغبة العارمة عندنا كقراء أن نميل بطبيعتنا للشأن العراقي فحسب، وهذا من دواعي الحزن الكبير عندنا ….
لان أقلمة الاحداث سيؤدي لأقلمة التفكير، وبالتالي نخسر معرفة الشؤون الاقليمية فضلا عن العالمية، لمعرفتنا المسبقة أن مطبخ الأحداث دوليا وليس اقليميا …
لذا فالتفقه السياسي يجب أن لا يقف عند حد العراق والدول الإقليمية، وان كانت هي ساحة التجارب العالمية وترسيم سياسات دولية جديدة، بل يجب أن يتعدى الى الدول المصدرة والراعية للمخططات العالمية …