23 ديسمبر، 2024 10:56 ص

الحرب الباردة بين إيران والسعودية … فككت التيار الصدري‎

الحرب الباردة بين إيران والسعودية … فككت التيار الصدري‎

الحرب الباردة هو مصطلح يستخدم لوصف حالة الصراع والتوتر والتنافس التي كانت سائدة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وحلفائهم من الفترة في منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات, خلال هذه الفترة، ظهرت الندية بين القوتين العظميين خلال التحالفات العسكرية والدعاية وتطوير الأسلحة والتقدم الصناعي وتطوير التكنولوجيا والتسابق الفضائي, ولقد اشتركت القوتين في إنفاق كبير على الدفاع العسكري والترسانات النووية وحروب غير مباشرة – باستخدام وسيط.
في ظل غياب حرب معلنة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي قامت القوتان بالاشتراك في عمليات بناء عسكرية وصراعات سياسية من أجل المساندة, على الرغم من أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كانا حلفاء ضد قوات المحور إلا أن القوتين اختلفتا في كيفية إدارة ما بعد الحرب وإعادة بناء العالم, خلال السنوات التالية للحرب، انتشرت الحرب الباردة خارج أوروبا إلى كل مكان في العالم, حيث سعت الولايات المتحدة إلى سياسات المحاصرة والاستئصال للشيوعية وحشد الحلفاء خاصة في أوروبا الغربية والشرق الأوسط, خلال هذه الأثناء، دعم الاتحاد السوفيتي الحركات الشيوعية حول العالم خاصة في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية ودول جنوب شرق آسيا.
اقتربت الحرب الباردة من نهايتها أواخر الثمانينات وبداية التسعينات, بوصول الرئيس الأمريكي رونالد ريغان إلى السلطة ضاعفت الولايات المتحدة ضغوطها السياسية والعسكرية والاقتصادية على الاتحاد السوفيتي, في النصف الثاني من الثمانينات، قدم القائد الجديد للاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف مبادرتي بيريستوريكا – إصلاحات اقتصادية – وغلاسنوت – مبادرة إتباع سياسات أكثر شفافية وصراحة, لينهار الاتحاد السوفيتي عام 1991 تاركاً الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في عالم أحادي القطب.
ويبدو إن الشرق الأوسط وبالتحديد العراق, يشهد الآن حرب باردة إلى جانب الحرب الساخنة بين قطبين ومحورين مهمين يتصارعان سياسياً داخل العراق وهما السعودية وإيران, حيث إستطاعت السعودية في الفترة الأخيرة من الدخول وبقوة وسط الزحمة السياسية العراقية لتؤثر بشكل وبآخر في إحدى التيارات السياسية وتحوله من مؤيد لسياسات إيران داخل العراق إلى معارض لها مستغلة في ذلك حركة التظاهرات المطالبة بالتغيير الجذري للحكومة والبرلمان العراقيين اللذان تهيمن عليهما إيران, وذلك من خلال الإغراءات السياسية في المناصب الحكومية والبرلمانية الجديدة في حال حصل التغيير والتي تم الإتفاق عليها خلال اللقاءات السرية والمعلنة التي جرت بين قيادات التيار الصدري وبين سفير السعودية ” ثامر السبهان ” والتي رافقها ترويج إعلامي عربي خليجي لحراك مقتدى الصدر وتياره وتقديمه للعالم على إنه شخصية عراقية وطنية عربية مناهضة للتدخل الإيراني, وقد استطاعت السعودية إلى حدٍ ما بقلب موقف مقتدى الصدر ضد إيران.
لكن إيران لم تقف عاجزة ضد هذا الحراك السعودي بل إنها أخذت تتحرك سياسياً لضرب التيار الصدري وتفكيكه ضمن حركة استباقية لتوقف المد السياسي السعودي الذي اخذ يهدد العملية السياسية العراقية التي تهيمن عليها إيران, فكانت نتيجة تلك الحرب الباردة هي عمليات تفجير إرهابية طالت المدن ذات الغالبية الصدرية وكذلك عمليات إبادة للمتظاهرين مع حملات اعتقال للنشاطين, والتي رافقها حراك سياسي إيراني واضح المعالم لقلب الطاولة على السعودية منها احتواء مقتدى الصدر شخصياً والتحفظ عليه داخل الحدود الإيرانية ووضعه تحت الإقامة الجبرية, وعلى الرغم من وجود قيادات داخل التيار الصدري تعمل وفق توجيهات السعودية حتى وصل الأمر إلى إقتحام مقرات الأحزاب والكيانات السياسية الموالية لإيران أمام عجز حكومي وإيراني.
هذا الحراك الأخير لتيار الصدر والممول من قبل السعودية, دفع بإيران إلى إتخاذ خطوة جديدة, وهي ضرب التيار الصدري من الداخل, حيث استطاعت ومن خلال السفاح المالكي عميلها السياسي رقم واحد في العراق بأن تفكك التيار الصدري وتشكيل حركات مسلحة جديدة منشقة عن التيار الصدري, حيث أعلن القيادي المعروف داخل التيار الصدري ” سعد سوار ” انشقاقه عن التيار الصدري وتشكيله مليشيا مسلحة جديدة حملت اسم ” جيش المؤمل ” وقد انضمت لهذا المليشيا مجاميع من مليشيا عصائب أهل الحق ومليشيا لواء أبو الفضل العباس اللتان تخضعان لقيادة وتوجيه علي خامنئي مباشرة, وكان هذا الإنشقاق نتيجة لقيام نوري المالكي بتقديم مبلغ مالي يقدر بــ “3” ثلاثة مليون دولار لسعد سوار كدفعة أولى من أجل إعلان انشقاقه عن التيار الصدري وذلك ضمن تحركات المالكي الإيرانية لإيجاد تيارات عقائدية – مليشيات – متعددة موالية لإيران في وسط وجنوب العراق من أجل خدمتها وخدمة مشاريعها التوسعية.
ولن يقف هذا الأمر عند هذا الحد بل ستكون هناك انشقاقات أخرى ومتعددة داخل التيار الصدري بل حتى التيارات الأخرى من المكون السني من أجل تفويت الفرصة على السعودية, وبطبيعة الحال كل هذا الحراك ليس بعيداً عن أنظار أميركا الراعي الرسمي لكل التحركات التي تحصل في العراق و كما يبدو إنه يحصل بمباركتها وبتأييدها أو على أقل تقدير إنها غضت الطرف عن هذا الحراك الإيراني, لأنها تريد أن تضعف كل التيارات السياسية التي عرفت بولائها لإيران سابقاً وهذا ما يساعدها في حراكها السياسي المستقبلي في العراق.
وحقيقة إن هذه التحركات السياسية التي أفرزتها الحركة الشعبية العراقية المطالبة بالإصلاح والتغيير والتي ركبت موجتها إيران والسعودية تذكرنا بما قاله المرجع العراقي الصرخي في استفتاء ” أميركا والسعودية وإيران….صراع في العراق ” والذي قال فيه ..
{{…  3ـ القراءة الأولية للأحداث الأخيرة تشير إلى:
أ ـ إنّ التظاهرات والاعتصامات الأولى عند أبواب الخضراء كانت بتأييد ومباركة ودعم القطب الثالث الجديد المتمثّل بالسعودية ومحورها الذي يحاول أن يدخل بقوةٍ في العراق والتأثير في أحداثه ومجريات الأمور فيه، منافساً لقطبي ومحوري أميركا وإيران.
ب ـ أما الاعتصام الثاني للبرلمانيين فالظاهر أنه بتأييد ومباركة ودعم بل وتخطيط إيران لقلب الأحداث رأساً على عقب وإفشال وإبطال مخطط ومشروع محور السعودية وحلفائها، وقد نجحت إيران في تحقيق غايتها إلى حدٍّ كبير.
جـ ـ أما الاعتصامات الأخيرة عند الوزارات فلا تختلف عن سابقاتها في دخولها ضمن صراعات أقطاب ومحاور القوى المتدخلة في العراق فلا يُرجى منها أيّ خير لشعب العراق.
د ـ أرجو وأدعو الله تعالى أن تحصلَ صحوةُ ضميرٍ حقيقية عند الرموز والقيادات المؤثرة فتكون صادقة وصالحة لقيادة الجماهير نحو التغيير والإصلاح الجذري الكلي وتحقيق الخلاص، وسنكون جميعا معهم.
4ـ إنْ حصلَ إتفاق بين دول مَحاور الصراع على حلٍّ أو شخصٍ معيّن، فإنّه يرجع إلى التنافس والصراع المسموح به فيما بينهم والذي يكون ضمن الحلبة والمساحة التي حدّدتها أميركا، فالخيارات محدودة عندهم، وبعد محاولة أحد الأقطاب تحقيق مكسب معين، وتمكّن القطب الآخر من إفشال ذلك، فإنهم سيضطرّون إلى حلٍّ وسطي ومنه الرجوع إلى ما كان !!…}}.
فالحرب الباردة بين إيران والسعودية داخل العراق وكما يبدو أدت إلى تفكيك تيارات سياسية وتكوين تيارات جديدة, وبطبيعة الحال هذا الإنشقاق والتفكك داخل التيار الصدري سيدفع بالسعودية إلى السعي إلى إيجاد بدلاء عن التيار الصدري من جهة ومن جهة أخرى تحاول أن تستغل ما تبقى من هذا التيار, لتكون الحرب الباردة بين إيران والسعودية على أوجها حيث ظهرت وكما نلاحظ الندية بينهما من خلال التحالفات السياسية خارج وداخل البرلمان العراقي.